facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حوار مع "بائع البوظة" الذي اصبح رئيساً للوزراء ..


24-06-2009 04:29 AM

*** أحداث اليرموك بدأت وانتهت بنفس اليوم وما قيل عن سوء ادارة الجامعة " هراء " .. وحكومتي جاءت للإصلاح وغادرت بسبب التفجيرات ..

*** والدي كان يصدر التفاح والاجاص من جرش الى يافا في فلسطين بالاربعينيات ..

*** حققت اربع اختراعات علمية انقذت شركة عملت بها من الافلاس ..

*** كونداليزا رايس لا أعرفها ولم ترشحني كما تبادر إلى البعض ..

*** لست بخيلا ، لكنني شديد الرقابة على المال في الصرف العام .. *** التعليم العالي تراجع منذ تأسيس وزارة التعليم العالي والأفضل الغاؤها ..



حاوره : سمير الحياري وخليل الشوبكي وعماد عبد الرحمن - تصوير : رعد العضايلة .. تبدو لك شخصية رئيس الوزراء الاردني الاسبق الدكتور عدنان بسيطة للوهلة الاولى ، لكنه من خلال التجربة الرئاسية لحكومة.

جاءت كما يقول للاصلاح وذهبت بعد التفجيرات المشؤومة يظهر لك ايضاً كم هو متمرس يعي ما بين السطور وما بين اسئلة الكلمات.

بدران تحدث في مقابلته للرأي عن سلسلة مترابطة من حياته مذ ان كان طفلا فطالب للعلم ومغترب يبيع البوظة ومن ثم عالم مكتشف فوزير واكاديمي ورئيس وزراء في مرحلة حساسة من تاريخ الوطن ..

المقابلة مليئة بالمعلومات الجديدة عن الرجل الذي كان شاهدا على التفجيرات
واحداث اليرموك وكيفية صناعة القرار في بلادنا :



نبدأ الحديث في هذا الحوار عن فترة طفولة د. بدران؟
- ولدت في جرش بتاريخ 15-12-1935، وقد كان والدي قاضياً شرعياً في جرش، وعمل قبلها قاضياً في عجلون وإربد وكان قبل ذلك قاضياً في حماة وقد تعلّم والدي القضاء في اسطنبول/الأستانة ؟ الأمبراطورية العثمانية، إذ كانت الدول العربية حينها لا تحدها الحدود السياسية الجغرافية الحالية وتابعة للإمبراطورية العثمانية.
وعند تأسيس إمارة شرقي الأردن، تمَّ طلب والدي من الخارج مع آخرين لتنمية كوادر الإمارة الجديدة لحاجتها إلى ذلك، إذ كان وقتها قاضي حماة، عمل بعدها في عجلون التي كانت عاصمة لواء عجلون-قائمقامية، وكانت إربد قرية آنذاك تابعة إلى لواء عجلون ويتبع لها نواح، ثمَّ ترفعت عجلون إلى متصرفية وتبعتها جرش ومدن في اللواء، وبعدها كبرت إربد وأصبحت محافظة ومركز لواء الشمال.
وتنقل والدي بين عجلون و إربد ثم استقر في جرش، وولدتُ وأخوتي في جرش (نحن ثلاثة أخوة وأربع شقيقات)، والسبب أننا أقمنا فترة طويلة في جرش حوالي عشرين عاما، لذلك فإن معظم أملاكنا في جرش، ابتداء بالبستان المروي من ينابيع جرش، وانتهاءً بمنـزل الوالد القديم، وهو ما ورثناه في جرش عن الوالد المرحوم.
علاقتنا مع جرش لم تنقطع نهائيا إذ نزور المزرعة في جرش التي كانت مساحتها حوالي 300 دونم ، وقد اشتراها الوالد عام 1921عند بداية الإمارة، لأنه كان يهوى الزراعة، وقد استهوته جرش في تلك الأيام لأنها كانت منطقة جميلة جدا، غنية بينابيعها وبساتينها، سكانها من الشركس والشوام، ويعمل الشركس بالزراعة، بينما يعمل الشوام بالتجارة، ويعمل أهالي القرى المحيطة بمهنة تربية المواشي كالأبقار والماعز وتوريد الحليب لصناعة جبنة ولبنة جرش المشهورة، بالإضافة إلى عملهم بزراعة المحاصيل الحقلية كالقمح والشعير والأعلاف، أما زراعة الخضار والفاكهة فكانت من اختصاص الشركس، لخبرتهم في هذا المجال.
وكانت جرش مدينة صغيرة تتميّز بتنوع سكانها في المهن المختلفة في الزراعة والتجارة والصناعة في الحرف اليدوية المهنية، وقد كان بها يوماً أسبوعياً مفتوحاً للسوق (سوق الحلال) وهو اليوم الذي يأتي فيه أهالي كل القرى إلى جرش لبيع المواشي والمنتجات الزراعية، وشراء حاجياتهم ومؤنهم، وقد كان الأهالي يبيعون منتجاتهم الزراعية، ثمَّ يتسوقون ولا يدفعون نقدا مقابل ما يشترونه، إنما كان هناك (قيد) يسجل فيه التاجر المشتريات، وعند الموسم يذهب التجار على خيولهم، لاستيفاء ديونهم، من البيدر، من محاصيل القمح والشعير، ولم يكن هناك بنوك لذا كان يخزن الناس أموالهم لدى قاصات التجارة.
وأذكر إن أول سيارة أجرة جاءت إلى جرش كانت لشخص اسمه ( أبو عارف شوكة) وهو شركسي وهي السيارة الأولى التي أراها بحياتي، وكانت عندما تتوجه صباحا إلى عمان، تدور في المدينة لأخذ المسافرين من بيوتهم مبكرا وتزمر لإيقاظهم، ويتبعها الأولاد يزاحمونها في السرعة، وهذا الكلام بداية الأربعينيات ، وتستغرق الرحلة عادة إلى عمان على طريق ترابي ضيق نصف يوم تقريباً، كما لم يكن هناك كهرباء أو طرق معبدة أو تمديدات مياه إلى البيوت بل كانت حارات جرش وشوارعها منارة بـ الفوانيس مرفوعة على أعمدة خشبية.
وكان السقا يمر على البيوت يوميا لبيع المياة بالصفيحة التي تعبأ في الزير والبراميل، وكان الناس يستخدمون (اللوكس والسراج والفوانيس التي تعمل بالكاز) في البيت للإنارة، وكانت الحياة سهلة وبسيطة ولم يكن هناك فقر ولكن هناك كفاف وقناعة، فأنا لم أعرف شحاذا في جرش، في ذلك الوقت، وكان عدد الناس محدوداً، والأردن لا يتجاوز عدد سكانه في ذلك الزمان 350 ألف نسمة قبل حرب الـ 48 في فلسطين، كما كانت كمية الأمطار تكفي للزراعة والاستخدامات المختلفة، وكانت ينابيع جرش غزيرة ووادي جرش كثيف بالمياه العذبة الصالحة للشرب، وأذكر أن عائلات جرش كانت تأخذ فسحة يوم الجمعة مع أطفالها لشوي اللحم على السيخ وأكل البطيخ وعمل الشاي على الحطب على جانبي سيل جرش عذب المياه. وكنا ننقطع عن عمان لأشهر عندما يفيض سيل الزرقاء بسبب عدم وجود عبارات، أو جسور في ذلك الوقت إلا أن شوارع مدينة جرش كانت مرصوفة بالبلاط الحجري بذلك أشبه إلى شوارع مدينة جرش الأثرية الرومانية المجاورة. وكان الموظفون يلتقون عصراً بعد نهاية دوامهم اليومي أمام الدكاكين يحتسون القهوة العربية، لذا يستطيع المرء أن يشم رائحة القهوة وهي تحمّص وتدّق بالمهباج في معظم شوارع جرش الضيقة المبلطة.

أين أمضيت المرحلة الابتدائية؟
- درست في مدرسة جرش الابتدائية وكان مديرها فضل الدلقموني، وعلمني محمد علي رمضان وعادل أوتي وآخرون وكانت المدرسة مستأجرة من حسين السرايجي، وأذكر أننا في كل صباح كنا ننشد نشيد العلم في ساحة المدرسة، ثم يمر المدير علينا للتفتيش على هندامنا ورؤوسنا الحليقة، وعلى أيادينا للتأكد من أنها نظيفة وأظافرنا مقلمة. وكنا نخاف عصا المدير.

أين أمضيت المرحلة الإعدادية والثانوية؟
- بعد أن أنهيت الابتدائية في جرش، انتقل والدي قاضياً إلى الكرك، وأمضيت مرحلة دراستي الإعدادية وجزءاً من الثانوية في الكرك، التركيبة الكركية الاجتماعية كانت فريدة، إذ كان يقطن مدينة الكرك آنذاك شيوخ العشائر حول القلعة على هضبة الكرك العالية المحاطة بالوديان السحيقة وأفراد العشيرة يسكنون في القرى المجاورة للكرك، فتجد قرى للمعايطة وقرى للمجالية وقرى للطراونة، وقرى الضمور والسحيمات والصرايرة والحباشنة والزريقات والبرارشة، وبقية العشائر، وكانت تركيبة الكرك فريدة، كأنها عاصمة تطل على القرى المحيطة، مما يشير إلى أنَّ الكرك كانت تاريخياً مملكة الكرك، وكنا نسكن بجوار القلعة بجانب سرايا الحكومة في حارة نجاور دليوان باشا المجالي وإرفيفان باشا المجالي، وحسين باشا الطراونة وآل الجمل.
وتميّزت الكرك، ولا تزال، في التعايش المتكامل بين المسيحيين الذين يمثلون أقل من نصف السكان، والمسلمين الذين يشكلون أكثر من النصف الآخر، وكانت المدرسة آنذاك عثمانية البناء تشبه السرايا، وعندما انتقل والدي إلى الكرك انتقل بعدها بالصدفة صديقه فضل الدلقموني مدير مدرستنا الابتدائية في جرش، واذكره بأنه تميز برزانته وجديته وعصاه في يده تخيف كل شخص من حوله.

هل عاقبك الدلقموني بالضرب؟
- كان يستخدم العصا (خرزانة) وكان يخافه الطلاب، وضرب الأولاد في ذلك الوقت كانت ثقافة تربوية سائدة لتربية الأولاد المشاكسين، واعترف بأن خرزانة المدير أصابتـني أحياناً، إلا أنه كان مديراً جيداً حازماً مواظباً وجريئاً في اتخاذ القرارات.

مَن تذكر مِن المعلمين؟
- اذكر ذوقان الهنداوي الذي علمني التاريخ، وداوود المجالي، وأذكر درويش رجب (زوبع) مدرس الرياضيات، وابنته حاليا لميس عميدة كلية طب الأسنان في الجامعة الأردنية، كما علمني عبدالله العناسوة مادة الجغرافيا والاجتماعيات وعلمني متري حمارنه (أبو نشأت) اللغة الإنجليزية وابنه طبيباً الآن، كما علمني محمد صقر (المعاني) الفيزياء والد د. وليد المعاني، وعلمني محمد الحياري، بالإضافة إلى آخرين. ولقد كان البذل والعطاء بلا حدود شعار عمل هؤلاء المعلمين الكبار، ولا أذكر ولو لمرة واحدة أن تغيّب أحدهم أو تأخر دقيقة واحدة عن محاضرته وصفه.

من تذكر من زملائك الطلاب؟
-أذكر نشأت الحمارنة، وعدنان المسنات، وعفيف الكواليت، وكمال مصاروة وعدنان العكشة، والزريقات... إلخ، وكان عبد الهادي المجالي يسبقني بصف واحد، وعلي السحيمات أسبقه بصف واحد. كان عدد الطلاب في الصف آنذاك 18 طالبا فقط وكانت هذه ميزة التعليم في ذلك الوقت، الأعداد القليلة، وكان الجميع يعرفون بعضهم بالاسم، وكنا نسهر كطلبة نذاكر معاً في حل التمارين والواجبات المدرسية.

هل كنت طالبا مجتهدا؟
-كنت طالبا مجتهداً وسطياً أميل إلى العلوم حيث أُغرمت بها، وكانت ميولي للهندسة الزراعية بسبب خلفيتي الزراعية منذ الطفولة المبكرة مع والدي في جرش، الذي كنت أرافقه إلى المزرعة على حصانه الأبيض، لذا بعد إكمالي الثاني ثانوي 1950 التحقت بمدرسة خضوري في طولكرم التي تمَّ تأسيسها أثناء الانتداب البريطاني في فلسطين، وتدرس العلوم الزراعية نظرياً وتطبيقياً بأعلى المستويات المعروفة وتخرجت منها عام 1953. ولما كانت تتبع النظام الأميركي الدراسي فإنها كانت معتمدة في أميركا بحيث تحسب للطالب سنة دراسية على الأقل عند متابعة الطالب لدراسة البكالوريوس في الهندسة الزراعية في الجامعات الأميركية، كانئالصف في خضوري حوالي 20 طالبا لترسيخ النوعية، وكان علي رؤوف مديراً للمدرسة، بالإضافة إلى شفيق الحسيني وأحمد نسيبه وعلي فخرو، وأبو كشك، ومحمود الخواجا، والأساتذة الآخرين ومعظمهم من خريجي الجامعات الأميركية، وأنهيت الدبلوم فيها وعندما توجهت لمتابعة دراستي في الجامعات الأميركية، حسبت لي ساعات دراسية ما يعادل سنة ونصف تقريباً، من دراستي في خضوري، بسبب سمعة هذه المدرسة التي كانت مرموقة، وتم إعفائي من بعض الرسوم الجامعية في جامعة ولاية أوكلاهوما لحصولي على مرتبة الشرف عند بداية دراستي في الجامعة، إلا أنه كان علي العمل لأدبر نفقات المعيشة الأخرى، وأنهيت البكالوريوس بتفوق عام 1959، مما ساعدني على الحصول على منحة دراسية لمتابعة دراستي لدرجتي الماجستير والدكتوراه في جامعة ولاية ميتشيغان.

من الذي أشار عليك الدراسة في أمريكا
- من سبقني من خريجي طلبة خضوري في الولايات المتحدة، وعندما شارفت على الانتهاء من دراستي في طولكرم بدأت أراسل الجامعات الأمريكية، وحصلت على أكثر من قبول.

هل عملت قبل أن تسافر إلى أمريكا؟
- عملت مرشداً زراعياً ثلاث سنوات في عجلون وصويلح، أوفدت خلالها في دورة تدريبية إلى أمريكا عام 1955 لمدة ستة أشهر، للإطلاع على التقنيات والزراعة الحديثة هناك، وسافرت بالباخرة إذ كان سعر تذكرة الطائرة باهظاً، وتم تغطية تكلفة السفر من منح المساعدات لوزارة الزراعة الأردنية، للتدريب في المزارع الأميركية هناك، وتمَّ اختيار ثلاثة مرشدين زراعيين من بين عشرين مرشداً وكنت من بينهم.
من هما الزميلان الآخران؟
- بشير الخواجا، وجمال المصري، وتم اختيار ثلاثة من كل من مصر وسوريا ولبنان وتركيا وإيران، واجتمعنا في دورة تدريبية في الجامعة الأمريكية في بيروت لمدة أسبوعين قبل إقلاعنا بالباخرة وكان ذلك عام 1955، وبعد ذلك انطلقنا في الباخرة اسبيريا من بيروت إلى الإسكندرية، وثم إلى نابولي في ايطاليا،وهناك انتقلنا إلى باخرة هي الأضخم في العالم اسمها (أندريا دوريا)، وهي مدينة عائمة تحمل حوالي ثلاثة آلاف وخمسماية مسافر على الأقل، وفيها جميع الخدمات المطلوبة، والتقينا على الباخرة بمائتي من الطلبة القادمين من دول أخرى من العالم معظمهم من دول أوروبية، وقد تمَّ التعارف على ظهر الباخرة مع الطلبة الآخرين، وبعد وصولنا إلى واشنطن تمَّ إعطاؤنا محاضرات إرشادية ثم تمَّ توزيعنا على مزارع إميركية، وجاء تدريبي في مزارع في ولاية كارولاينا لتربية الأبقار اللحومة والحلوبة والدواجن اللاحم والبياض، وفي مزارع ميتشغان على زراعة الخضار والتفاح والبستنة.

خلال وجودك في أميركا كبلد متقدم، وأنت قادم من منطقة ما زالت في بدايات الطريق،ما هو شعورك، وكيف تأقلمت مع هذا الاختلاف في كل أوجه الحياة هناك؟
- ما أدهشني الفرق الهائل بالتقنيات الزراعية والمتقدمة والمكننة في أميركا عمّا هو سائد في بلادنا، ومن المعروف أن المزارع عندنا يستخدم المعزقة، والأدوات اليدوية، لكن في المزارع الأميركية التي تدربت فيها لم أر معزقة واحدة، ولم أر شخصا يستخدم اليد، فالمزارع يبرمج زراعاته وكل شيء ممكنن، وكأنك في مصنع زراعي وليس في مزرعة، وتعلمت قيادة الحصادات والتراكتورات للحراث والتسميد وزراعة البذور، وأنا أجيد ذلك الآن، اشتغلت حصادا وعملت في مزرعة أبقار الذي يتم حلبها من خلال ماكينات حديثة يضخ الحليب في مواسير زجاجية إلى تنكات مبردة ومن ثمّ تنقل هذه التنكات لمصانع منتجات الحليب بالأطنان، فالمزارع ضخمة بل عملاقة بالمقارنة مع بساتيننا الصغيرة في الأردن، وأتذكر حينها أن 3% فقط من الأميركيين يعملون في حقل الزراعة، إلا أنهم يطعمون كامل شعبهم بالإضافة إلى إطعام جزء كبير من شعوب العالم في ذلك الوقت.

قلت انك حلبت الأبقار، ويقولون في المثل الشعبي بيحلب النملة، في نفس الوقت يقولون عنك انك لست سخياً؟
- أنا لست بخيلا، لكنني شديد في الرقابة على صرف المال العام، وأنا أؤمن أن بعض المصاريف لا داعي لها، وأؤمن بمقولة على قد لحافك مد رجليك، ونحن نتجاوز أحياناً مخصصات الموازنة، وبذلك نواجه دائماً عجزا في الموازنة العامة، العجز هذا العام مثلاً قد يصل إلى حوالي 1000 مليون دينار، هناك بالطبع نظريات اقتصادية تؤمن بالدين العام وطرح المشروعات ولو كانت فوق إمكانيات الموازنة لفتح فرص التشغيل، ولكن أنظر للأزمة المالية الحالية التي من أسبابها الرئيسية الائتمان الواسع والقروض العقارية فوق إمكانات دخل المواطن.

حدثنا عن مشاهد فاجأتك في أمريكا؟
- أحد المشاهد التي فاجأتني أثناء وجودي، أنني عملت في مطاعم الوجبة السريعة ورأيتها لأول مرة هناك، إذ لم تزحف بعد إلى منطقتنا، إذ وجدت الفرق الهائل في ثقافة الطعام بيننا وبين الشعب الأميركي، كيف أننا نصرف معظم الوقت في تلك الحقبة في تحضير الطعام، بينما يتناول الأميركي طعامه الجاهز والسريع على الواقف وخلال دقائق، ثمَّ يذهب لمتابعة عمله.

هل اشتغلت خلال فترة دراستك، سواء في مزرعة الوالد او بشكل مستقل؟.
- عملت في مزرعة الوالد في جرش أثناء الصيف، حيث كنا نقلم التفاح والكمثرى وكانت مزرعتنا الأكبر على مستوى الأردن، وكنا رغم ظروف النقل السيئة، نصدر الإنتاج إلى يافا في فلسطين أثناء فترة الانتداب في الأربعينيات، وكان هناك صديق لوالدي اسمه نصوح الطاهر أمين عام وزارة الزراعة آنذاك وهو مؤلف كتاب شجرة الزيتون، وهو الذي عمم زراعته في الأردن، وأنا أرد فضل زراعة الزيتون والأشجار المثمرة في الأردن إلى نصوح الطاهر، وكان مساعده بالوزارة عمر أبو ريشة. نصوح الطاهر هو أول من أسس مستنبت الجبيهة الذي أصبح فيما بعد الجامعة الأردنية ومستنبت أربد الذي أصبح فيما بعد جامعة اليرموك، ولقد توفي دون ذكر اسمه في الحرمين الجامعيين، وكان يعيش وقتها في الخلاء بين (الأفاعي والعقارب)، وهو الذي زرع الشجر الحرجي في حرم الجامعة الأردنية بيديه، أثناء عمله وكيلاً لوزارة الزراعة في ذلك الوقت، وأنتج الفسائل وتابع كل صغيرة وكبيرة، وكان يحصل على فسائل التفاحيات والأعناب من فرنسا، لأنه تعلم الهندسة الزراعية في الجامعات الفرنسية، وكان محمد نويران معروفا أيضا كمدير لدائرة الحراج في الوزارة، بزراعة جوانب الطرق رغم الإمكانيات المتواضعة آنذاك، ولذلك كانت الزراعة ناشطة أكثر من الآن رغم الموازنات الضعيفة، وكان المديرون والرؤساء في وزارة الزراعة ميدانيون في لباسهم اليومي الكاكي والبسطار (حذاء الميدان).

هل حاولت نقل هذه التقنيات التي تدربت عليها إلى الأردن؟
-حاولنا نقل زراعة التوت الأرضي والأشجار المثمرة، وتعلمنا الري بالتنقيط، الذي كان معمولا به في أمريكا، وليس صحيحا أن إسرائيل هي التي أول من عملت الري بالتنقيط، كل التكنولوجيات التي نراها حالياً في الزراعة بما في ذلك الزراعة المحمية حالياً موجودة في أمريكا من الخمسينات.

كم استمرت فترة عملك في وزارة الزراعة؟
- عملت بالوزارة ثلاث سنوات، بما في ذلك الدورة التدريبية، وكان مخصصا لي كمرشد زراعي سيارة جيب، وبعد عودتي من الدورة ألغت وزارة الزراعة سيارة الجيب للتوفير في النفقات، واستبدلتها بدراجة نارية، إذ قاموا بتدريبنا عليها، وكنت مرشداً لمنطقة البلقاء مركزي صويلح، وكانت تجربة ممتعة، قمت خلالها بتعميم زراعة الزيتون والكروم وغرس اللوزيات والتفاحيات، وبعد ذلك بفترة شهور، قررت الاستقالة للالتحاق بالجامعات الأميركية لمتابعة دراستي.

هل عملت أثناء دراستك في أمريكا، وما هي طبيعة عملك؟
- بالطبع عملت خلال عطل الصيف في شيكاغو، لتمويل دراستي الجامعية وكنت أعمل في مصنع أغذية مختصاً بصناعة جميع أنواع الآيس كريم وكان العمل يستغرق (10) ساعات يومياً في مجال التغليف وتعبئة الإنتاج في البرادات.
هل بعت الآيس كريم؟.
- نعم، لجأت أيضاً إلى العمل الإضافي أثناء عطل نهاية الأسبوع إلى بيع الآيس كريم في الحدائق العامة، وكنت أتقاضى راتب 3 دولارات في الساعة، وكنت أخذ عربة مليئة بالآيس كريم والبسكويت، وفي نهاية اليوم أعيد العربة إلى المخزن للمحاسبة، كما اشتغلت عملاً إضافياً في توزيع دليل الهاتف مساءً بعد انتهاء علمي الدائم في الصيف، وكنت أملأ سيارتي بـ الأدلة وأوزعها مقابل مكافأة على كل دليل يتم توزيعه على المشتركين في الهواتف، وما كنت أوفره طوال الصيف من عملي الدائم والإضافي في شيكاغو كان يكفيني للصرف علي طوال العام الدراسي في جامعة أوكلاهوما الرسمية، وبعد أن أنهيت درجة البكالوريوس تقدمت لمنحة للدراسات العليا، وقامت جامعة ميتشيغان الرسمية، بإعطائي قبول مع منحة لإكمال درجتي الماجستير والدكتوراه في مجال فسيولوجيا النبات؛ والبيولوجيا الجزيئية، وهذه المنحة كانت كافية لدفع الأقساط الجامعية والمعيشية، ومقابل هذه المنحة كان علي تدريس طلبة السنة الأولى في الجامعة وإجراء البحوث العلمية مع أستاذي د. ديلي الذي أكن له كل التقدير لجهوده المتواصلة في الإشراف على دراستي وبحوثي في الجامعة، كنت أعمل معه في المختبر لساعات متأخرة من الليل.

خلال هذه الفترة هل سافرت إلى الوطن؟
- لا لم أسافر، لأن السفر كان صعبا وباهظاً والهواتف لم تكن متوفرة في الأردن، وكنت أتواصل مع الأهل عبر الرسائل البريدية الأسبوعية، التي كنت أكتبها مع عطلة نهاية الأسبوع، كما أنني كنت أعمل خلال العطل الصيفية لتسديد كلفة التعليم والمعيشة في أمريكا، ولقد أنهيت الماجستير عام 1960 والدكتوراه عام 1963 في تخصص البيولوجيا الجزيئية، ثمَّ عملت ثلاث سنوات باحثاً رئيسياً، وكان عملي المخبري في بوسطن، والبحث الميداني في أميركا الوسطى، وقد حققت أربعة اختراعات على ثمرة الموز أنقذت الشركة التي عملت بها من الإفلاس، وأصبحت رئيسا لمركز البحوث العلمية بالشركة تبعاً لذلك، وقمت بتجارب ناجحة في مجال فسيولوجيا وكيمياء الموز بحفظه مدة طويلة طازجاً دون كلفة أثناء تخزينه وشحنه إلى جميع أنحاء العالم، وبذلك تمكنت الشركة من إيصال الموز إلى الدول الأوروبية والآسيوية واليابان بالإضافة إلى اكتشاف آلية أكسدة الموز بالأنزيمات الطبيعية التي تسبب البقع الداكنة (السوداء) فيها، ولقد تم تسجيلهما في أربع براءات اختراع، لصالح المؤسسة.

ما هي طبيعة الاكتشاف الذي حققته في هذا المجال؟
- الاكتشاف هو إنني درست عملية التنفس (الأيض) في الموز وحددت كمية الأوكسجين التي يحتاجها وثاني أكسيد الكربون المنبعث ومدى تأثير هرمون النضج (الإيثيلين) الذي ينتج طبيعياً في ثمار الموز، وكيفية إبطال مفعول الإيثيلين في عملية النضج لتبقى الثمرة خضراء طازجة حتى تصل إلى أي بقعة في العالم، كأنها مقطوفة في حينها، ودرست الآلية الخاصة في التفاعل بين الإيثيلين والأكسجين في عملية النضوج وكيفية التحكم والسيطرة التامة على أنزيمات الأكسدة، وتبعاً لذلك، تم صناعة صناديق كرتون لشحن الموز بدلاً من شحنه كقطوف، وتمَّ وضع ماركة مسجلة باسم تشكيتا على ثمار الموز بعد ذلك.

لماذا لم تسم الاختراع باسمك؟
- نعم في البداية سمي باسمي عندما كان الاختراع في حدود التجارب التطبيقية العلمية، ثمَّ سمي بعد ذلك باسم (بنافاك)، وبعدها تغير إلى تشيكيتا.

كيف عدت إلى الأردن؟
- بعد غياب عشر سنوات متواصلة للدراسة والعمل، كافأتني الشركة بإعطائي ثلاث شهور لزيارة الأهل في الأردن. هذه الزيارة غيرت مجرى حياتي، إذ دعيت للالتحاق مع زملاء آخرين في تأسيس كلية العلوم في الجامعة الأردنية عام 1966، في حينها، كما أن العاطفة العائلية والغيرة على بناء أول جامعة أردنية أملت عليَّ أن استقيل من عملي العلمي في أميركا، واستقر في العمل الأكاديمي في الجامعة الأردنية، ربما خسرت مادياً وعلمياً في مستقبل واعد في البحوث العلمية، إلا أنني ربحت وجدانياً في العودة والعيش بين الأهل في الوطن.

هل أنت نادم على العودة؟
- مع إنني خسرت علمياً ومادياً كما قلت، إلا أنني في الواقع لست نادماً على عودتي بما حققناه في بناء الجامعات وتأهيل الكوادر الأكاديمية، ووضع الأردن في مرحلة متقدمة عربياً في التعليم العالي، هذه هي أكبر مكافأة لي، إذ أينما ذهبت، أجد طلابي يتولون القيادة في كثير من المؤسسات أكان ذلك في القطاع العام أم الخاص.

مرة أخرى، هل أنت نادم على العودة؟
- يا أخي لست نادماً كما قلت، إذا أن أي إجابة أخرى ستوقعني في ورطة مع زوجتي التي ارتبطت معها نتيجة عودتي إلى أرض الوطن.

هل تزوجت في أميركا؟
-طبعاً لا، مع أن معظم زملائي آنذاك تزوجوا واستقروا هناك، في الواقع، ذهبت لأدرس، ثم أعود. وأوفيت بوعدي، ولقد عدت.

يقال انك كنت متزوجا في أمريكا ؟
- لا أبدا، لم أتزوج أثناء وجودي في أميركا ولم أعقد اتفاقا لأي زواج، وعدت سليما معافى.

مَن زاملت مِن المشاهير خلال فترة الدراسة؟
- أثناء دراستي لدرجة البكالوريوس، زاملني طالب اسمه واتكنـز، ولقد دعاني مؤخراً لإلقاء محاضرة في جامعتنا أوكلاهوما في مركز قام ببنائه كتبرع شخصي منه للجامعة (12 مليون دولار) لبنائه، والأخير خدم عضواً في الكونغرس لمدة 20 عاماً وزوجته عضوة مجلس أمناء الجامعة الآن، ولقد دعا حوالي 500 شخصية منهم أعضاء في مجلس الشيوخ والنواب وأساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة لسماع المحاضرة، التقيت أثناءها بطلبة الدراسات العليا، وكان عنوان المحاضرة التي ألقيتها: التجديد في سياسة أمريكا الشرق أوسطية: هل يستفيد أوباما من دروس الماضي؟، وتبعها نقاش طويل وخاصة من طلبة الدراسات العليا، وبالطبع فاجأني واتكنز بثرائه بعد أن كنا نعمل معاً مفلسين في مطاعم الوجبات السريعة أثناء دراستنا. لم يتغير، فهو على طبيعته ومرحه ويعيش مع وزوجته حياة بسيطة وسعيدة.
كما دعيت قبل سنتين لتخريج طلبة الدراسات العليا في جامعة ولاية ميتشيغان لدرجتي الماجستير والدكتوراه ، وتمَّ منحي بتلك المناسبة درجة الدكتوراه الفخرية بالعلوم، والتقيت أثناء ذلك بزملائي الخريجين عام 1963، حفل خاص، بالكاد كدت أتعرف عليهم، بعد مرور ما يزيد على 40 عاماً على فراقهم رؤوسهم يغطيها الشيب أو الصلع، ولكن ما سرني بأنهم جميعاً حققوا نجاحات كبيرة في مجالات عملهم كرؤساء شركات ورؤساء جامعات وعمداء والكثير منهم تقاعد.
إن الروابط الاجتماعية التي تربط الخريجين مع بعضهم البعض ومع جامعتهم التي تخرجوا منها، وكيف يدعمون جامعاتهم مادياً ومعنوياً بعد نجاحهم في الحياة، تجربة لا مثيل لها في العالم، وبحاجة إلى نقلها وترسيخها مع خريجي جامعاتنا الوطنية في الأردن، إذ قلما نجد خريجنا يدعم جامعته مادياً بعد تخرجه منها، حتى أن بعضهم يتنكر لها ويعمل ضدها.


هل زاملت كونداليزا رايس في الجامعة؟
- لم أزاملها، وأنا علمت بالشائعات حول صداقتي معها، وهذا كلام عارٍ عن الصحة، كونداليزا رايس عملت كنائبة رئيس جامعة سانفورد في كاليفورنيا قبل توليها وزيرة للخارجية في واشنطن، وجاءت من الوسط الأكاديمي، ولكن لم أقابلها أبداً.

وعندما عدت إلى الأردن وشاركت في تأسيس كلية العلوم بالجامعة الأردنية ماذا حصل بعد ذلك؟
- التحقت بالجامعة الأردنية عام 1966، وكنت أول عميد أردني للكلية بعد العميد العراقي الذي سبقني واسمه صلاح عزت تحسين، الذي عمل قبل التحاقه في الجامعة الأردنية رئيساً لوكالة الطاقة الذرية العراقية، ووصلت لمرتبة الأستاذية عام 1970، وجاء الدكتور عبد السلام المجالي رئيساً للجامعة بعد تلك الفترة، وكنا نعمل حينها في تأسيس كلية العلوم وتجهيز مختبراتها وأبنيها وبرامجها الدراسية. ولقد اعتمدنا النظام الفصلي ونظام الساعات المعتمدة بحيث تتاح الفرصة أمام الطلبة حرية الاختيار من المواد الدراسية حسب ميول ورغبات الطالب من مجموعات دراسية. ولقد تمَّ محاربة توجهنا هذا من قبل كليتي الآداب والتجارة التي اللتين كانتا تستخدمان النظام السنوي، وهو نظام سائد في مصر وسوريا والمغرب آنذاك. ولقد عملت مع الفريق المؤسس لكلية العلوم نحو هذه التوجهات العصرية وهم صبحي القاسم وموسى الناظر، وشبلي بيوك، وليلى حنانيا، وعيسى خبيص، وعدنان أفرام، وعدنان علاوي وإلياس صليبا، وخبراتهم من الجامعات الأميركية والبريطانية والألمانية، نجحنا في بناء أول منظومة عربية دراسية لدرجة البكالوريوس تعتمد على نظام الساعات المعتمدة مستخدمين أحدث ما وصلت له البرامج الدراسية من حداثة في الغرب ووضع خطة لابتعاث المعيدين إلى الجامعات الأميركية لتهيئة ما نحتاجه من كفاءات جديدة من هيئة التدريس. ولقد كانت مساندة رئيس الجامعة عبد السلام المجالي وأمينها العام حسن النابلسي لأفكارنا، نبراساً رئيسياً لتحفيزنا على العطاء، وبهذه المناسبة يجب أن نتذكر أن ترسيخ استقلالية الجامعة كان من العمل الدؤوب لرئيس مجلس أمنائها زيد الرفاعي المؤسس الذي لم يجرؤ في عهده أحد على التدخل في شؤون الجامعة ولرئيس الجامعة عبد السلام المجالي الباني الحقيقي للجامعة في استكمال كلياتها المختلفة وتحديث خططها وبرامجها التعليمية. وأود أن أذكر هنا بأن كلية العلوم في الجامعة الأردنية كانت رائدة في تغيير النظام التدريسي السنوي إلى فصلي والأخذ بنظام الساعات المعتمدة، الذي طبق على جميع كليات الجامعة، وتم الأخذ به بعد ذلك من قبل الجامعات العربية التي كانت وفودها تزور كلية العلوم للاطلاع وإرسال كوادرها للتدريب عليه. كما كان لكلية العلوم في ذلك الوقت الفضل في تأسيس الكليات العلمية التطبيقية في الجامعة كالطب والصيدلة والتمريض والهندسة والزراعة بالإضافة إلى استكمال الجامعة لكلياتها الأخرى كالتربية والدراسات العليا والأخرى وهذه جميعاً تمَّ تأسيسها في عهد عبد السلام المجالي رئيس للجامعة.

مَن مِن طلابك تذكر في ذلك الوقت؟
- عبد الرزاق تقي الدين، محمد الحلايقة، هالة الخيمي ، وجيه عويس، دريد محاسنة، سلطان أبو عرابي، باسمة الرمحي، منيب الور، عبد الرحيم الحنيطي ، بشار عبد الهادي، زاهية السيد، إلياس بيضون، نوال باكير، راتب العوران وآخرون كثيرون.

كم عملت في الجامعة؟
- عملت في الجامعة الأردنية عشر سنوات أستاذاً وعميداً، واستخدمنا اللغة الإنجليزية في التدريس، وثارت علينا ضجة كبيرة في حينها، علماً بأننا ألزمنا الطلبة بدراسة مواد إجبارية لتقوية اللغة العربية لديهم. لذا كان الخريجون متمكنين من اللغتين مما ساعدهم في دراساتهم العليا في الخارج، وفي الحصول على فرص عمل جيدة، ولقد نجح الخريجون في العمل العام والعمل الخاص نظراً للتركيز على الجودة والنوعية.
كما قمنا في كلية العلوم آنذاك بتطوير وتحديث المناهج الدراسية لمدارس التربية والتعليم، وكان الدكتور إسحق فرحان مديراً عاماً لمديرية المناهج في الوزارة، كما كان الدكتور عبد اللطيف عربيات رئيساً لقسم المناهج في الوزارة، وطلبوا أن نقوم بتحديث مناهج العلوم الحياتية، والكيمياء والرياضيات الحديثة، والفيزياء، وقامت الكلية بهذا العمل ضمن تأسيس فريق وطني لكل منهاج. وقمت شخصياً برئاسة فريق تحديث مناهج العلوم الحياتية مع آخرين، كما قمت بتأليف جميع كتب المرحلة الثانوية وكليات المجتمع في العلوم الحياتية مستخدمين أحدث المنهجيات المعروفة عالمياً. وقامت المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم (أليكسو)، تبعاً لذلك، بالطلب منّا رئاسة فريق تحديث مناهج العلوم الحياتية والعلوم الأخرى على مستوى العالم العربي، وقمنا كذلك بتأليف الكتب المقررة، ولقد وجدنا أن هناك فجوة هائلة بين مستوى المعلم والمناهج والكتب المقررة الحديثة المؤلفة، لذا لجأنا على تخصيص الصيف لتدريب المعلمين على تدريس المجالات الحديثة في العلوم والرياضيات والكيمياء والأحياء تدريبا كاملا في كلية العلوم الجامعة الأردنية، بعد أن واجه المعلمون صعوبة في فهم المناهج الحديثة والكتب المقررة، وتم تدريب جميع معلمي العلوم والرياضيات الحديثة في دورات صيفية للتعامل مع المناهج الجديدة وطرائق تدريسها مع تأليف دليل المعلم لكل كتاب مقرر، وتبعاً لهذا التأهيل قررت وزارة التربية والتعليم آنذاك منح المؤهلين الجدد علاوة ندرة مقدارها 30%. وهذا بالطبع شجع الطلبة المستجدين للتخصص في مجالات كلية العلوم بسبب علاوة الندرة.
كيف تمَّ تأسيس اليرموك والتكنولوجيا في الشمال؟
- بعد قضاء عشر سنوات في كلية العلوم بالجامعة الأردنية، استدعيت عام 1976 من اللجنة الملكية الخاصة المكلفة بتأسيس ورئاسة جامعة في الشمال اسمها اليرموك، واستشرت في حينها عبد السلام المجالي رئيس الجامعة الأردنية آنذاك، الذي شجعني على ذلك، مع أنه كان يفضل أن تكون جامعة الشمال تابعة للجامعة الأردنية يديرها نائب لرئيس الجامعة الأردنية، بحيث تبنى الجامعات الأخرى كفروع للجامعة الأردنية. بالطبع هذه فكرة مقبولة لدى الكثيرين الذين يؤمنون بمركزية التعليم الجامعي كما هي الحال في جامعة باريس (السوربون)، إلا أن البعض يرون أن التعددية بين الجامعات تؤدي إلى التنافسية والنمو نحو الأفضل لخدمة الطالب، بدلاً من ترسيخ النمطية وقولبة التعليم الجامعي في سياق واحد، ويؤمنون باستقلالية كل جامعة لبناء التعددية والتنافسية كما هي الحال في جامعات الولايات الأميركية.
قامت اللجنة الملكية بحيازة 12 ألف دونم، وقمنا بوضع المخطط الشامل للجامعة والمواصفات الفنية لأبنية الجامعة وكلياتها وأقسامها الأكاديمية وخططها الدراسية، للتوصل إلى المساحات المعمارية للجامعة بناءً على رؤى مستقبلية، وتم اختيار مؤسسة معمارية يابانية القيام بالعمل المعماري والإنشائي ولقد قمت بتأليف لجنة فنية لمتابعة خطط ومخططات كل كلية من الأكاديميين والمستشارين من داخل وخارج الجامعة. ونفذ المشروع مكتب هندسي كنـزو تانجي الياباني بالتعاون مع مكتب المهندس جعفر طوقان، وكنـزو يعتبر من مشاهير المعماريين في العالم، تم اختياره من بين العديد من شركات هندسية عالمية، وقام الجميع بتقديم رؤاهم ومفاهيمهم حسب البرامج الأكاديمية وأعداد الطلبة وأعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي والعاملين الآخرين في الجامعة. ودعي الملك حسين للاطلاع على معرض المشروعات المعمارية التي عرضت نماذجها، وكان رائف نجم مديرا للمكتب الهندسي في الجامعة تعاونه لجنة هندسية من القطاعين العام والخاص، واطلع الملك على النماذج وكانت من الصدف أن اتفق اختيار اللجنة الهندسية المختصة مع اختيار الملك حسين طيب الله ثراه، وتقدمت اللجنة المصغرة من خمس شركات هندسة معمارية بعروضها، وكان أفضل العروض لشركة كنـزو الياباني الذي قام بتصميم الجامعة التكنولوجية، وكان تصميم كنـزو للجامعة، مستلهماً من أعمدة وشوارع جرش الرومانية، وتم طرح مباني كلية الهندسة، تبعها بعد ذلك مباني الكليات الطبية والمستشفى التعليمي، ونتأمل ألا يغير القائمون على الجامعة من الطراز المعماري المميز للجامعة، ويتابعوا إنشاء بقية الكليات والمرافق الإدارية العامة والرياضية للجامعة كما صممت، من قبل كنـزو لتكاملها المعماري مع الطبيعة والتاريخ. ولقد بدأت الجامعتان اليرموك والتكنولوجية كجامعة واحدة فيها حرم للعلوم والتكنولوجيا في الموقع الدائم بجوار الرمثا، وحرم للإنسانيات والاجتماعيات والعلوم، والعلوم الإدارية والتربوية في مستنبت إربد، وقد كانت فكرة عبد الرؤوف الروابدة الذي كان في حينها أميناً عاماً لجامعة اليرموك، إنشاء طريق سريع مباشر بين الحرمين الجامعيين اليرموك والتكنولوجية، وقد تم إقراره إلا أن التنفيذ أُنجز مؤخراً. وأتذكر عندما طلبت من عبد الرؤوف أبو عصام الانضمام إلينا أميناً عاماً (مديراً للإدارة والخدمات) في اليرموك، قال لي آنذاك هذا حلم أن نرى جامعة في الشمال، وأنا أريد أن أشارككم في هذا الحلم، وعملنا بروح الفريق الواحد نوصل الليل بالنهار، ولم نجد مشكلة في التمويل، لكن كان هناك بطء بتسليم التصاميم، مما أدى إلى تأخير الإنشاءات، وكنت أتمنى أن أنهي إنشاءات الجامعة كلها وأنا رئيسها، علماً بأننا أنهينا البنية التحتية وبناء كلية الهندسة، وطرح عطاءات الكليات الطبية، وإنجاز جميع تصاميم الجامعة وتحضير وثائق عطاءاتها لاستيعاب عشرين ألف طالباً.
هل تمارس مهنة التدريس حاليا؟
- حالياً لا، إذ أن الإدارة تأخذ وقتي، رغم إنني أمضيت معظم حياتي في التدريس والبحث العلمي.

دولة الدكتور أحداث اليرموك وقعت في عهدك تطل برأسها بين الحين والآخر، والآن وأنت رئيس للمركز الوطني لحقوق الإنسان وتدافع عن حقوق الإنسان؟ هل أنت فعلا مسؤول عن أحداث اليرموك؟.
-أحداث اليرموك بدأت في يوم وانتهت في نفس اليوم، وان كل ما يقال عن سوء الإدارة في ذلك الوقت أو لوم إدارة الجامعة هراء، اليرموك مع التكنولوجية كانت من أفضل الإدارات تضاهي بذلك أفضل جامعات المنطقة، فإداراتها وحوسبتها ونوعية التدريس فيها والبحث العلمي والتطوير وعلاقات الطلبة مع الأساتذة وبعثاتها كانت متميزة.

كيف بدأت أحداث اليرموك؟
-وافق مجلس العمداء على تنسيب عميد الهندسة آنذاك بوضع مساق تدريب برسوم جامعية بدلاً من التدريب الصيفي المجاني الجاري. فاعتصم طلبة الهندسة، وأبلغوني بما حدث إذ كنت في ذلك الصباح مشغولاً في اجتماعات في وزارة التعليم العالي، فطلبت منهم عقد مجلس عمداء لإعادة النظر، وطلبت من الطلبة تهدئة الموقف، وعقد المجلس اجتماعاً ثانياً، وللأسف لم يعرف المجلس حجم المشكلة، فقرر المضي في القرار واعتبار التدريب مساقاً دراسياً كأي مساق آخر، وتوجهت على الفور إلى الجامعة، وعلى الطريق كنت على اتصال مع الجامعة وأبلغوني إن المظاهرات تتزايد، واجتمعت مع الطلبة وقلت لهم أننا لن نفرض رسوما جديدة لهذا المساق وأبطلنا القرار، إلا أن المظاهرة التي كانت تقودها الجماعات الإسلامية تحولت إلى مطالب جديدة أخرى لإنشاء اتحاد الطلبة، رغم وجود جمعيات طلابية عاملة على مستوى الكليات وعلى مستوى الجامعة، وأنا شخصيا أستغرب لماذا طالب الطلبة بتغيير الجمعيات في ذلك الوقت بالذات إلى اتحاد ولماذا كنا نخاف من إنشاء مجلس إتحاد الطلبة، ولكن علينا أن نتذكر أن تلك المرحلة كانت مرحلة بداية فقدان الجامعة لاستقلاليتها واستقلالية القرار فيها، إذ تمَّ إنشاء وزارة التعليم العالي المسؤولة عن الجامعات لأول مرة، كما تمَّ إلغاء مجالس الأمناء، مما أدى إلى فقدان اللامركزية والاستقلالية لقرار الجامعة.

هذا رغم إنك كنت رئيس جامعة، ولم تستطع الموافقة على إنشاء اتحاد للطلبة؟
- في ذلك الوقت إنشاء اتحاد طلبة كان قراراً سياسياً، ونحن نعلم أن الأردن كان يعيش وسط تناقضات سياسية في المنطقة تؤثر على أمنه الوطني، وخوفاً من تسييس الطلبة، كانت الحكومات في تلك الفترة تعارض قيام اتحاد الطلبة، إذ قد يرتبط بالتناقضات السياسية العربية الخارجية التي كان موقفها عدائياً للأردن، وتميزت تلك الفترة أيضاً بوجود الأحكام العرفية، وغياب الحياة البرلمانية.
ويجب أن نعترف أن الانتماءات السياسية في ذلك الوقت كانت لأحزاب سياسية مرتبطة خارجية خارج مظلة الدستور وإطار الوطن، لذلك كانت السلطات الأمنية تعارض قيام الأحزاب داخل الجامعة (وخارجها)، ويعد قيام اتحاد طلبة في الجامعة، هو مدخل سياسي في ذلك الوقت.

وماذا حدث بعد ذلك؟
- أنا التقيت مع الطلبة وأخبرتهم بإلغاء دفع أي رسوم على المساق التدريبـي في كلية الهندسة وتأجيل عقد الامتحان النهائي، إلا أنهم أصروا على موقفهم بإنشاء اتحاد الطلبة، مما يتعارض مع سياسة الدولة القائمة في ذلك الوقت.

هل تعتقد أنها كانت مؤامرة ضدك في ذلك الوقت؟
- لا اعتقد ذلك، رغم أنه قيل إنها مؤامرة، وأذكر أن أحمد الكوفحي المحسوب على الإسلاميين في ذلك الوقت تدخل كوسيط وكانت الاتصالات جارية مع الطلبة، إلا أن الموقف تأزم ، وبدأ أهالي الطلبة يسألون عن أبنائهم وبناتهم لتأخر وصولهم إلى بيوتهم حتى الساعة الواحدة صباحاً، وكان لا بد من إنهاء الموقف، لذا طلب الأمن دفع الطلبة خارجاً من البوابات الجنوبية إلى باصات الجامعة التي كانت تنتظر، وبدأ الأمن من خلال مكبرات الصوت يحرك الطلبة، ولم يكن في حسابه إيذاء أي أحد بل توجيه الطلبة للباصات، مما نتج عنه هلع الطلبة وتدافعهم فوق بعضهم، مما أدى إلى وقوع إصابات بينهم، نتيجة تدافعهم الجماهيري، بدون نظام.

ماذا استفدت من تجربة اليرموك؟
-أتمنى أن هذا الحادث لم يقع أساسا، وهذا علمني أشياء كثيرة في أن الطلبة يجب أن يكونوا جزءا من حاكمية الجامعة، فهم أبناؤنا وعلينا أن نشركهم في جميع مجالس الجامعة، كما يجب أن ينمى الحرم الجامعي لتحريك الفكر الخلاق للشباب والتعددية الفكرية لئلا يسيطر فكر واحد واتجاه واحد على الطلبة، واتحاد الطلبة هو تنظيم طلابي إذا أحسن استخدامه فهو ينمي مشاركة الطلبة مع إدارة الجامعة في بناء القرار الحكيم. وأعتقد أن الانتخابات الطلابية السنوية للاتحاد تدّرب الطلبة على كيفية ممارسة الديمقراطية وممارسة حرية الانتخاب وبناء ثقافة الحريات وخاصة حرية التعبير التي كفلها الدستور ومواثيق حقوق الإنسان، أيضا الطلبة الذين ينجحون في تمثيل الطلبة بمجلس إتحاد الطلبة في الجامعة يتدربون على ممارسة القيادة وتحمل المسؤولية مما يسهم في تخريج قيادات الوطن ورجال التغيير، واعتقد أن مجالس الجامعة ابتداءاً مجلس الكلية والجامعة يجب أن يضم ممثلين عن الطلبة، لأن المشاركة في القرار تشعر الطلبة أنهم جزء من الجامعة، وأنَّ القرارات المتخذة هي لصالحهم لأنهم يشاركون في اتخاذ القرار، والمشاركة في القرار تبني المواطنة الإيجابية بما على المواطن من واجبات وما له من حقوق، وهي الأساس في البناء الديمقراطي، وأساس الحكم الرشيد والشعور بالمسؤولية، وقد استفدنا مما وقع في اليرموك، بأن التعددية ضرورة لبناء الديمقراطية، لأنها لا تسمح بسيطرة فئة أيديولوجية على فكر الآخرين. كما أنَّ على كل جامعة أن تهيئ وتدرب أفراد أمنها الجامعي على كيفية التعامل مع الطلبة باستقلالية تامة، ومن خلال الحوار قبل أن تستفحل المشكلة مما يصعب حلها فيما بعد، وهناك دور يقع على عمادات الطلبة بفسح المجال أمام الطلبة للانخراط في أندية الحوار ونشاطات الجامعة المختلفة الثقافية والرياضية والفنية والاجتماعية.

ماذا حدث على إثر إحداث اليرموك بعد ذلك؟
-قدمت استقالتي، وقبلت الاستقالة، ثم تقدم آخرون باستقالاتهم، كما أنهيت خدمات آخرين.
وللأسف استخدمت إدارة الجامعة كـ شماعة لتعليق السلبيات القذرة. وبالطبع تحملت الجامعة ذلك حماية للأمن والاستقرار والأردن الذي كان يتعرض لحملة سياسية ظالمة شعواء من محيطه الخارجي.

لمن تحمل المسؤولية؟
- لا أحمل أحداً، ولا أتهم أي إنسان، فالحدث عرضي بدأ صباحاً وانتهى مساءً بمأساة، فالحادثة عرضية لم يتوقعها أحد، ولم يسع لها أحد.

بعد الاستقالة ماذا فعلت؟
-أخذت سنة تفرغ علمي، وبعد نهايتها كلفني سمو الأمير الحسن بتأسيس المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، لإدارة عملية البحث العلمي وتنظيمها وتقدمنا بقانون للمجلس، ثم باشرنا ببنائه، وتنظيمه على أساس سبعة قطاعات، تم إعطاء الأولوية لقطاعات الطاقة والمياه والتنمية البشرية والصحة والأمن الغذائي وتكنولوجيا المعلومات والصناعات وخاصة الاستخراجية، والإعلام، ونظمنا اللجان على أساس لجان قطاعية، بما في ذلك الحاكمية والإدارة الحديثة للمؤسسات، وقد جذبنا التمويل الخارجي لإنشاء مركز التكنولوجيا الحيوية في جامعة العلوم والتكنولوجيا، ومشروعات زراعية أخرى من كندا، وتمويل المركز الوطني للمعلومات من اليابان، وكان لكل قطاع مدير وسكرتيرة تنفيذية ولجنة تمثل القطاعين العام والخاص بحيث يكون مدير القطاع أميناً لها لوضع أولويات البحث والتطوير في كل قطاع.
وفي عام 1989 طلبني الشريف زيد بن شاكر للالتحاق بحكومته وزيراً للزراعة، ثمَّ استلمت بعدها حقيبة وزارة التربية والتعليم بسبب استقالة وزيرها آنذاك لمشاركته في الانتخابات النيابية، وفي ديسمبر عام 1989، قدمت حكومة أبو شاكر استقالتها بموجب الدستور لعودة الحياة البرلمانية من جديد، إذ أجرت حكومة زيد بن شاكر الانتخابات التي أفرزت بنـزاهة أول برلمان ديمقراطي بعد غياب طويل، هذا الغياب سببه دستوري كما هو معروف عن فك الارتباط بين الضفتين. وفي بداية كانون الثاني من عام 1990 عرض علي منصب مساعد المدير العام لليونسكو في باريس مسؤولاً عن قطاع العلوم، وبعد ثلاث سنوات في الخدمة تم ترقيتي إلى نائب المدير العام ، واستمررت في هذا المنصب حتى نهاية عام 1998، قررت بعدها أن أخوض انتخابات اليونسكو لمنصب المدير العام وقد شجعني رئيس الوزراء آنذاك عبد السلام المجالي، وأخذت موافقة سفراء الدول لدى اليونسكو، وبدأت العمل والسفر لجمع الأصوات وحصلت على دعم جامعة الدول العربية وأمريكا اللاتينية والإتحاد الأوروبي، إلا أن الحكومة فجأة طلبت مني الانسحاب لصالح مرشح دولة عربية شقيقة اسمه غازي القصيبي، وقررت الانسحاب، علماً بأنه كان لدي شك بنجاح زميلي العربي، وكما توقعت، نجح مرشح اليابان أوتشيرو ماتسورا مديراً عاماً لليونسكو في باريس.
وبعد تقاعدي من اليونسكو عام 1998 استلمت رئاسة جامعة فيلادلفيا لمدة ست سنوات. وبعد ذلك دعيت لتشكيل الحكومة في 5-4-2005.

عندما استدعيت من قبل جلالة الملك، هل كان لديك إشارات على تكليفك بتشكيل الحكومة؟
- تفاجأت في البداية،كما يتفاجأ أي إنسان عندما يطلب منه عمل ضخم، وبعد حديث مطول مع جلالته التي عرض فيها ضرورة الإصلاح والتحديث والتطوير ، وتطرق إلى إصلاح سياسي وإصلاح اقتصادي وإصلاح اجتماعي، ليستطيع الأردن أن يكون في مقدمة القاطرة ونحن على أبواب الألفية الثالثة، وضرورة تقديم الأجندة الوطنية التي تأخذ بالإصلاح المتكامل والشامل وضرورة دراستها ومناقشتها لتستطيع مخرجاتها أن تحدث التغييـر في الأردن الذي نريد.
وشعرت من حديث جلالة الملك بأنه كلفني لرغبته في إحداث التغيير، ربما لأنني من الوسط الأكاديمي خارج الوسط السياسي المعروف، لقيادة الإصلاح وتقديم الأجندة الوطنية وتنفيذها.

من أول شخص تحدثت إليه بعد ذلك؟
- وزير البلاط، مروان المعشر.

هل كانت أسماء الوزراء في ذهنك حينذاك؟
- بدأت بوضع القوائم للأشخاص المؤهلين الذين يمثلون توجهات مهنية وسياسية، لتكوين فريق متكامل للقيام بمهمة الإصلاح وتنفيذ الأجندة الوطنية.

عندما خرجت من الديوان بمن اتصلت؟
- اتصلت بزوجتي، بالطبع اعتقدت بأني أمزح معها.

ما الذي أوصل الحكومة إلى مرحلة معقدة مع النواب، هل كان السبب عدم التشاور معهم قبل التشكيل؟
-تشاورت معهم قبل التشكيل، وأوضحت لهم بأنه ليس لي أي أجندة خاصة، فقط الإصلاح والأجندة الوطنية ولم أفصح لهم عن أي اسم مرشح لحقيبة وزارية، أنا اعترف بأنني لم آخذ المحاصصة بجدية، وكانت الكفاءة والقدرات هي الأساس، وهذا وفقاً للدستور، ولكنني احترم التمثيل الجغرافي كتقليد، وأخذت به في أول تعديل.
في اعتقادي كانت معارضة النواب لي في البداية على أساس إنني لم آت من الوسط السياسي المعروف واتهمت أكثر من مرة بأنني شخص أكاديمي، علماً بأنني استلمت حقيبتين وزارتين، وكانت حكومة أبو شاكر الذي شاركت فيها سياسية، إذ أدارت الانتخابات النيابية التي أقرّت البرلمان الديمقراطي في نهاية عام 1989. ولكن بدا لي واضحاً أن لبعضهم أجندات خاصة بهم، إلاّ أنني ونتيجة الاجتماعات المكثفة مع جميع كتل مجلس النواب ومجلس الأعيان، ومن خلال مشاورتهم في وضع البيان الوزاري الذي أخذت بعين الاعتبار همومهم، وتحسين الخدمات في مناطقهم، فقد نلت الثقة على أساس البيان الوزاري وفق الدستور، وقد استغرق قراءة البيان تحت القبة ساعة ونصف وتكوّن من 75 صفحة.

هل شكل مجيئك لرئاسة المركز بعد أحمد عبيدات رئيس الوزراء الأسبق إحراجاً لك؟!
-عندما عينت في المركز قمنا بتكريم دولة أحمد عبيدات بحضور مجلس الأمناء، واجتمعت معه طويلاً، فهو صديق عزيز منذ القدم، تولى إدارة المخابرات وزارة الداخلية ورئاسة الوزراء حيث شارك عضواً في اللجنة الملكية التي تولت تأسيس المركز وتقديم قانونه، وأنا لست على نقيض من التوجهات التي أرساها، بل على العكس، قمنا بترسيخ توجهات المركز في تحويل السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل، ودعمنا توجهات المركز في إرساء قواعد حقوق الإنسان في المملكة، ويشير تقرير المركز الوطني لعام 2008 بانخفاض حالات التعذيب نتيجة الشراكة البناءة مع الأجهزة الأمنية. كما تم إعادة فتح مكتب الحقوق الإنسانية في مركز السواقة.
كما قمنا بتأسيس شراكة مع مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في حقوق الإنسان، ونركز حالياً على حقوق المرأة والطفل، ويشير تقريرنا الأخير إلى التوسع في نظرتنا الشمولية لحقوق الإنسان من خلال معالجة 23 محوراً تناولها التقرير.

كيف ترى وضع حكومة المهندس نادر الذهبي؟
- أنا أقدره وأحترمه وباعتقادي انه يبذل نهاره مع ليله ولساعات طويلة لحل الإشكالات التي تصدر هنا وهناك كما احترم مصداقيته.

ما هي البصمة التي تركتها كرئيس حكومة؟
-الأجندة الوطنية، والاستقرار المالي والنقدي نتيجة إزالة الدعم التدريجي، وتحرير النفط، والتقدم إلى مجلس الأمة بقانون هيئة مكافحة الفساد، والحد من عجز الموازنة والبدء بإصلاح اقتصادي يعتمد على الذات.
هل نفذ شيء من الأجندة على أرض الواقع؟
- نعم نفذ الكثير في رفع الدعم وتحرير سوق النفط للتنمية التنافسية، مما أدى إلى الحد من عجز الموازنة، وباشرنا برفع الدعم عن مواد أخرى وتحريرها كاملاً، وفي مجال التعليم العالي، رفع المديونية عليها، وفي مجال الصحة استكمال مستشفى الأمير حمزة والمراكز الصحية الأولية، ومتابعة تنفيذ السياسات المائية في مشروع الديسي وقناة البحرين، وتعزيز قطاع الزراعة، والبدء في وضع تصور متكامل لشبكة سكك حديدية، عريضة وطنية تربطنا مع كل من العراق وسوريا والسعودية، بحيث نعيد بناء اقتصاد الترانزيت الأردني مع أوروبا (عن طريق تركيا) والبحر الأبيض المتوسط (اللاذقية) والبحر الأحمر (العقبة)، والخليج العربي (البصرة) والسعودية (تبوك)، وقد بحثت هذا الموضوع مطولاً مع الرئيس السوري بشار الأسد أثناء زيارتي الرسمية لسوريا والذي أبدى تعاوناً كاملاً بصدده.

بثلاث كلمات، ما رأيك بالبحث العلمي في الأردن؟
-غياب السياسات والأولويات، والتنظيم والإدارة.

رأيك بوزارة التعليم العالي؟
- إذا أردت أن ينهض التعليم العالي في الأردن يجب فصل وزارة التعليم العالي، وإعادة الصلاحيات لمجالس أمناء الجامعات، وإعادة تشكيل مجلس التعليم العالي ليشمل المهتمين لمخرجات التعليم العالي، وتحديد صلاحياته بوضع السياسات والاستراتيجيات، ولا يتدخل في أي أمر تنفيذي لأي جامعة.
عندما تأسست وزارة التعليم العالي في عام 1985، كنت أنا ضد تأسيس وزارة التعليم العالي عندما كنت رئيساً لجامعة اليرموك عام 1985، كما كان رئيس الجامعة الأردنية عبد السلام المجالي ضد وجودها أيضاً (ولا زلنا)، إذ قامت الوزارة بتهميش مجالس الأمناء وسلبت استقلالية الجامعات مما أدى إلى عدم استقرار الجامعات، فليس هناك استقرار في رئاسة الجامعة أو في سياسات القبول فيها أو في الأعداد والبرامج، فهي تخضع لتغييرات مستمرة من الوزارة، وكل وزير جديد يبدأ بمزاحمة رؤساء الجامعات على الصلاحيات أو يقوم بتغييرهم أو نقلهم وتعديل سياسة القبول السنوية مما أدى إلى فوضى في التعليم العالي.
لذا أجد أنه من المناسب استبدال وزارة التعليم العالي بمجلس التعليم العالي والبحث العلمي، وتطويره ليتحول مستقبلاً إلى هيئة تنظيم قطاع التعليم والبحث العلمي الذي تحدد صلاحياته بإقرار السياسات العلمية والبحثية، ووضع الاستراتيجيات ويجري الدراسات المقارنة لرفع سوية التعليم، وتوفير الإحصائيات السنوية عن التعليم والبحث العلمي الأردني وإقرار إنشاء مؤسسات جديدة في التعليم العالي وفق السياسات التي وضعها، ولا يتدخل في شؤون وخصوصيات الجامعات أو يتعدى على صلاحيات مجالس أمنائها، أكان ذلك في أسس القبول أو الأعداد أو تعيينات رؤساء أو إنشاء الأقسام والبرامج لأن كل ذلك يخضع للمعايير العامة والخاصة لهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي.

رأيك في الجامعات الأردنية الرسمية؟
- دون المستوى، لأنها لا تلتزم بمعايير الاعتماد العام والخاص، ولا تنفذ معايير الجودة، وخاصة بالنسبة للأعداد، ضمن طاقتها الاستيعابية، وتخضع لاختراقات في أسس القبول على أساس الجدارة والعدل والمساواة. كما أصاب بعضها الترهل لخضوعها للواسطة في التعيينات الإدارية فوق حاجتها وقدرتها المالية.

مستوى خريجي حملة الدكتوراه؟
- لا أؤمن بإعطاء درجة الدكتوراه من أي جامعة أردنية حالياً، وعلينا الاكتفاء بالماجستير وخاصة في العلوم، ويجب إبتعاث هؤلاء إلى الخارج ليتعرضوا لخبرات وفكر وأساتذة جدد.

مستوى حقوق الإنسان في الأردن؟
- مستواها يتطور وينمو ويتحدث، لم نصل بعد إلى الكمال، لكننا نحقق قفزة إلى الأمام مقارنة مع غيرنا، يجب إعادة النظر في تشريعات الانتخاب وفق الدستور، للوصول إلى قانون انتخاب يقوم على أساس ترسيخ الديمقراطية والعدالة والمساواة، وتطوير تشريعات الجمعيات لإعطائها الحرية الكاملة وفق الدستور، ووضع تشريعات لحقوق المرأة والطفل وفق إعلان مبادئ حقوق الإنسان.

كم شكوى يتلقى المركز سنوياً؟
-بمعدل 600 شكوى سنوياً.

حكومتك؟
- جاءت في ظروف صعبة، ولكن حققت الكثير من كتاب التكليف السامي في تحسين العلاقات مع الدول العربية الشقيقة المجاورة، التقدم بقانون هيئة مكافحة الفساد، الحد من ، الفقر والبطالة، تقديم الأجندة الوطنية لبدء مشروع الإصلاح.

الرأي: من هو مثلك الأعلى؟
- أقدر والدي فهو مثلي الأعلى، لأنه زرع فينا النـزاهة والصدق والشفافية، وأنا عشت في بيت تقي وهو ما تربينا عليه، وأصبح سلوكا يومياً لنا، لي ولإخواني وأخواتي.

من أفضل رئيس وزراء مر على الأردن؟.
- سؤال محرج، لأنني كنت رئيسا للوزراء وكان أخي مضر كذلك ، والرؤساء أصدقائي، فأرجو إعفائي من الإجابة.

لم تعرج في المقابلة على والدتك ولا على زوجتك، لماذا؟
- قلت لكم أن زوجتي كانت السبب في عدم عودتي إلى أمريكا، وقد خطبتها أثناء دراستها اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعة الأردنية ، وزواجي كان شبه تقليدي، كبرت الأسرة وصار لدينا أربعة أولاد وبنتان، وقد عملت زوجتي معلمة لمدة أربع سنوات، بعدها تفرغت للأسرة، واعتز وافتخر بوالدتي وهي لا تزال بيننا إلى يومنا هذا، وتعلمت على يديها الكثير، اللهم اطل بعمرها وأدم صحتها لنا.
عن الراي .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :