"ظاهرة" العنف في الاردن .. آفة تهدد أمن المجتمع .. ياسر قطيشات
11-08-2009 09:46 PM
"القتل" و"الخطف" و"المشاجرات الجماعية" و"اعتداء االطلبة على المدرسين" و"اعتداء المواطنين على الكوادر الطبية وموظفي الدولة" و"ظاهرة اللقطاء" و"المشاجرات المدرسية والجامعية" .... كلها ظواهر سلبية مقيتة برزت في الأعوام الأخيرة وأضحت موضع اهتمام وقلق لدى الباحثين الاجتماعيين والتربويين، مقابل شبه تجاهل من مؤسسات الدولة لخطورة هذه الظواهر وأهميتها ، وهي مؤشر على تزايد ظاهرة العنف الاجتماعي في الاردن.
ورغم أن الكثير من الدراسات الاكاديمية والابحاث العلمية تحدثت عن هذه الظاهرة عربيا واردنيا ، إلا أنها تناولتها في أطار خارج عن سياق الحلول العملية والواقعية التي يمكن أن يلمسها المواطن البسيط ، ففي الاردن يمكن تفسير ظاهرة "العنف الاجتماعي" من خلال البحث في الدوافع التي تسهم بدرجة أو باخرى بارتكاب العنف أو اللجوء اليه بوصفه "الاستجابة الاكثر قابلية للظهور" أثناء التفاعل اليومي للمواطن مع البيئة الداخلية (الاسرة) والبيئة الخارجية (المجتمع) .
والاردن يعاني اليوم من سلسلة ضاغطة من الحوادث اليومية التي تؤشر على شكل جديد للعنف الاجتماعي لم يألفه المجتمع الاردني من قبل ، فهو أشبه بـ"بعنف متفق عليه" يأتي نتيجة سياقات وظروف اجتماعية أردنية معينة ساهمت في زيادته . ولعل في الاوضاع الاقتصادية الصعبة وما يتعرض له المجتمع الاردني من ازمات اقتصادية واجتماعية متوالية وما يتبعها من تغيرات عميقة تركت آثارها في بنية المجتمع ومنظومته الأخلاقية والمعيارية ، ما مثل بيئة خصبة لتنامي العنف الاجتماعي بكل مستوياته ومجالاته التي يتفاعل في اطارها الافراد.
ولا يمكن لاحد ان ينفي خطورة الوضع ااقتصادي وارتفاع الاسعار وغلاء المعيشة وانسحاب مؤسسات الدولة عن دور "رعاية المواطن" ... على شكل ومضامين العنف المجتمعي المستشري في جنبات الشعب الاردني يومياً ، كما أن استقبال الاردن لقيم وافدة جديدة من مجتمعات عربية وأسيوية خلال العقدين الاخيرين ساهمت في زيادة مستوى العنف الاجتماعي ، فتلك العادات والتقاليد والسلوكيات الغريبة ، على تنوعها واختلافها، نسجت مفاهيم مغايرة في وعي القاعدة الشبابية الحالية زادت من مساحة ثقافة السلوك العنفي ، فبات اغلب الشباب الاردني –ذكورا واناثا- يمتلك ثقافة سلوكية مختلطة وخارجة عن سياق الثقافة والتربية الاردنية .
ولكون الفرد يعيش احيانا في مجتمع متأزم ومتناقض مع نفسه ، فيجد الشاب الاردني نفسه عاجزاً عن تقبل الضوابط والاحكام وسط هذه التوليفه المتناقضة ، فلا يملك القدرة على ضبط ذاته ويميل الى التمرد والتهكم وغالبا الى التعامل مع الاخرين بالخشونة والقسوة، فيصبح العنف سيد الموقف ويبيت اللجوء اليه او التهديد به حتى ولو لفض المشكلات البسيطة امراً محتوماً ، فعلى صعيد الاسرة بات الاكراه والقسر والصراخ بين أفرادها بديلاً عن التفاهم والحوار العقلاني ، وينتقل بالتالي هذا السيناريوا الاسري الى المجتمع الاوسع ، فيكون سلوك المواطن في الشارع والمدرسة والجامعة والمؤسسة ، بسبب جملة ضغوطات اجتماعية واقتصادية وسياسية ، انعكاساً لواقع حياته في الإسرة في ظل غياب الوعي والحرية ، وهو ما يعني انحراف الفرد عن معيار العلاقات الانسانية الراقية .
ان الصور المختلفة للانحراف التي يشهدها المجتمع الاردني اليوم، انما هي شاهد على وجود تناقضات كامنة في بناء مؤسسات المجتمع تضغط على الفرد المواطن وتؤدي الى ان ينحرف فعله الاجتماعي عن المنظومة المعيارية التي تحكم مساره ما يدفعه لخروقات تهدد النظام الاجتماعي السلمي برمته ، وتبدو صور هذه الخروقات في ارتفاع معدلات الجريمة وفي ظهور انماط اجرامية لم يشهدها المجتمع الاردني من ذي قبل ، وفي ارتفاع حوادث العنف التي ترتكب لتفريخ شحنة التوترات المختزنة لشرائح سكانية كثيرة تعتبر نفسها تعطي ولا تأخذ الا النزر اليسير .
ما الحل ؟؟
أبسط الحلول العملية والقابلة للتطبيق بعيدا عن التنظير هي ضرورة اعادة النظر في أساليب التربية الإسرية والمدرسية ، وعلى مؤسسات الدولة المعنية ان تزيد من مساحة الوعي الأسري بأهمية وضرورة ابعاد اساليبالقهر والاكراه والعنف في المؤسسات التربوية المختلفة بدءا من العائلة ومروراً بالمدرسة وانتهاء بالجامعة .
كما أنه على الدولة واجب رفع المستوى المعيشي للمواطنين وتحسين مستوى الخدمات والدخل وحل أغلب المشاكل الاقتصادية الضاغطة على فكر وعقل المواطن ، والعودة عن قرار انسحاب الدولة من دعم المواطن من خلال استحداث مؤسسة وطنية تعنى بتوفير الخدمات الرئيسية للشرائح الدنيا والطبقات المعدومة والفقيرة .
وكذل ضرورة تبني مضامين ونصوص قانونية تنبذ العنف وتضع العقوبات المناسبة والرادعة لكل جريمة أو عنف مضاد ، والاهم التشديد على العقوبات الصادرة بحق الزوج والاخ من خلال تفعيل قوانين حماية المرأة والطفل من العنف الموجه اليهما من قبل رب الأسرة أو الوصي ، واصدار قوانين صارمة بهذا الشأن وزيادة برامج الارشاد الاسري والمجتمعي بأهمية الحوار وقنوات الاتصال بين الافراد ومكونات المجتمع .