الكرك: "الداية" و"مطهر الأولاد"
16-04-2014 10:56 AM
عمون - محمد الخوالدة - تحت باب الحمل والولادة والطهور ثمة مهنتان يختزنهما قاموس الذاكرة الشعبية الكركية..
مهنتان ظلتا سائدتين الى زمن لا يفصلنا عنه سوى 50 الى 60 عاما خلت، لتأتي عليهما التقنيات الطبية المعاصرة فتصير المهنتان في خبر كان..
واذا كانت الاجيال الحاضرة لا تعرف عن المهنتين وهما مهنة "الداية" ومهنة "مطهر الاولاد" شيئا فان لدى المعمرين ما يقولونه بهذا الشأن رغم ان من الجيل الحالي من يردد عبارة "بين ع دايتك" دون المام بماهية كلمة الداية، وهي عبارة يقصد بها الممازحة فيقولها شخص لآخر ان مارس هذا الآخر فعلاً لا يروق لقبيله.
تقول ام تحسين "لم يكن في زمننا طب نسائي ولا عيادات طبية خاصة ومستشفيات مليئة بالتجهيزات والمعدات الطبية المتطورة، انما كانت هناك الداية"، والتي هي سيدة من عامة الناس يشترط ان تتسم بالتدين والورع تقوم مقام طبيب النسائية المختص حاليا بحكم ما لديها من تجربة شخصية طويلة في الحمل والولادة او خبرة في مزاولة المهنة.
لم تكن مهمة الداية، تضيف ام تحسين، تقتصر على اجراء عملية الولادة، بل ان تأخرت احداهن عن الحمل والانجاب او صادفت صعابا اثناء حملها او تعسرت ولادتها فليس امامها سوى الداية ايضا والتي كانت تقوم بمهمة متابعة المرأة الحامل حتى بعد مرور فترة زمنية طويلة من ولادتها للاطمئنان على صحتها والتأكد من سلامة مولودها.
وتتابع ام تحسين: من الدايات من كن يتقاضين اجرا نقديا او عينيا بحسب ما يجود به الآخرون، فيما كان اغلب الدايات بحسب ام تحسين يقمن بعملهن لوجه الله تعالى، ثم وللامعان في تكريم الداية والدلالة على شأنها كانت المولودة الانثى تسمى باسمها، اما ان كان المولود ذكرا فيترك للداية اختيار اسم له.
وتشهد ام تحسين وغيرها من المسنات اللائي عاصرن مهنة الداية بمهارات الدايات وبان الله كان يجري على ايديهن الخير سواء في حدوث الحمل او سلامة الوالدة والمولود مستدلات من ان الاجيال السابقة اسلم صحة وعافية من "اجيال هذه الايام" التي شاع فيها كما يقلن الطب الحديث بعلاجاته التي تعتبرها ام تحسين والمسنات ذات تأثيرات جانبية كثيرة على صحة الوالدة والمولود ترافقهما حتى في الكبر.
اما كيف كانت الداية تعرف بحمل المرأة فقالت ام تحسين: كانت تتحسس موضع الرحم فتعرف ان كان الرحم معافيا ام غير ذلك، فان كان الرحم مائلا ما يمنع الحمل فقد كانت الداية تعتمد التدليك لتعيد الرحم الى وضعه الطبيعي ما يساعد في حدوث الحمل، ام العلاجات التي كانت معتمدة لدى الدايات فهي من الاعشاب البرية اغلبها من عشبتي الشيح والقيصوم.
المولود الذكر يستدعي "الطهور" كما هو معروف وحيث لم يكن طب الجراحة شائعا في عقود خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما قبلهما فان اشخاصا من عامة الناس كانون ينبرون لمزاولة مهنة المطهر مقابل اجر مالي او عيني، ومن المطهرين من كان يحصل على اذن قانوني بممارسة المهنة فيسمي نفسه "مطهر قانوني" ومنهم من كان يزاول المهنة خاصة في المناطق البعيدة والمنعزلة بدون اذن رسمي مكتفيا بما لديه من خبرة تراكمت على مدى سنوات من مزاولة المهنة.
بعض المطهرين في ذلك الزمان الكركي الجميل كان الناس يأتونهم والذهاب بهم على ظهور الدواب في ضوء ندرة وجود السيارات الى مكان وجود الطفل او مجموعة الاطفال المراد تطهيرهم في بلدات وقرى المحافظة واريافها، اما بعض اخر من المطهرين فكان يحمل حقيبته وبداخلها ادوات العمل، موس حاد ولفائف من قطن وشاش وبعضا من صبغة اليود ويتنقل بين البلدات والقرى والارياف بحثا عن زبون.
اما كيف كانت تتم عملية الطهور فقد كان يتم اجلاس الطفل في حضن والده وقد لبس الطفل ثوبا فضفاضا فيما يمسك الوالد بطفله باحكام خوفا من حركة مفاجئة للطفل قد تأتي بنتيجة خطرة، ثم يطلب المطهر الى الطفل فتح فخذيه، وحيث لم تكن حينها امكانية لتخدير موضوع الالم الناتج عن عملية الطهور فكان المطهر يعتمد مبدأ مفاجأة الطفل والهائه بعبارة "شوف الحمامة" حيث يشير المطهر بيده الى اعلى فيشتت انتباه الطفل ليقوم بسرعة فائقة باتمام عملية الطهور، ونظرا لحدة الموس المستخدم وسرعة انجاز العمل من قبل المطهر فان الطفل لايشعر بالم شديد، وبعد ان يقوم المطهر بتضميد الجرح يغادرالمكان بعد تقاضي اجره لكن عليه ان يتابع حالة الطفل لحين ان يكتم جرحه.