يمتلك الحبيب مصطفى حمارنة عيناً متفحصة كصيادي الصقور، ولذلك فإنه كان يعرف أن شريكة عمره التي اختارها عن بعد آلاف أميال سيتحول الأردن بالنسبة لها إلى قصة حب وعطاء.
فكانت جيني حمارنة بمثابة الأخت الحانية علينا جميعا من أصدقاء مصطفى الحمارنة، ولم نشعر يوماً أنها، غريبة عنا فجعلت من دارته صالوناً سياسياً لكل الأصدقاء والمحبين بكرمها ونباهتها، مثل راهبة حنونة ومؤمنة بما تفعله.
(جيني) -هكذا نحب أن نسميها- كرست حياتها مناضلة من أجل الإصلاح والديمقراطية، وأفنت الكثير من أيامها حتى أنهكت الجسد وهي تتفانى في هذه المهمة، ويشهد القاصي والداني أنها خرجت جيلاً ريادياً من الصحفيين أثناء عملها في صحيفة الجوردن تايمز، التي برزت كمدرسة صحفية مرموقة من حيث الشكل والمضمون والرسالة لم تنافق، ولم ترغب يوماً في شهرة زائفة، أو سلطة زائلة، بابتسامة عذبة، وبمبدئية كحد السيف عاشت، ورحلت (جيني) لتبقى ذكراها العطرة عالقة في القلوب الندية رحلت بجسدها لتبقى بإردتها لاخر دقيقة من حياتها عندما وجد السرطان في غفلة من الزمن فرصته ليخوض معركة داخلها، ولأن هذا (الخبيث) وغد حقيقي يأكل الجميل ويتخير الأفضل فإننا وقفنا حولها بكل الحزن والأسى نبكي رجولتنا التي لم تكن بمستوى الفزعة لها.
ومع أننا كنا نتوقع ذلك الرحيل المؤلم إلا إن الصدمة صفعتنا جميعاً وليس بوسعنا إلا أن نقول فلتصعدي بين الملائكة أيتها الملاك.
لا يعرف الحب إلا من يكابده ولا يعرف الألم إلا من اكتوى بناره.. وأنا الآن أعرف أكثر من أي وقت مضى كم كنت تتحاملين على نفسك وآلمك وجرحك وترسمين لنا الابتسامة وتنثرين المحبة والعطاء على كل من حولك.. الآن عرفت وقد مررت بهذا الامتحان اللعين أي إرادة وقوة، وجبروت يتطلبه الانحياز للحياة ومقارعة المرض، لقد تعلمت منك بأن الحياة التي تتمحور حول الموت لا معنى لها، وأن أجمل ما في الحياة هي الحياة نفسها، وهذه الوصفة السحرية التي تعلمناها منك وتعلمنا بان نمنح للأشياء قيمتها لا لما تمثله بل لما تعنيه و«أن ننام قليلاً ونحلم كثيراً، مدركين أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور»، فكيف لمثلك أن يتم نسيانها وقد أهديتينا أجمل الذكريات ورسمت لنا أعذب الدروب فالحياة تمنحنا دائما الفرصة لفعل أفضل.. هكذا كنت دائما تقولين.
فسلام عليكي يا (جيني) حية ابداً وغائبة عنا جسدا، وسلام على روحك الطاهرة التي لم تألف المفاجأت، حتى بموتك مهدتي لنا بغيابك الطويل، بغيبتك المؤقتة فترة المرض كي تسهلي علينا فكرة قبول رحيلك، سنظل نذكرك، يرحمك الله وإننا على يقين أن روحك الطاهرة ترفرف حولنا كل لحظة، تفرد أجنحة المحبة، نفتقدك في كل لحظة نحس فيها أننا بحاجة إلى حنان الأخت وصدقها ووفائها.
فلتصعدي يا (سيدة الشموع) إلى حيث الضياء والسماء والنور، وللصديق مصطفى خالص المواساة، وكل الرحمة على روحك أيتها الفقيدة الغالية.

الراي