عطوان يستذكر صباه في عمان .. ويروي رحلة لاجئ من المخيم إلى الصفحة الأولى .. (شاهدوا الفيديو والصور)
23-02-2012 12:17 AM
عمون - وائل الجرايشة ومحمد العكور - فتح رئيس تحرير يومية القدس العربي الصادرة في لندن عبد الباري عطوان قلبه للجمهور الأردني وهو يتحدث بمجمع النقابات مساء الأربعاء في حفل توقيع كتابه "وطن من كلمات.. رحلة لاجئ من المخيم إلى الصفحة الأولى" بدعوة من دار الشروق للنشر والتوزيع.
عبد الباري الذي يزور الاردن بعد غياب (10) سنوات كان خفيف الظل ومرحاً في الوقت الذي امضاه مع محبيه لنحو ساعتين من الزمن روى قصصاً ابتدأها من نشأته في مخيمٍ بغزة "الناسُ فيه سواسية" وما اعقبها من فترات عاشها في عمان وعواصم عدة في العالم العربي انتهاءً بعاصمة الضباب "لندن".
* عطوان في عمان:
وقال عطوان وسط وجوه كثيرة ألفها من الحاضرين "لعمان نكهة خاصة فقد أتيت لها وعمري 17 عاماً"، وداعب الحضور بالقول "الناس كانت تغادر إلى الأردن.. أهلي حينما ارادوا أن يرسلوني إلى عمان كانوا يعتقدون أني النابغة الذبياني فجمعوا لي (30) جنيهاً واخفوها بحذائي واوصوني بأخذ الحيطة لكي لا ينخرق الحذاء فتضيع الفلوس".
وأضاف عبد الباري "وصلت عمان لأكتشف أن (30) جنيها المصرية التي اتيت بها معي من غزة لم تكن شيئاً .. فنصحني ابن عمي الذي سبقني إلى عمان أن اعمل لاحصل على النقود".
نزل عبد الباري عطوان في فندق "العربي" بعمان واتخذ "سطح البناية" مكاناً لنُزله متسائلاً أمام الحضور "لا أعرف إن كان لا يزال موجوداً هذا الفندق؟" ، ودفع مقابل منامه المكون من "سرير الزمبرك" والمخدة التي أشبه بذلك - على حد وصفه - (5) قروش.
عطوان كشف أمام الحضور بأنه يمشي أثناء نومه وقال "أنا بمشي وأنا بحلم.. لذلك اوصتني والدتي بأن لا أنام على السطوح "، مازح الجالسين عبد الباري حول وصية أمه "لدي (10) من الإخوة لكن والدتي كانت خائفة عليَ فاوصتني بتلك الوصية فعملت بها حيث ربطت قدمي بالسرير".
أشار الى ان عمان كانت في تلك الفترة "تموج" بكثرة النازحين، وهو ما استدعاه للتوقف هنا وتقديم الشكر للأردن بالقول " هذا البلد كان عطوفاً ودوداً للنازحين من كل الوطن العربي حتى الان"، مشيراً إلى أنه بدأ باستقبال الفلسطينيين ومن بعد زمن العراقيين والسوريين، واصفاً الأردن بـ "القلب الكبير" المفتوح لكل من يبحث عن أمان.
يكشف الكاتب عطوان عن مواقع عمل فيها في العاصمة عمان بفخر ويقول "اشتغلت في مصنع بندورة بماركا ومن ثم في أمانة عمان على آلة (تركتور) لرش المبيدات ومن ثم على سيارة نفايات "، ولم يتندر على عمله بقدر ما كان منزعجاً من السيارة التي كان يعمل عليها والتي لا تسرع رغم أنه يحب السرعة وقال "مشكلتها أنها كانت تخرب.. فأنا بدي اسرع حتى لو سيارة نفايات" - على حد توصيفه - .
يستذكر عطوان المواقع التي عمل بها والأماكن التي مر منها وقال بعد ذلك عملت في "ناشد إخوان" لبيع الحلويات .
في لقاءاته مع الملك الراحل الحسين بن طلال يقول عطوان إنه كان ذات يوم برفقة والدته في عمان فحينما رأت بناية كبرى وقفت تتأمل بها فسألها عن سبب تبحرها في العمارة قرب البنك العربي فقالت " اليست تلك البناية قصر الملك فقال: لا، لكنها اصرت وقالت: هذه اكبر بناية في عمان والملك هو أكبر رجل في البلاد.. ورغم محاولة توضيحه الأمر لكنها تمسكت برايها "انك لا تعرف أنا اعرف"، يوضح عطوان " والدتي سيدة بسيطة لا تقرأ ولا تكتب اعتقدت ان هذه العمارة للملك" ..
يتابع في رواية قصته السابقة بالقول" بعدها التقيت بالملك الراحل الحسين بن طلال فقصصت عليه القصة فطلب مني مقابلة والدتي واستضافتها في عمان لرؤية القصر، لكن هي في غزة وكان الامر صعباً" ، يبين عطوان أنه التقى في الملك مرات بعدها فسأله أكثر من مرة عن والدته التي وعده أن تزور الاردن لكن الحلم لم يتحقق - يوضح عطوان -..
* الدم الاردني الفلسطيني ومعركة الكرامة :
يستذكر عبد الباري عطوان أجمل لحظات المقاومة ويقول "أجمل لحظات عايشتها وأنا في عمان عقب النكسة ففي العام 1968 بعد عام من الهزيمة خاض الجيش العربي الاردني مع المقاومة الفلسطينية معركة الكرامة ..كم كانت عظيمة حيث اختلط دم الشعبين الاردني والفلسطيني".
يستذكر عطوان تلك الايام ويروي " كان مشهداً عظيماً ونحن نرى الدبابات الاسرائيلية التي استولي عليها بعد المعركة حيث وضعت في ساحة عمان .. الناس كانت تبكي فرحاً ..الاطفال كانوا مستيقظين وقت الليل فرحاً ..منظر لا انساه فالناس كانت تأتي ليروا منظر الدبابات الاسرائيلية ..لحظات مؤثرة " ..
* عطوان والمحمودان :
يشير إلى انه في كل مرة آتي إلى عمان كنت التقي بـ "المحمودين" - على حد تعبيره - ..محمود الكايد الانسان العظيم الذي افتقدناه ومحمود درويش ، ويتابع " كنت أمرَ الى شيخ المجاهدين وكبير المناضلين بهجت أبو غربية ..ويصف رحيلهم الثلاثة بـ " المصاب الكبير" بعد فقدان الأعزاء .
* الثورة الفلسطينية :
وفي الربيع العربي وانعكاساته على القضية الفلسطينية قال " نحن نريد ثورة فلسطينية لا ربيعاً فلسطينياً يجب علينا ترتيب أولوياتنا وهي تحرير الاراضي المحتلة وليس الديمقراطية" ، متسائلاً " ماذا تعني الديمقراطية في بلد محتل وماذا تعني الديمقراطية في بلد يُسحب فيه تصريح رئيسها ويوضع قيود على حركته؟ عن أي رئيس تتحدثون وعن أي دولة ؟".
واضاف " لا نريد رئيساً جديداً ولا نريد برلماناً بل نريد تحرير وطننا ويجب أن تكون أولوياتنا كشعب فلسطيني هي استرجاع كرامتنا ووطننا ويجب أن نعيد الكرامة لهذا الشعب المناضل, هذه الايام من اسوأ ايام حياتنا كشعب فلسطيني بحيث اصبحنا متسولين".
* الوطن البديل :
وأشار " يوجد كلام كبير عن الوطن البديل" مشدداً القول " على أن الوطن البديل لفلسطين هو فلسطين" ، وزاد " الاردن البلد الشقيق لفلسطين ونحن ننظر الى الاردن دائماً نظرة الشقيق للشقيق ونظرتنا دائماً الى الغرب الى حيفا ويافا" .
وتابع " الاردن يحظى بكل الحب والعرفان والتقدير لهذا البلد الذي منحني جواز سفر مؤقت وسهل علي حياتي واقول شكراً للاردنيين كما ان كل فلسطيني يقول ذلك ".
* "وطن من كلمات" بالإنجليزية :
يبرر عطوان سبب طباعته لكتابه "وطن من كلمات" باللغة الانجلزية قبل العربية بالقول " نصحني الناشر بأن اكتب الكتاب باللغة الانجليزية لأن عشرات الملايين من العرب والمسلمين بالمهجر ولا بد أن نؤرخ لهم ونوثق المخيم والمعاناة التي تعيشها الأمة فالكتاب لم يكن مركزاً على القضية الفلسطينية " ، مشيراً إلى أنه تطرق لنشأته في مخيم دير البلح بقطاع غزة مروراً بعمان إلى ليبيا فالسعودية وانتهاء بلندن.
المح إلى أن الكتاب كان يوثق للتشرد والمعاناة في المخيم وحقق نجاحاً كبيراً حيث كان الكاتب عطوان سعيداً بردود الفعل التي وصلته .
* النسخة العربية للكتاب :
يقول عطوان أنه اضاف على النسخة العربية (6) فصول تطرق فيها إلى "الشهيد ياسر عرفات ومحمود درويش والمفكر العربي والشاعر ادونيس ..وكثيرين" ، وبين أنه ما لا يصلح في النسخة العربية تجاوزه .
* بؤس المخيم :
يتطرق لما حمله الكتاب من روايات لقصص المعاناة التي عاشها في المخيم فقال " بدأت في كتابي من المخيم حيث ولدت وكنت واحداً من قبيلة لأب توفي عن عمر 43 عاما وخلف 11 ابناً " ، يمازح عطوان الجمهور بعد أن ضحك على الفترة الزمنية القصيرة التي عاشها "الوالد" مع عدد ابناءه الكثر " كان عنده نية للزواج لو بقي حياً " ، ويضيف في فقرات تندره " كنت في الوسط بين اخوتي على الرغم أني لا احب هذا المركز فأنا إما هجوم أو بلا" ، يتابع " صدفة غير عادية " ..
ينوه إلى أن حياة المعاناة في المخيم صعبة ويسخر من قدر عصيب لازم حياة أهله وفي ثنايا حديث عطوان لا يخلوا من إعتبار ذلك الأمر عدالة بالضنك " اذا كان الموسم "ملوخية" فكل الناس تأكلها .. وكذلك الحال إن كان الموسم "بامية" ..وإن كان موسم "سردين" كوننا على شاطىء غزة فكل المخيم كانوا يأكلون "السردين" فكل المخيم يصبح "زفراً" .. واذا كان المرض اصاب من انفلونزا أو حتى اسهال فإنه يصيب الناس جميعهم في المخيم" ..
"الكل متساوون من نعم المخيم .. التساوي في المعاناة " - هكذا يصف عبد الباري - قبل أن يتحدث عن وضع والده الفقير والمريض وسط حالة من الغرق في البؤس يعتاشون من أموال وكالة الغوث ، ويعود للحديث عن اهل مخيمه اللذين كانوا أحياناً يبحثون عن "فردة حذاء" للقدم الأخرى بعد أن حصل على الأولى فقط من المعونات ..كما أن البعض يرتدي معطفاً ليس على حجمه وجنسه فرحاً به دون علمه بذلك ..
* الشيخ محمد :
في معاناة الفلسطنيين مع الاحتلال يروي عطوان قصة الشيخ محمد الذي كان "أصماً أبكماً" الذي كانت سيدة عجوز تهتم بأمره لظروفه الصحية ، ويحسد عطوان وزملاؤه في المدرسة صديقهم الذي لا يجبر على التعليم فكبروا معاً ، ويقول أنه في ذات يوم وجدوه مسجياً على الأرض وسط بركة من الدماء .. "قتلوه فمات شهيداً ..يبدو أن الاسرائيليين طلبوا منه أن يتوقف فلم يتوقف فالرجل لا يسمع فقتلوه وهو في طريقه ليلاً الى السيدة العجوز التي اعتنت به " ..
* جدته الشهيدة :
وعن عائلته يقول عطوان أن والدته كان تزور جدته لامه وتجلس عندها كثيراً وفي أحد الايام أرادت أن تهم بالدخول الى منزلها فوجدت الباب "من زينكو" قد اخترقته رصاصات ، فما إن فتحت الباب حتى وجدت والدتي والدتها مستشهدة برصاصة اصابت رأسها ، ويضيف " جدتي تجاوزت من العمر الـ 80 ولم تكن تقدر على المشي حيث كانت مشلولة يبدو أنها تأخرت في فتح الباب فقتلها الاسرائيليون"..
* مواقف مع ياسر عرفات ...
يتنقل عطوان في فصول كتابه مستعرضه أمام الحضور في عمان فقال في حادثة حصلت خلال مرافقته للزعيم عرفات الى برلين " كان الرئيس الراحل ياسر عرفات يشاهد تلفازاً يبث باللغة الالمانية ويتابع بدقة متناهية لنحو ما يزيد عن الساعة ونصف فسألته "هل تعرف الالمانية ابو عمار؟؟" ..ظل يتابع التلفاز حتى قال "اهو اهو" حيث بثت لقطات لثوان عن ياسر عرفان وهو يصافح الرئيس الروسي غورباتشوف, وعندها استدعى عرفات مندوب وكالة الانباء الرسمية(وفا) ليقول له اكتب .. اكتب خبراً عن لقائي بغورباتشوف الذي اكد دعمه للقضية الفلسطينية وانهما تباحثا وان الرئيس عرفات تلقى دعوة لزيارة موسكو" .
يلمح الى ان عرفات كان يشعر بانه بحاجة الى ايصال رسالة من بينهم السوريين حيث كان قد ابعد منها للتو بعد خلاف حاد حصل مع حافظ الاسد الذي كان قد امر باخراج عرفات من سوريا.
يقول عطوان " اتذكر ان عرفات كان في اول يوم من شهر رمضان في كل سنة يذهب الى تونس ليتناول طعام الافطار مع ابناء الشهداء الفلسطينيين بحيث صدفت ان كان وليد توفيق وزوجته برفقة ياسر عرفان بحيث التف جميع الموجودين حول المطرب وليد توفيق ونسوا عرفات ".
* "الحظ" ساعدني في حياتي :
واستطرد عطوان في الحديث عما اسماها الصدف او "الحظ" والذي ساعده في حياته, وقال عندما ذهب الى ليبيا وكنت متعطلاً عن العمل في حينها ونصحني احد اصدقائي بكتابة مقال بحيث كتب عطوان مقالاً عن شاه ايران بعنوان "ماذا تهدف اميركا من تسليح شاه ايران ؟" وارسلته الى صحيفة البلاغ الليبية والذي كان يترأس تحريرها الزميل خالد محادين لكنه ابلغني بان هنالك تعليمات تمنع الكتابة عن الزعماء العرب والمسلمين.
واستطرد قائلاً: تفاجأت بعد فترة وجيزة بالمقال منشور على الصفحة الاولى للجريدة بنفس العنوان ومكتوب عليه بقلم الكاتب الكبير عبد الباري عطوان, بحيث كان معمر القذافي حينها على خلاف مع شاه ايران ، تحت وطأة الضحك يقول عطوان " للمجانين قوانينهم" ..ويلمح الى ان القذافي ربما وقع خلاف بينه وبين الايرانيين فادت النتيجة الى ذلك .. وانا فانتقلت بيوم وليلة من متعطل عن العمل الى الكاتب الكبير .. وتابع: بعد المقال الذي انتشر بين الاذاعات والمحطات التلفزيونية والاذاعية اصبحت الكثير من كبريات الصحف تبحث عني, بحيث اصبحت اعمل مع صحيفة البلاغ .
اما الصدفة الثانية. ذهبت للعمل في صحيفة الاتحاد الاماراتية والتي تركها بعد ذلك للعمل في صحيفة المدينة بالسعودية حيث كان شقيقه متواجداً هناك.
وعندما تقدمت للعمل في صحيفة المدينة ذهبت لاقابل رئيس تحريرها الذي قال لي: نحن لا نؤمن بالشهادات وانما نؤمن بالخبرة والكفاءة, بحيث بعثني لشخص يعمل في الصحيفة بوظيفة مترجم والذي قام باعطائي اخباراً باللغة الانجليزية وقال لي ترجمها .
ووبعد ذلك قام بتقييمي بجملة "ان هذا الشخص لغته قوية جداً جداً", وقال عطوان: اكتشفت بعد ذلك ان الشخص الذي قام بتقييم عملي في الترجمة كان يقصد اللغة العربية وليس الانجليزية .
* شخصان كان لهما الاثر الكبير في حياتي :
يقول " بالاضافة للحظ كان لشخصان في حياة عطوان دور كبير" صدام حسين وبن لادن .. واستذكر عن الشخص الاول "صدام حسين" قصته فقال: تفاجأت بيوم عندما تكلم معي محامي الدفاع عن صدام حسين والذي ابلغني بضرورة حضوري الى عمان ليبلغني شيئاً مهماً اوصاه به الشهيد صدام حسين فحضرت وقابلت المحامي عبد الودود والذي ابلغه ان صدام حسين اوصاه ان يوصل له رسالة مفادها ان الامة التي فيها عبد الباري لا تنسى ابداً, واعطاني المحامي وساماً من صدام حسين هو اغلى واهم وسام تلقيته في حياتي .
أما حول الشخص الثاني "بن لادن" فقال " أثرَ في حياتي هو بن لادن الذي ذهبت اليه وقضيت معه ما يقارب 10 ايام في منطقة تورا بورا اضافة الى 10 ايام قضيتها مع تنظيم القاعدة في افغانستان".
* عبد الباري في لندن :
لقد كانت لندن بالنسبة لي صدمة حضارية بحيث انتقلت حينها من دولة في العالم الثالث الى دولة في العالم الاول, وقال لي حينها صديق لي بضرورة تغيير ملابسي وان اهذب شعري لانه لا يليق بالدول المتقدمة , واذكر بانني ذهبت الى فندق هلتون وحينها رفض البواب ادخالي بسبب شكلي, لاذهب بعدها واشتري ملابس وحذاء واحلق شعري وبعدها عدت الى الفندق ليدخلني البواب بكل سرور .
* انتقاله للعمل في صحيفة القدس العربي :
كان هناك في لندن برجان كبيران هما صحيفتا الحياة والشرق الاوسط وكان بينهما "القدس العربي" التي كانت بمثابة "خيمة" بالنسبة للصحف الاخرى, وكان حينها عدد مبيعات الصحف قليل جداً, وفي ذلك الوقت اشتعلت حرب الخليج الثانية فاتخذت الصحيفة دوراً ضد التدخل الاجنبي في العراق الامر الذي زاد من انتكاسة الصحيفة .
* تصوير : محمد أبو حميد ..