هبة نيسان أم مأساته؟ .. * د.عمر عطا الهلسة
24-04-2014 02:26 AM
في آواخر الثمانينات وفي استقبال العقد الجديد كانت هبة نيسان ١٩٨٩ من الجنوب، على أرض الواقع لم يلمس المواطن في محافظات الجنوب إلى الآن أي تحسن في المستوى المعيشي لا بل على العكس. كانت محاولات إنقاذ الدينار الأردني من النزول وصلت حدها واتخذ البنك المركزي قبل نيسان بأشهر أخطر قرار في تاريخه "تعويم سعر صرف الدينار"، الحكومة أيضاً أرادت الاستعانة بجيوب المواطنين في ظل انقطاع التحويلات الخارجية آنذاك وشح العملات الأجنبية في أعقاب حرب الخليج الأولى، كان رفع الأسعار على المشتقات النفطية لا يتجاوز العشرة بالمئة وبمنطق تلك الحقبة كان لابد من الثورة.
هب الجنوب وضربت الدولة بيد من حديد وسقط جرحى وقتلى وكانت مأساة. تراجعت الحكومة عن قرارها وكسب الشعب جولة واحدة خسر بسببها عشرات الجولات فيما بعد، اليوم يشتري المواطن أسطوانة الغاز بعشرة دنانير وفي نيسان كانت الزيادة عشرين قرشا وكان سيشتريها بدينارين. ربما لو أننا ما هببنا وقتها في وجه الدولة لبقية لليوم بدينارين، من يعلم؟
يدعي محركوا الهبة أو مدبروها -إن جاز التعبير- أن سلسلة الإصلاحات السياسية التي تبعت نيسان كانت ثمارا لها من انتخابات برلمانية وقانون أحزاب معدل ورفع لقانون الطوارئ ولربما كان ذلك، لكن المتصفح للشؤن الداخلية الأردنية لا يخفى عليه أبدا وجود التخطيط المسبق لقرارات الدولة المصيرية فعلى سبيل المثال كان هناك اجتماعات سرية سبقت توقيع معاهدة السلام بسنوات ولذا من المستحيل الإيمان بأن هبة شعب بيوم واحد على رفع الأسعار أدت لكل هذه الإصلاحات السياسية في اليوم التالي وهو استخفاف بآلية صنع القرار في الدولة وبقياداتها.
لا شك بأن ما حصل كان ثورة ومن قام بها شرفاء ومن سالت دمائهم شهداء ولكن ككل ثورة عادة من يجني ثمارها الجبناء. اليوم وبعد مرور ربع قرن على هبة نيسان أو مأساته نرى من يريد هبة جديدة دونما النظر الى نتائج الهبة القديمة، ربما لو ما هببنا وقتها لما تهمشت محافظات الجنوب لربع قرن من الزمان وربما أنقذنا الدينار من الانهيار وربما كان تضخم اقتصادنا أقل والأهم أننا ربما كنا نشتري أسطوانة الغاز بدينارين.