facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الانسنة في رواية "إبن الانسان" للدكتور جورج الفار


19-09-2014 01:19 AM

عمون - يعرف بعض الفلاسفة الرواية بأنها فلسفة مغلفة بالشوكلاته، لأنها قادرة على التعبير عن الفكر الذي يُحمّله كاتبها لبطل او لأبطال روايته. اما كونها مغلفة بالشوكولاته، فيعود للمتعة التي يتذوقها القارئ عندما يدخل البناء الفني للرواية ويكشف الحبكة القصصية ويتابع الدراما المتصاعدة داخلها. فالأدب الانساني العميق لم يكن أبداً بعيداً عن الفلسفة، بل أثر وتأثر بها، بالأحرى ساهم في إنتشارها وإنتشالها من تجريداتها وجفافها، وبالوقت نفسه إستفاد منها. فالأدب دون فكر وفلسفة هو مجرد إنشاء، وشكل دون محتوى. فاذا كانت الفلسفة هي علم الوجود، فالرواية هي توصيف لهذا الوجود وتوثيق للوجود الإنساني ولمعاناته. ولذا عندما وجدت أن الفلسفة لم تستطع توصيف حالة انسانية فريدة التجأت الى كتابة الرواية لعلها تعبر عن تلك الحالة.

لذا جاءت رواية "إبن الانسان" بخلفية فلسفية ونفسية، ولترصد التجربة الحياتية والمعاناة الانسانية لبطلين يشغلان القسم الاكبر منها، إسراء الطالبة والباحثة في الشخصية التاريخة لـ "الأب جبران"، وجبران نفسه الذي تكشف الوثائق والمقابلات والأبحاث التي تجريها إسراء سره الإنساني وقراره الذي حول حياته من حياة كهنوتية إلى حياة مدنية. الا ان الرواية لا تتوقف هنا، فإسراء الباحثة تكتشف ذاتها من خلال بحثها عن الاخر المختلف عنها، جنساً وديناً ورؤية. فهي تقول في احدى صفحات الرواية: "ربما اكون امتداده اووجهه الأنثوي". لا يغيب الصوت الانثوي عن الرواية بمجملها، ففضلا على دور احدى الشخصيات الرئيسية المتمثل في دور الباحثة اسراء، هناك عددال لا بأس به من النساء اللواتي كان اسهامهن ايجابي في مسيرة جبران الحياتية، وقد بادلهن هو الحب والاحترام، فهناك تشابه واضح ما بين هم المرأة في المجتمع العربيس التي تنحصر حريتها كلما زادت جرعة التدين والتمسك بالعادات والتقاليد، وبين رجل الدين الذي تحاول السلطات الدينية ان تخضعه وتحد من حريتهوتقمع طبيعته الانسانية في سبيل محافظته على تقاليدها وانظمتها.
فالصراع الذي صارعه الاب جبران يشبه الى حد بعيد الصراع الذي خاضته اسراء لتحرير انوثتها وانسانيتها من ظلم المجتمع والتقاليد. وتنتهي الرواية وقد تعلمت اسراء تحقيق الانسجام مع ذاتها الانسانية بعد ان كسرت القيود التي كبلتها كما فعل الاب جبران في مكان وزمان مختلفين.

لعل السؤال المطروح، لماذا تكتب وتنشر مثل هذه الرواية التي تعنى بالفرد الإنسان "الآن وهنا"، وبلادنا والمنطقة كلها غارقة في حروبها وفوضاها وشجونها واحزانها؟
السؤال مشروع بحد ذاته والاجابة عنه تتطلب بعد نظر وفتح افاق وابتعاد عن الواقعية السطحية المبتذلة للحفر في طبقة اعمق للوصول الى واقعية الحياة والعالم والانسان.
فهناك صراع في الرواية يجري ما بين الطبيعة والثقافة، ما بين الظاهر والباطن، ما بين الحقيقي والمزيف، وعندها نكتشف هذه الاسباب العميقة، حينئذ يمكننا ان نفهم لماذا تهتم هذه الرواية بأنسنة الانسان، ولماذا تكتب رواية جديدة عن فلسفة الحياة وترصد معاناة الوجود. اما لماذا اختيرت شخصيتين روائيتين مثل اسراء "الانثى العربية المكابدة" والأب جبران "الكاهن المتمرد" لتكونا محوري لعمل أدبي ولبناء روائي. فالعمل ذاته يجيب عن هذا السؤال لانه ليس معزولا عن سياقه الفكري أو الاجتماعي بل هو ضمن سلسلة اعمال وحلقة في المشروع الفكري للدكتور جورج الفار الذي يحاول فيه "أنسنة" الانسان والعقل العربي، ويقف هذا المشروع مقابل مشروع ظلامي يحاول "وحشنة" او" بربرة" الإنسان العربي واغلاق افاق العقل العربي.
ولعل الرواية في عنوانها تحمل معناها، فإبن الانسان، انسان لا اله ولا ملاك ولا وحش ولا حيوان، وفي الصراع الذي يدور ما بين طبيعته الانسانية ومثالياته، وبين توجهه الطبقي نحو الناس البسطاء وبين انتمائه الى طبقة الاكليروس تنتصر انسانيته وتشع بحيث تهتدي بهذه التجربة شخصية اخرى من شخصيات الرواية هي اسراء الطالبة والباحثة.
والرؤية التي تطرحها الرواية بعمق: كيف يمكن ان ندعو الى تحرير امة وقومية دون ان تحرير عقولنا وذواتنا من كل القيود التي فرضت وتفرض علينا؟ لذا جاءت الرواية لتروي قصة فردين "الاب جبران" و "اسراء" استطاعا تحرير ذاتيهما، ليعطيَ مثالا واضحا لأمة تسعى الى تحرير ذاتها وعقلها من كل القوى التي تكبلها.

شخصيات الرواية عديدة متخيلة في مجملها، الا ان شحنة الصدق والموضوعية اكسبها واقعية وحياة، بحيث ان القارىء يتخيل انه من الممكن ان يلتقي بهذه الشخصيات في الشارع او في الحي او في المدينة التي يقطنها، مع أنه لا يوجد تحديداً للمكان في الرواية، فأحداثها تدور في أي بقعة من بقاع بلاد الشام او العراق.

والاشكالية الافتراضية التي تطرح نفسها في مثل هذا المقام، ما مدى استفادة الراوي "الكاتب" من خبراته الحياتية السابقة والحاضرة في صياغته للرواية؟ اقول ردا على هذا السؤال الافتراضي: أن الرواية هي عالم افتراضي متخيل، يستمد عناصر بناؤه ومواد هذا البناء من الواقع الحياتي المعاش، يستعملها الكاتب كلها في بنائه الفني. والتحدي الاكبر في كل عمل جديد: هل يمكن صياغة كل ذلك في ابداع واحتراف؟ هذا ما سيجيب عليه القارىء بعد قراءته للرواية، اما انا فقد اجتهدت.
جاءت الرواية "ابن الانسان" وكأنها محاولة من كاتبها ليضع وردة جميلة على وجه العالم البشع، وليضيف ابداعا الى رفوف المكتبة العربية، فربما قرأه قارئ ما وتصالح مع ذاته وتخلص من اغتلرابه كما فعلت اسراء التي لم تنجح في كتابة رسالة ماجستير موضوعية، انما نجحت في رسم حياة جديدة لنفسها.

* نجلاء صوان





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :