من اصغر احياء عمان السكنية...واكثرها وضوحا في حدودها الجغرافية وتجانسها السكاني....
اسهمت التضاريس الطبيعية ومحاذاتها للقصور او "المقر" كما كان يسمى في عزل الجبل النسبي عن كل ما يجاوره ليظهر وكانه محمية في وسط العاصمة لها ثلاثة مداخل معروفة.

فالجبل يمتد لينحصر بين نهايات شارع الاستقلال الذي يستدير حوله من الجهتين الشماليه والشرقية....ومعسكر الحرس الملكي واسوار القصور من الجهتين الغربية والجنوبية.
في الهاشمي الجنوبي تتمثل البلدات والمحافظات الاردنية بجماعات متجانسة تربطها علاقة قرابة ومصاهرة...عشرات العائلات الكركية والطفيلية والشوبكية سكنت اعالي الجبل في حين اتخذت بعض العائلات الكردية وابناء بلدات الشمال وفلسطين الجزء الشمالي والشرقي من الجبل....
في نهاية السيتينيات واوائل السبعينيات..كانت العديد من اسر الضباط والجنود القادمين من الكرك والطفيلة والشوبك ووادي موسى والمقيمين بجانب رغدان وبسمان يحرصون على ادامة النمط الريفي لحياتهم فيربون اعدادا محدودة من الماعز الشامي في يواخير بيوتاتهم التي اقيمت على الطريقة الريفية..وكان ابنائهم يعتنون بها ويستثمرون عﻻقاتهم الطيبة مع الجنود ليسمحوا لاغنامهم بالرعي في المساحات الشاسعة الغنية بالاعشاب والشجيرات....

في جبل الهاشمي الجنوبي نجح الجيران في نهاية الستينيات في اقامة اول جمعية تعاونية استهلاكية عندما تداعت عشرة عائلات الى المساهمة في ايجاد مركز تجاري متواضع يرفدونه بكل المستلزمات ويكون المصدر الحصري لحاجاتهم التموينية وتسويق منتجات بعض اسرهم....لقد كان المركز ريادي بحق لولا انه تفسخ فيما بعد ليصبح غالبية المؤسسين له تجارا كل لحسابه.....

في سفح الجبل من الناحية الشرقية كان مخيم اللاجئين والذي ظل يعج بالحياة والنشاط الى ان ادخله المرحوم عصام العجلوني في برنامج التطوير الحضري وجرى اقتلاعه من موقعه بعد نقل ساكنيه الى مشروعات اسكان العاصمة الجديدة التي تبناها العجلوني للمرة الاولى ابان ولايته كأمين.

مواصلات الجبل كانت منتظمة يقوم على تنفيذها باص افطس اخضر اللون يقوده السائق قصير القامة مكتنز الوسط ابو جمعة...والذي كان لا يختلف عن ابو الهول بالنسبة للهاشميون الجنوبيون....وعلى صعيد السيارات الصغيرة كانت سيارة السرفيس البنفسجية التي يقودها ابو جهاد الليثي..تدخل الجبل وتطوف فيه بمعدل مرتين في الساعة الواحدة....بعضنا لا يمانع ان يكون راكبا زائدا فالكل يعرف الجميع.

في الشتاء كانت مياه الامطار القادمة من اعالى الجبل باتجاه المخيم لا تختلف في لونها وقوامها عن مياه الانهار الحاملة لطين سفوح الجبال الخصبة...فقد كانت اراضي الجبل زراعية وعدد البيوت لم يزل محدودا.

من بين سكان الجبل وزواره كان العديد من رجالات الجيش والشرطة الذين عرفوا لاعمالهم الفذة وخدماتهم الجليل وسيرهم الحسنة...حابس علي ذياب... كان نجما يزهو بقباته الحمر يوم كان التسجيل في الجيش حلما كذلك مسيب سلمان القائد الذي احبه الجنود... وابو هاني الشوبكي الذي ما نسي يوما جنديته واخلاقها ... وابو عابدين المحاسنة ....وابو فايز السعودي وابو محمد الخريسات
.. وغالب باشا الضمور.... وغيرهم وغيرهم....من الرجال الذين لم تنقصهم الشجاعة وحرصوا على اداء عملهم في احلك الظروف واصعبها

وفيما يتجاوز حدود الواجب اذكر من الرجال اخي الاكبر ابو سامي..الذي قرر ان يتطوع في احد الايام للعمل الى جانب الجيس مع انه في سلك الشرطة فتحول في بضع دقائق من شرطي الى جندي بعد ان ارتدى خوذته الحديدية وقنابل يدوية وجميعها من حواضر بيته...اي صرفها لنفسه وهيأ نفسه لواجب اختاره هو .....الى جوار اخي كان رفيق عمره الشاب الذي كان وكيل قوة القيادة وضابط ادارتها لاحقا ابراهيم صالح المحاسنة....كان يفيض شبابا وطاقة وزهوا...
هؤلاء الرجال كانوا مدارس رجولة...ومعاهد شهامة وحبا....بعضهم رحل وبعضهم على اعتاب التسعينات والثمانينات....هم وغيرهم..بنوا المجد الذي نحاول بصعوبة ان نحافظ على ما تبفى منه.....لا زلت اعود الجبل كلما اسعفني الوقت لالقي التحية على المحاربين الذين رفضوا ان يستريحوا حتى وان اعياهم الكبر وتراكم السنين.....وفي كل مرة اشعر وكانني داخل لواحدة من بلدات الجنوب فالناس على اطراف الجبل مثل اهلنا في الشوبك والثنية والطفيلة وكل المنازل في ريفنا الجميل يفيضون حبا وكرما وشوقا الى ان تتجاوز باادنا كل ازماتها بسلام.

فتحية لارواح الذين رحلوا ...وسلام ومحبة للاحياء....وما اجمل الهاشمي الجنوبي واهله الطيبين.