facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رصاصات تشرين بين وصفي التل وتيسير السبول * سهم الحرايزة

28-11-2014 09:57 PM

عمون - ينسدل تشرين حين يضيئ الدم دجى الليل ، ينهض طيفهم خلف الجدران وهم الذين قتلتهم الحرية ، درباً قد تُهنا عنه ، ينيروا الدرب ، ويعودا لغفوتهم التي اختاروها ، وصفي التل و تيسير السبول وذكراهم في تشرين ثاني / نوفمبر.

أي احساس يا ترى هذا الذي دفع وصفي التل لأن يسير نحو الجسر العربي المهدم في تشرين ثاني/نوفمبر 1971 ؟ أهو نفس الإحساس الذي دفع تيسير لأن يتبعه بعد عامين 1973 بذات الشهر؟

لاح تشرين وإندفن ، مات وصفي وضمه الكفن ، قد غبت عنا والهموم تكاثرت والحزن ضيف قد أقام بدارنا ، عن وصفي السيرة التي لا تتحورعبر السنين نفتح للبوح باباً بحجم الوطن ، إن المتأمل في شخصية الشهيد وصفي التل يلاحظ نشأته في عائلة سياسية بإمتياز حيث كان والده عرار شاعر الأردنيين الكبير ثورياً جدا وطنياً مجبولاً بالقومية معارضاً للإستعمار الانجليزي رافضاً التغلغل اليهودي في فلسطين قبل أن تصبح دولة ، تنقله كلمات القصائد ما بين السجون والمناصب حقوقية كانت أم اداريه ، بالإضافة لجينات وصفي التي يحملها عن والده ساهمت ثنائية العرق هي الأخرى في نشأته ، فقد أبصر وصفي النور في كردستان العراق ، ترعرع في كنف أمه وأخواله الأكراد وحينما بلغ السادسة عاد الى اربد ، ليرافق عرار في حله وترحاله ما بين اربد والسلط والكرك والشوبك.

في كنف عرار نشأ وصفي وفي ظل ثقافة وطنية ناضجة تربى ، تخرج من ثانوية السلط عام (1938) ليلتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ويتخصص بالعلوم الطبيعية (الكيمياء والفيزياء) ، بعد التخرج عاد الى عمان ليبدأ حياته معلماً ما بين مدرسة السلط ومدرسة الكرك ، في العام 1942 عين وصفي متصرفاً للسلط ، ثم انضم بعد ذلك للجيش البريطاني ليسرح من الخدمة بسبب ميوله القوميه ، التحق بعدها بجيش الإنقاذ قائداً لفوج اليرموك الرابع ، حارب وصفي في فلسطين 1948 ، استقر بعد ذلك في القدس ليعمل في المركز العربي قبل ان يلتحق بدائرة الاحصاءات فالمطبوعات للسلك الخارجي ثم رئسيا للتوجيه الوطني وسفيرا في بغداد قبل أن يشكل حكوماته الثلاث (1962 , 1965 , 1970).

أسس وصفي لمرحلة وطنية جديدة فشيد المؤسسات وبنى الدولة ابتدءاً بالبنى التحتية كالطريق الصحراوي فالإذاعة والتلفزيون وصحيفة الرأي ، أرسى قواعد العلم حين أسس الجامعة الأردنية درة جامعاتنا في العام 1962 ، آمن وصفي بفكرة الدولة والعمل العربي المشترك فأطلق الشارة الحقيقة لذلك وقام بمسؤولياته في سبيلها ، كان وصفي مسكوننا بوطنه محباً لأبناءه.

كتب وصفي في النضال والذاكره السياسية والحرب والعرف وسبل النهوض القومي ، ومن ما كتبه التل (أكتب لك من فلسطين) "أخي... اتدري لماذا انا مستكبر مستعل احدثك حديث متسلط امر اتدري لماذا اضع نفسي في مرتبة اعلى منك اتدري لماذا اعطي لنفسي الحق الادبي بتوبيخك والحكم عليك اتدري لماذا لاني اكتب اليك من فلسطين" .

مضى وصفي وهو يعرف مصيره الذي تنبأ به ذات يوم وقال "المعركة ضد التهريج والتزوير والخطأ معركة مستمرة وبالنسبة للأردن بالذات وبجوز أنا أكون ضحية" رصاصة إحتجاج استقرت في قلبه في مثل هذا الشهر أعلنت عن اغتياله ليتوقف عندها المشروع الوطني الأردني ، شكراً لرجل ضحى لأجلنا ولم يرانا.


في مشهد آخر مضى تيسير السبول ضائعاً ممزقاً ، ينفض عن روحة غٌبار هزيمة 1973 وقلبة يتمتم :
" أنا كتلةُ الألم المضرج بالعذاب ، أشقُّ أستار الليالي عن زهور العمر داستها السّنونْ سلّمتُ زنبقة الفؤاد إلى رياح ٍ لا تلين وطحنتُ روحي في رحى الأيام ِ ، أنثرها على درب الحياة هديةً للسائرين" وانتحر عربي في مثل هذا الشهر.

إن من يقرأ الراحل تيسير السبول يدرك تماماً أنه وخلال 34 ربيعاً عاشها فقط ، شكل حالة فريدة وثورة على المألوف في الأدب والفكر والمسرح والنقد والدراسات السياسية ونمى رؤيته الفلسفية ونحت منحاه بأدبيات الفلسفة الوجودية فقد قرأ السبول سارتر وهيدجر وويلسون وسيمون دي بوفوار ونيتشة وألبير كامو ، وقد تميزت كتاباته بأسلوب التجريب بمفهوم حداثي تأثر بشعراء عالميين أمثال لوركا ومايكوفسكي وسان جون بيرس وإليوت واختار من الصوفيه ما كتبه إبن عربي والحلاج والنفري والسهروردي ، لم يقف تيسير عند حقول الشعر والرواية بل تجاوزها لحدود القراءات النقدية ، ويكاد يكون أول روائي اردني يستخدم التقنية الفنية الحديثة بالخروج عن السرد التقليدي في النصوص.

تناول تيسير كافة الأحداث السياسية الأردنية والعربية فيقول في (حل حكومة سليمان النابلسي عام 1957) "ذات فجر قال مذيع غاضب إن ممثلي الشعب في البرلمان خونة وانتهازيون بل وعملاء للإستعمار ايضاً ، وأنهم أخذوا ووضعوا في السجون ،أما المقاليد ففي أيد امنية ، منذ خرج الجيش ليمارس مهماته الطليعية ، وفرح الشعب كثيراً"

كان تيسير مسكونناً بالقومية ومصبوغاً بالثورة والرغبة في الخروج عن مقاييس عصره ، تنم كتاباته عن أديب عاصر هموم أمته وكابد أحزانها لحظة بلحظة فقد عاش سنوات الحلم بتأسيس نهضة عربية ، انعكس ذلك في شخصية "عربي" في الرواية الأشهر "أنت منذ اليوم" والتي جسدت رؤيته للواقع العربي وكانت المرآة الحقيقية للإنسان والمعادل الموضوعي لعذاب الفرد في المجتمع العربي.

إن هزيمة الخامس من حزيران جعلت تيسير غاضباً يدور حول نفسه لا يعرف وجهتاً او طريق للخلاص من حجم المأساة وهول الهزيمة التي طرقت أبواب العرب ، في تلك الليلة يقول تيسير مستنكراً هدير المذياع وكذب المذيعون وهم يبثون الحماس ويطمئنون الانسان العربي بحتمية النصر والفرح القادم "هناك مذياع في كل مكان لم أفهم لماذا يجب أن يتكلم مذيعونا بعد ، خيل إلي أن المسألة كلها سؤال واحد : شعب نحن ام حشيشة قش يتدرب عليها هواة الملاكمة منذ هولاكو حتى هذا الجنرال الأخير ، ما الذي يسمونه؟ جيش الدفاع ، حتى في هذا يطأوننا ويا لها من سخرية . غثاثة وكذب كل ما يقال غثاثة وكذب لا أريد أن اسمعها ولا أريد ان أراها".

برؤية ثاقبة استشرق تيسير آفاق المستقبل وتنبأ بعجز الأنظمة العربية وهيئاتها وخططها فتعملق بداخله الصراع بين حياته والموت وقلقه المشحون بالتوتر من نزيف الأمة وانهياراتها المتتالية ، أدت به في النهاية إلى أن قرر وضع حد لحياته لانه رأى أنه لا جدوى من الحياة في ظل واقع آسن ، كتب مشهده الاخير "ترك الفلّاحون قراهم. ربّات البيوت خَرجن بملابس النوم. الرجال والأطفال بعضهم دون أحذية... خرجوا جميعاً... كانت الأنوار مطفأة، وجعلوا يتكاثرون. وكانوا يصيحون أكثر، فانخرطوا يبكون"
تركنا تيسير وأختار نهايته يوم 15 تشرين ثاني من العام 1973 مطلقاً رصاصة الاحتجاج على رأسه.

ليس سهلاً أن تكتب عن أديب بحجم السبول الذي عرب الحالة الثقافية الأردنية أو رئيس بحجم دولة الشهيد وصفي التل أحد أهم رموزنا الوطنية وإن اتفقوا أو اختلفوا بأفكارهم السياسية وتعاطيهم مع الأحداث ، يبقى القاسم المشترك بينهما فقط "رصاصات الدم" تشرين التي كتبت النهاية .

ولكن يا ترى لو أخطأت تلك الرصاصات طريقها إليكم هل ستسعدون بأداء جيل رضع اليأس وتجرع خيبات الهزيمة ؟ لو بقيتم على قيد الحياة كيف لكم أن تجمعوا فصول العرب في رواية؟ وسيبقى رنين الطلقة التي سرقت أرواحكم شاهدا على فوضى اليوم.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :