facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




آل عمان .. سيرة المدينة بين البين .. د.نزار قبيلات


09-05-2016 05:34 PM

حزينٌ أنا لكل ما يجري لعمان من تسويغ وتشميع وامتطاء، عمّان العاصمة السياسية للمملكة الأردنية الهاشمية تستحيل هذه الايام عناوينَ ترسّخ على نحو ما وتبعا لشأو مُستخدميّ اسمها ودون أدنى تمهل تستحيل عناوين جاهزة للتشظي والفرعية، فـ"عمان في الأربعينيات" للمتمهل عبدالرحمن منيف سوى تلكم التي استعجل رسمها الأستاذ احمد سلامة في كتابه آل عمّان، ولأن المقارنة غير ممكنة نكتفي بأن نذكر بأن عمان لمنيف مثّلت بامتياز المكان الأليف، المُرحِّب والمرحَّب به، حيث عمّان التي لم تتبدل أو تبدّل رغم شدة الانفجارات المجاورة في العواصم والحواضر العربية مرّ الزمان واتئاد الإنسان، فلم تضِق عمّان على اللبنانين ولا على العراقيين ولا على السوريين حين اُغلقت شوارع تلك المدن، وهُدمت أسوارها، وسُويت بالأرض مدارسُها ومتاحفُها، فكانت عمان البيت الأكثر مودة وملاذاً، فقد راحت في ذاكرة التصوير الحيّة حتى اليوم حضنا دافئاً ومأوى لا يشعر معه الوافد بغربة الوجوه رغم حدة الاختلاف اللوني في عتباتها ونوافذها وأدراجها، فكانت عمان العرب بتلونات اللهجة والبداوة والريف والقوقاز عاصمةً سيادية نامت أجفانُها على حلم توحيد البوابة الشمالية للجزيرة العربية، عمان التلة الأولى لدولة الهاشميين التي اختطفها قلم سايكس – بيكو، وأحالها عربُ البعث المتشظي في دمشق وبغداد تالياً إلى مجرد حلم غَرُب على أسوار القدس الشرقية، عمان لا تمايز بين نابلسي وشامي وقوقازي وبين بدوي وفلاح لأنها ببساطة مدينة حضرية تفاهمت مع رومانيّتها وساميّتها فنالت اختيار الهاشميين لها قلعةً قريشية لم تهزها سموم الطائفية ولم تقتلعها رياح الغرب.

لم يعالج هذا الكتاب المكانَ العمّاني بفضائه المتسع، ولم يرسم شخصية الإنسان العماني بيوميّته وثقافته المتنوعة وطقوسه، وهو شرطٌ فرضه العنوان بوصفه عامل الجذب الأول لكل القراء، فقد راحت مضامين الكتاب تقتصر على المؤلّف ومسقط رأسه وعمله في جريدة الرأي وفي المقر السامي، والكتاب تبعاً للتجنيس الأدبي سيرة ذاتية خاصة بأفق واحد وقلم واحد، أحاط بفرع نابلس الوارف العتيد؛ فرع نابلس الشقيقة الصغرى لدمشق مقصد الثورة العربية الكبرى وبوابتها التي أُوصدت، فكانت النتيجة اليوم مزيداً من التفكك الطائفي والقبلي الذي كان يمكن أن لا يكون لو كُتب للشام أن تتوشحَ بعباءة النبوة الهاشمية، غير أن الاستاذ سلامة لم يكفِنا عناء المساجلة هذه حين طرح قضية ضيقة لسنا بحاجة لها حين راح يدرج قضية الغرب أردنيّ ويغمز بها في ثنايا الكتاب، وكأنه بذلك لم يصِخ السمع لخطابات جلالة المغفور له الحسين بن طلال الذي لطالما أراح القلقين وهزّ بصوته الأجش مرابض المشككين بـعبارته الشهيرة (شتى المنابت والأصول)، قارئ آل عمان يشعر أن عليه الإنصات والإذعان لا التأتي والتفاعل مع الشخوص والأمكنة والرؤى، فوجهة النظر منصوبة منذ فواتح السرد التي أبانها الأستاذ سلامة وهاجم من سمّاهم بـ (دسترة فكّ الارتباط وقوننته)، فغذا صاحبنا ضد فك الارتباط، بيد أنه لم يشِر أو يصرح علانيةً بمن أطاحوا بمشروع الضفتين وبالدولة الهاشمية قبلا، فصَغُر الإشكال حدّ أنك تشعر بأن الحديث يخصّ دوري كرة القدم في الأردن.

مع اللّغة الواثبة التي تعتمد على لوي نهايات الفِقر بجمل شعرية مسهدة، جاءت العناوين الفرعية غير منسجمة أو متسقة مع متونها، فالرجل يعنون أحد فصول الكتاب بـ"جمانة غنيمات" ليتحدث عن دكتورة بحرينية، يفصّل القول بالعربيات والعنوان يحمل اسم "نذير رشيد" ، إذ عتباته النصية غير متوازية أو متوالية مع المتون السردية، ولعله أراد بالعنوان غطاءً لأسماء رجالات نابلس المدينة التي ينحدر منها الكاتب، فهكذا عناوين ربما تسهم في أن يكشف الكاتب تحتها سراً أو يواري آخر، فقد كشف الكثير من الأسرار في الوقت الذي حاول فيه وفق زعمه كتمها؛ ومن هذه القصص قصّة تعيين مروان الحمود في مجلس الاعيان بدلاً من عبداللطيف عربيات، إذ ليست القصص وحدها التي تحمل مفارقات موقفية عنده، فقد كانت الصفات والنعوت التي يخلعها على بعض محبيه غريبةً، وتحتاج إلى تريّث؛ منها وصفه للنائب الدغمي بـ"اليساري القومي" ثم الوطني الأردني.....، يتعرض سلامة لقضايا شخصيّة جداً منها قصته مع المعشر والكباريتي، فلا تعلم ما علاقة آل عمان بذلك، وهل لهذه القصة دورٌ في بناء عمان وازدهارها وعمرها، فالكتاب يقيس بمسطرة صاحبه، ويرفع من شأن أصدقاء الكاتب ويطيح ببعضهم دون أن يستثير السبب، وفي معرض حديثه الشخصي يتعرّض الأستاذ سلامة لقضايا سوى الشخصنة ودور رجال نابلس في الدولة الأردنية، فيفاجئ بما لا يُحسن القارئ رصده بنفسه ذلك حين يقف طويلاً عند مصطلحه "دول الجوار" في هذه الجملة المُلبسة:(..... تقصد الإطاحة بنظام صدام حسين أمريكياً، بأدوات كردية، وبدعم ناشط من كل دول الجوار) ص: 177، ليست هذه فقط فالرجل يميز بين نوعين من الاغتيال: اغتيال شريف وآخر غير شريف؛ ذلك حين يحوم قلمُه دون أن يعي كَم أوغل كثيراً وتعمّق وهو ينكأ الجرح حول اغتيالٍ قبيح ونذل لسنديانة الأردن والشرف وصفي التل، وهنا لا يقصد أحدنا النيل ممّن يحمل حباً لوطنه الأول، فلم يحدُث ألبتة أن حاكم القضاء الأردني أحدهم جراء حبّه لوطنه الأول، فالحب لا يكون تهمة لأنه تلك القيمة التي لا تستوعب الضغينة، ولا تعرف البحث في أصل الجينات، فللكاتب كامل الأحقية في التغني بوطنه ما دام الأردن أمّاً لهذه الأوطان، بيد أن هذا الحب لا يتساوق مع ما تتبناه جملته هنا في مقولته الآتية : (... وربما أن تكون أردنيا حدّ التقديس للوطن، وفلسطينيا حدّ الثمالة بالعروبة) فثمة جمل منقوصة ومبتورة الطرف يتركها الكاتب دون رابط يجعلها متسقة مع متنها، فهو دائم الحديث عن الأشخاص مدحا بالجلاء، وتصفية حساب في قفلة من قفل محكياته السردية؛ إذ لم تَسلم إسرائيل نفسُها حين راح يذم شمعون بيريز ويمتدح رابين، ويسلّط الضوء على شخصيات غير مشهورة، ويقلل من شأن رجالات أردنيين شرفاء وأعمدة في مسيرة الأردن عبر سنين من الهطل والخطر والجفاء العربي.

خطاب هذا الكتاب يحوي "مطبات كثيرة" وقد يُفهم على أنه عزف على سيمفونية كلنا ننزعج من مستواها المنفّر، ونعمل جميعا على مَحقها وسحقها من محكياتنا اليومية ومن شأننا العام والخاص، بيد أن الإعلامي الخبير والموظف الرفيع في المقرّ السامي ومع الأسف الشديد يعيد تأطيرها ويوثق لها حين يتهم شاعر الأردن الكبير "عرار" ويصفه بأنه آلة التحريض الأولى على العمانيين "بتوع السكاكر والتجارة"؛ فقط وصف عرار بأنه قد تمادى في فهمه للمواطنة، وحسبي أن عرار رَعشة أردنية أبت إلا أن تكون نزيهة زاهدة عروبية في الدم والإنسانية، فقد أفهمنا "سلامة" حربَ عرار ضد الأغنياء لصالح الفقراء والمهمشين ومكسوريّ الخاطر على أنها فهم "جُهال" يحضرون مباراة معادة كثيراً بين فريقين لم يُفرحا أبداً جمهورهما منذ عقود بكأس على مستوى الأقليم، فلماذا يسيء الأستاذ سلامة لقامة سامقة تتقاسم عمان ونابلس احترامه وحبه، شخصية لم تعرف الرخيص أو الابتذال أو الابتزاز، وإذا كان هو ضد الجهويين والإقليمية الضيقة فلماذا يهاجم أصحاب برامج إصلاحية حديثة لا تفهم المواطنة على أنها مكان مسقط رأس كالدكتور مصطفى حمارنة مثلاً، ويسرد حوله قصة تظهر بطريقة غير منصفة كيف خرج الدكتور الحمارنة من الديوان الملكي العامر، لماذا يغيّب الأستاذ سلامة رواية تيسير السبول الذي بكى بطلُها واقفاً على آخر شبر مما يسمى وطن، ويقصد بذاك فلسطين فلذة الكبد وشقّ القلب الثاني، لماذا يصرّ سلامة على أنّ عمان الحلويات الشامية و"غارو" الأرمني وعدنان أبو عودة الذي أوصد باب مغادرته بعد أن مرّ بمفهوم "الحقوق المنقوصة" ورغم أنه يعرف أن أبا عودة وغيره أخذوا حقهم و"زيادة".

هكذا يسم سلامة خيال عمّان بالعطب، وبأنه خيال يحب أن يسبغ على أيّ قدرة أو شجاعة خصلة من خصال أسطورة واهمة ص:214 وهو الذي كنت أظن أنه سيأتي على ذكر الجيش العربي الأردني في باب الواد واللطرون وأسطورة "دبابة شويعر" تلك التي منعت جيش العدو من دخول نابلس جبل النار، تلك القصة التي يمكننا ان نرويها بفنتازيا تجعلنا تحت نيران تهمة الليكودية الأردنية. في هذا الكتاب "المتحيّز" ثمة سيميائيات وإشارات بمدلولات واضحة لا تخطئها عين فاحصة؛ وذلك حين يَسم طرفاً ما بـ"البداوة السياسية" ويمدح آخر بأنه يساوي عشيرة في رجل، فهل العشائرية نَزع سياسي، وإذا كانت كذلك فإنها بذلك مرفوضة بالمرّة، وكذا في طموحنا الملكي الجديد، وفي حلم المدنيّة والسمو والرفعة للشباب بعشيرة الوطن بعيداً عن الفرعنة والفزعة، نحن يا سيدي لا نقبل بهتاف العشائرية لكن لا نحب أن توصف بالرجعية الوطنية؛ إذ مفهوم الحزب وفق منظريه مُستقى من الحزب ككينونة ناطقة، وعليه نحب أن تعانق السلط نابلس كما قلت "....في مغاريب سنام الجبل النابلسي" ص:371 .

ومع ذلك لا أعرف كم هو حجم الربط عند صاحب الكتاب بين التحريض كعادة أردنية، وطرحِه لمسألة شخص الدكتور باسم عوض الله، ولكسر التوقع أقول إن حملة الاستهداف وتبريراتها الدفينة ضد رجل المقر السامي ربما هي ما أبانه أحمد سلامة في كتابه تماماً؛ إذ لم تعجب زمرة "العصملي" وغير التقدميين وجود محيّا غير متجعد المسمات وخريج جامعة غربية عريقة، لم يعجبهم جلوسُه في الكابينة الأمامية تماما بمعنى" مين الشبّ اللي قاعد قدام" ، أما عن سيل النقد والتهجم على برنامج التحول الاقتصادي فإن مردّه يكمن في سوء إخراج هذا البرنامج، وعدم طرحه ضمن قنوات مجلسي النواب والأعيان، وكذا عدم طرحه للمناقشة في منتدياته وقنواته، إذ إن عدم تفعيل المعيارية ومنصات العمل الديمقراطي سهل تالياً وجود حملات يقودها مبتزّون بهدف تلميع هذا أو الإطاحة بذاك.

الانتقائية في الأشخاص وفي خلق المقارنات الثنائية مسألة الكاتب وحريته المطلقة، فقد كان عليه مثلاً أن يمايز بين الباشا فيصل الشوبكي وبين البطيخي والذهبي من حيث أن الأخيرين مدّا أيديهما في "الخِرج"، في حين وَرِث الباشا الطهارة والشجاعة من أبيه، ومن مدرسة الجيش العربي، من شمس فلسطين التي مالبثت ترسل شعاع الحب في عيوننا وهي تغيب من على سنام جبال رمّ والشوبك والسلط ومأدبا، في أردنيتنا نجيد الاختلاف لكننا لا نجيد النيل من الأخر وتقزيمه ، فكلّنا جُبلنا على حبّ فلسطين من أول حصة مدرسية وحتى آخر ندوة ثقافية.
تعلمت أنا من والدي الذي قاتل في صفوف "صقور فتح" في الستينيات، ومن عمّي الذي قاتل مع الجيش الأردني في فلسطين تعلمت أن للأردنيين فلسطينهم التي لن تمضي عنهم، فالحنين إليها ما انفك يباغتنا ويهبّ من ضفة النهر الغربية كل يوم، ولفلسطين قول درويش الشامخ: "لنا فِي الحنين يَد.. وفي البُعد كان لنا ألف يَد".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :