مرة أخرى .. الحل هو الحل .. بقلم : فؤاد أبو حجلة
27-11-2015 07:47 PM
تحت هذا العنوان كتبت قبل حوالي عشر سنين داعيا إلى حل السلطة الفلسطينية التي كانت واحدة في الضفة وغزة. كنت وقتها محبطا من نتائج الانتخابات التي أصر الرئيس أبو مازن على إجرائها ليقنع شركاءه في السلام في الإقليم وفي العالم بقدرة الفلسطينيين على تقديم نموذج ديمقراطي متقدم في منطقة خالية من الممارسة الديمقراطية.. والانتخابات النزيهة، وتراءى لنا في تلك اللحظة الصعبة أن فخامة الرئيس يخلط بين فلسطين والسويد.
أصر أبو مازن على إجراء الانتخابات رغم معارضة النخب الوطنية لتوقيتها، والإشارات الخطيرة التي حملتها أوراق تقدير الموقف المرفوعة للرئاسة وإلى قيادة فتح، والتي كانت تؤكد قدرة حركة حماس على اكتساح مقاعد المجلس التشريعي، ليس من باب القناعة الشعبية بأدائها وبما تمثله، ولكن بسبب حالة الاحباط التي رسختها في الشارع الفلسطيني سياسات الفريق الأوسلوي الحاكم، والفساد الذي كان قائما بتحالف الأمن والبزنس.
لم يكن الشارع الفلسطيني يريد مكافأة حماس بقدر ما كان يريد معاقبة فتح التي تحولت من حزب حاكم إلى حزب للحكم. وكان ما كان من فوز ساحق للاسلام السياسي ممثلا بحماس، ومن ثم صراع دموي بين الاسلاميين والوطنيين أدى إلى فصل القطاع عن الضفة وترسيخ الانقسام السياسي والمجتمعي في ما تبقى من فلسطين بدعم ورعاية مباشرة من قوى وأطراف دولية وإقليمية مستفيدة من هذا الانقسام، وتميز الفلسطينيون، في السنوات العشر الماضية، عن غيرهم من شعوب المنطقة بعيشهم "الرغيد" في ظل حكومتين ورئيسين في دولة غير قائمة، بينما كانت دول أخرى متحققة كالعراق ولبنان وليبيا واليمن الآن تعيش بلا حكومات ولا رؤساء!
كان الوضع مريحا تماما لسلطتي الحكم في رام الله وغزة، وكان مريحا أيضا للفصائل المستفيدة من المحاصصة التنظيمية في أطر منظمة التحرير ومؤسسات الإدارة تحت الاحتلال أو ضمن نطاق حصاره، سواء فصائل اليسار التقليدي المستظلة بغطاء "سلطة أوسلو" في رام الله أو فصائل اليمين المحظية بالتحالف مع "سلطة المرشد" في غزة.
لكن حساب السرايا لم يتوافق مع حساب القرايا في الرهان على إدامة هذا الخراب التاريخي، والرهان على قبول الفلسطينيين استمرار الانقلاب على مشروعهم الوطني، بالسلاح في غزة وبالحسم الأمني في الضفة، وعلى استكانتهم للأمر الواقع الاحتلالي الذي يستمد مشروعية وهمية من المفاوضات العبثية التي احترفتها سلطة أوسلو وحولتها إلى أسلوب حياة، وانجذبت إليها سلطة المرشد وإن كانت تفضل تسميتها "دردشات" مع اسرائيل.
انتفض الفلسطينيون مرة أخرى بتلقائية مدهشة، وبلا قرار سلطوي أو فصائلي، وجاءت انتفاضتهم هذه المرة مخالفة لأوراق تقدير الموقف والتقارير الأمنية التي رفعت إلى الرئاسة وإلى قيادات الفصائل قبل أيام قليلة من أول عملية طعن، وبعد وفت فصير نسبيا من جريمة إحراق المستوطنين لعائلة الدوابشة في نابلس، وبدا وكأن تلك الجريمة البشعة والمستفزة حددت ساعة الصفر لإطلاق ثورة السكاكين بعد ثلاثة أيام فقط من قيام أجهزة أمن السلطة بسحب السلاح الشخصي من أهل نابلس.
لكن الأمر ليس على هذا النحو من التلقائية ورد الفعل الانفعالي، لأن انتشار واستمرار العمليات الفردية في مواجهة الاحتلال يثبت الآن أن إطلاق، أو انطلاق الموجة الثالثة من الانتفاضة الشعبية، كان تتويجا للشعور باليأس والإحباط المتراكم في الشارع الفلسطيني، وعدم الثقة في مشروعي السلطتين الحاكمتين في الضفة وغزة، وفقدان الأمل في استنهاض الفصائل لأداء الدور النضالي الذي تجسده شعاراتها المرفوعة في المهرجانات الخطابية.
قرر الشارع الفلسطيني أخذ زمام المبادرة في التصدي للاحتلال ومقاومته بوسائله الخاصة، وبأدواته التي تثبت نجاعتها في الإنجاز مقارنة بأدوات السلطتين العاجزتين عن فتح ثغرة في جدار التسوية أو حتى تخفيف الحصار الأمني والسياسي والاقتصادي للفلسطينيين.
ونجح الشارع، ولا يزال يحقق النجاح في تخليق واقع أمني جديد على الأرض، وفي خلخلة الواقع السياسي والدفع باتجاه تغيير المعادلات القائمة على أساس الركود والاستكانة للأمر الواقع.
وإذ تحمل الانتفاضة الفلسطينية الجديدة الكثير من الرسائل الموجهة إلى الداخل والخارج فإن أهم هذه الرسائل يتمثل في قناعة فلسطينيي الضفة والقطاع، وقطاعات كبيرة من فلسطينيي الخط الأخضر والشتات بعدم جدوى السلطتين القائمتين على التنسيق الأمني مع الاحتلال في الضفة والتواطؤ الأمني مع الاحتلال في غزة.. وهي رسالة جادة تدعو ضمنيا إلى حل السلطتين اللتين تم استنفاذ كل إمكاناتهما في خدمة المشروع التسسووي الفاشل بقيادة وطنية وهمية ومعارضة إسلامية وهمية.
لم يعد هناك متسع للوهم، ويبدو أن بداية الحل هي بحل السلطتين.