facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




«سوريا الله حاميها» : الأزمة والمصائر والتحولات


د.مهند مبيضين
14-08-2011 01:37 AM

لطالما ردد السوريون جملة ‹›سورية الله حاميها››، وهي جملة كان يراها الزائر لدمشق ومدن سورية أخرى، وغالبا ما كانت مقرونة بصورة كبيرة أسفل منها للرئيس الراحل حافظ الأسد، ولكنها في سنوات الحكم السوري تبدلت وأضحت الصورة لرئيس جديد كان كل ما تقدم بالحكم يفقد القدرة على القرار، وتشتبك حوله خيوط الحكم وتتعقد، ويزداد النافذون وعصبة رجال المال من الأقارب الذين جعلوا المواطن السوري يكد ويتعب لأجل تنامي ثروتهم، وفي المقابل لم يفعل الأسد لتجاوز تركة والده الثقيلة من الرجال المحافظين، في ظل مجاميع سورية ظلت ذاكرة سرايا الدفاع وهي تقتحم حماه العام 1980 حاضرة في وعيها، وقد صعدت هذه الذاكرة ووظفت جيدا في رواية مديح الكراهية للروائي خالد خليفة الذي استعاد احداث حماه في قالب روائي، لكن الرواية التي طبعت في دمشق ما لبثت ان سحبت من السوق العام 2008.

في الراوية مشهد يظهر فيه الرئيس عقب اجتياح حلب وحماه، امام شاشات التلفاز وهو يرتجف، ويكاد المشهد يتكرر اليوم في دولة ظن الحزب انه أهلك كل الانتماءات الثقافية للهويات الفرعية السورية فيها، وكان الرهان خاسرا، فبرغم انسجام المكون السوري على وحدة الهوية إلا أن البنى التقليدية للمجتمع السوري من رجال حرف ورجال دين وقوى بازار وعشائر في منطقة سيف البادية الممتد من درعا إلى القامشلي، ظلت متماسكة، وقوية وملتحمة في رد الفعل لابنائها ومنتسبيها, وفي مقابل هذه البنى صعدت نخب سياسية في خدمة النظام ومتحالفة معه في عهد الاب لاجل النفوذ والمكانة، أو مستفيدة وشريكة معه في عهد الابن الذي اراد ان يكون في بداية عهده اصلاحيا، إلا أن مصالح العائلة والاقارب انتصرت على مصالح الوطن.

ووفق نهج غريب في تكوين النظام والبنية السياسية لاجهز الدولة التي تتعدد المرجعيات داخل مكونها الهرمي، كانت بداية الغضب معاشية اقتصادية في دولة لا يغيب فيها الثأر بسهولة، وقد ارتدت نساء حمه منذ ثلاثون عاما السواد بانتظار لحظة السداد، وهو سداد حساب الغائبين إما بالقتل الجماعي أو الإخفاء أو ابقاء المصير مجهول أمام ألاف المختفيين، والذين تزيد اعداداهم على اكثر من مئة وخمسين الف مختفي مجهول المصير منذ عهد الأب الأسد.

منذ العام 1996 وانا ادرس المجتمع الدمشقي وحتى اليوم، وكانت في كل مرة اسئأل فيها عن الوضع في سوريا في الأوانة الاخيرة ومنذ العام 2008 اقول ان الدمشقيين لأول مرة يظهرون فقرهم وعوزهم وانزاعجهم من الضيوف خاصة بعد تدفق مئات آلاف العراقيين لمدن سورية مختلفة، وحدثت مواجهات كان مسرحها الأول حي جرمانا، آنذاك نجح النظام باخفاء التداعيات وغلفها بطابع «صراع الأهل مع الأغراب» وفي حقيقتها كان سخطا من أفقر الأحياء في دمشق في «جرمانا و دويلعة» وغيرها على فارق طبقي كبير وفقر متنامٍ.

ومنذ خمس سنوات نجح النظام السوري باستخدام نخب فكرية وسياسية واقتصادية مشت معه وشاركت بإقناع الناس في سورية بأنها لن تذهب نحو الانفتاح الاقتصادي وفق النهج الليبرالي الرأسمالي؛ بحجة أنه شر وبضاعة أمريكية، وأن الحل في إعادة الاعتبار لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يقوم على إطلاق حرية المنافسة ومراقبة تطور الاحتكارات، وخلق حالة من تكافؤ الفرص بين الهيئات والفعاليات الاقتصادية عبر استمرار دور الدولة في مراقبة آليات السوق والتدخل عندما يعجز الاقتصاد الحر عن تأدية مهمته بما في ذلك تسوية المشكلات الاجتماعية، لكن الحال الذي نتج من جوقة أعوان الاستبداد السوري أن إطلاق اليد لم يتم للمنافسة بل لتعزيز الكسب غير المشروع ومنح الفرص لأفراد من العائلة العلوية، وبالتالي لم تتحقق الغاية من هذا النهج وهي خلق مجتمع الرفاه، وإنما خلق مجتمع مرتهن في انتاجه إلى مصالح فئة صغيرة تحكم الدولة وتسيطر على موارد الدولة.

التوجه لاقتصاد السوق الاجتماعي كان آخر سهم في كنانة النظام السوري، بعد سنوات من التجريب والفشل في إخراج المجتمع السوري من أزمته المتراكمة، وكان ذلك التوجه نتيجة لأحد مخرجات المؤتمر العاشر لحزب البعث الحاكم بخطة جديدة التي حملت اسم ‹›اقتصاد السوق الاجتماعي›› للتحديث والتطوير ومعالجة حال الركود والتردي الاقتصادي في البلاد، لكن النتيجة كما قلنا كانت عكس ذلك، فقد تعمقت الفوارق بين الناس بما هدد السلم الاجتماعي وزاد التجاوز على القانون وعم الفساد في القضاء وانتشرت الرشوة بشكل يفوق كل التصورات، وهو ما أهّل البلاد للثورة، وقاد الناس للشارع، ولم تعد سورية محمية ربانيا، بل إنها كانت تسير للهدم بفعل سياسات نظامها، كما أن الصور التي كانت تشكل قاعدة لعبارة ‹›سورية الله حاميها›› لم تعد للأسد الأب وأبنائه وإنما لبشار وأحمدي نجاد وحسن نصر الله، وهو ما يشف عن معنى فقدان استقلال القرار السوري وتحول سورية إلى ورقة بيد إيران وليس العكس كما كانت أيام حافظ الأسد.

بالنتيجة جرّت السياسات السورية الوبال على المجتمع جراء التبعية وفقدان الكرامة وانعدام والوصاية السياسية على الاقتصاد واستمرار ضعف النمو، وباختصار سورية حافظ الأسد لم تعد سورية بشار، فبعد العام 1984 والاتفاق بين الأسد الأب وحركة أمل بالتحالف التاريخي مع العلويين باعتبارهم شيعة، ظل الأسد الأب على الرغم من الشرعية التي منحته إياها حركة أمل ثم إيران ما بعد الثورة، قادرا على ضبط التوازن بين العلاقة مع إيران وحلفائها وبين الجوار العربي، وهنا يتحدث السوريون عن قدرة حافظ الأسد على صون الكرامة للمواطن السوري وقدرته على ضبط أركان العلويين وعدم إطلاق يديهم في سورية، وهو على خلاف ما سار عليه بشار الذي انحنى كثيرا لإيران وحلفائها في لبنان وعلى رأسهم حزب الله. فانكسرت الكرامة السورية وتوغلت الطائفة العلوية وأصبحت الأولوية للعلويين للتوظيف في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، وفي عام 2009 عين رؤساء الأجهزة المخابرات الأربعة (العسكرية والسياسية والجوية والمخابرات العامة، من أصول علوية، هذا إلى جانب النفوذ الاقتصادي والخصخصة في قطاعات الدولة والرخص التي منحت لمحاسيب وأقارب بشار الأسد، وهو ما جعل سورية تتحول إلى مزرعة بيد آل الأسد وأنسابهم، وهو ما جعل المواطن السوري يشعر بأن كرامته كسرت.

مع ذلك، تحمل السوريون مقولة الصمود من أجل المقاومة، وصبروا على بشار الأسد ونظامه كثيرا، والإنسان السوري يجعله حبه للحياة أحيانا قادرا على الصبر لدرجات قسوى، لكنه حين رأى دولته بلا قيادة وإنما بيد طهران، وحين وجد أن رزقه وضرائبه ورسومها التي يدفعها تذهب لطبقة من رجال الأعمال الأقارب للرئيس، وحين وجد أهل القرى والأرياف والمدن السورية الدبابات تقصف وتحاصر مدنهم ويصر الرئيس على أنه يواجه العصابات المسلحة الخارجة على القانون، فإنه من غير الممكن للمواطن السوري العودة للبيت إلا إذا غادر الأسد موقعه وحوكم كل من تلطخت يده بالقتل والترويع للناس.

كل ذلك قاد الناس للمواجهة، مع الفشل والتفرد والاستبداد، ومن جهته النظام قاوم كل محاولات الإصلاح والتغيير، ورفض الشراكة مع المجتمع ونخبه، فتأسست حالة من الحنق والغضب التي بدأت في أعقاب المشهد التونسي والمصري تزداد، ولم يفلح النظام السوري في استثمار الموقف العربي المحافظ في بداية الأزمة السورية وبعد مرور أشهر عليه؛ كون سورية تتوجس ريبة وتستفز من أي تدخل في شأنها، لكن الصمت العربي لم يكن يعني إقرارا بما يجري هنا بقدر ما كان صمتا من القلق على ألا يكون السقوط في سورية سقوطا للنظام بقدر ما سيكون سقوطا للدولة.

في حال سقطت الدولة يسأل الكثيرون عن خيار ما بعد الأسد، وهي سيتكرر النموذج العراقي، وهل تحتمل المنطقة حالة زكام اخرى مثل الزكام العراقي الذي ارهق المنطقة بعد احتلال العراق؟ الجواب يكمن في الفارق بين الحالة العراقية وحتى اللييية، فالسوريون مجتمع تجار بالدرجة الأولى ولا يحتملون تعطل الاقتصاد كثيرا، كما انهم لا يفضلون خيار النزوح لمواجهة الأزمة، فحتى حين يخرجون هم يفضلون البقاء على مدّ البصر من وطنهم. وفي حال وجهت ضربة عسكرية خاطفة لقواعد جيش الأسد، فإن من المتوقع حدوث تحول في الازمة وانهاء النظام بشكل سريع لأعتبارات عدة: أولها أن الرئيس لا يقوى على المواجهة وضعيف وسط الدائرة الغابة على مصائر القرار السوري، وثانيها احتمال هرب او تهريب دائرته المحيطة به عبر الحدود مع لبنان إلى ايران ودول حليفة اخرى، وثالثها البقاء في القصر الرئاسي المحصن في دمشق بانتظار مبادرة دولية او عربية لانهاء وجود الأسد، وهناك معلومات تشير إلى التفكير بمبادرة على غرار التحرك الخليجي لليمن، لكن عناد الرفاق البعثيين يجعلهم لا يقون على القبول بان تأتي الحكمة لدمشق من الخارج، ويبدو أن مصير الرئيس اليمني لن يكون عبرة للأسد، في انزلاقه الصاخب المغاير للحالة اليمنية التي كانت سلمية وبقيت برغم ان السلاح والبارود حاظر كالياسمين الدمشقي.

السوريون في ثقافتهم وبنيتهم يكرهون العنف، لكن النظام الذي اقترن طغيانه بظلمه، ضاق الناس بوجوده وهم يعرفون ان مصدر الفعل المروع قد لا يكون الرئيس الأسد، بقدر ما هو نتيجة لتعليمات دائرة صغيرة محيطة به، لكن الإصرار على مقولة المؤامرة او الاختراق لجبهة الممانعة لم تعد مقولة تلقى الصمود حتى عند حلفاء الأسد. كما ان اجراءات الأسد ومبادراته الإصلاحية التي حاول تحقيق جزء منها يوم جاء للحكم وكان نظيفا لم تعد تشكل اليوم سقفا للمعارضة للتفاوض على الإصلاح، بل صار المطلب رحيله.

اليوم ومنذ احداث درعا، بداية الاشتباك، تدفق الكثير من الماء في جدول الماء السوري، لكن وبمثل ما النظام غير واضح في قراءة مصائرة، لا يبدو ان هناك تصورا واضحا لمستقبل سوريا عند المعارضة التي هي مطالبة أكثر من أي وقت برسم خطة ما بعد الأسد كي لا تسقط الدولة بسقوط الرئيس وتعم الفوضى في المنطقة.

ختاما، يظل للرئيس المرحوم حافظ الأسد برغم اختلاف الناس معه أو اتفاقهم معه أو تفاوتهم في حبه او كراهيته فإنه يستحضر اليوم، ولكن الرجل الذي ساهم بالامساك جيدا بلعبة التوازن في المنطقة والرجل الذي وقف مواقف جيده ومتناقضة احيانا مع جيرانه سواء في الأردن وفي لبنان والعراق، والرجل الذي تحالف مع ايران ودشن الخط التاريخي بين طهران ودمشق وجبل عامل، والرجل الذي كان دوما يحضر كرقم صعب في أي معادلة في المنطقة، والرجل الذي اتقن المرواغة مستعينا بخبرته كطيار مقاتل يبدو انه وكأنه لم يترك لولده شيئا من دهاء الحكم او فقه المُلك، وسظل الابن تلاحقه رائحة الثأر في حماة ودير الزور وغيرها حتى لو تجاوز ازمته اليوم.

(الدستور)





  • 1 احترامي للحرامي 14-08-2011 | 01:48 AM

    معروف اولئك الذين يؤيدون الاسد واعوانه من الاردنيين ، ومعروف الذي يجتمع مع نظام البعث
    ومعروف انه هو الشخص الذي سجن لتهجمه ومع ذلك لدينا وللاسف يلاقي دعم من ...
    مكشوفة

  • 2 غريب 14-08-2011 | 01:49 AM

    هل يجوز الترحم على قاتل اهل حماه وعلى مرتكب مجازر ضد شعبه ؟؟

  • 3 ابن الوطن 14-08-2011 | 02:31 AM

    مقال جميل ، شكرا

  • 4 حمد عبدالله 14-08-2011 | 03:11 AM

    مقال ....

  • 5 14-08-2011 | 04:28 AM

    الى جهنم وبئس المصير حافظ الاسد والى مزبلة التاريخ بشار ......

  • 6 15 تموز 14-08-2011 | 04:30 AM

    مبدع كعادتك يا دكتور

  • 7 مهند 14-08-2011 | 04:35 AM

    لقد ترك الاسد الاب لابنه اجمل الذكريات وهي الفتل والتنكيل في الشعب اورثه ان لافرق بين الشعب والعشب على راي الكاتب في مقال سابق

  • 8 الله حاميها 14-08-2011 | 05:31 AM

    شو عرفك

  • 9 ابن الكرك 14-08-2011 | 06:32 AM

    الله يقويك يا دكتور مقال كثير رائع

  • 10 ابووليد 14-08-2011 | 08:28 AM

    الجيش العربي السوري الحالي وصمة عار على تاريخ سوريا  جيش ..... والله مناظر لم ولن نشاهدها في اي مكان بالعالم وعلى مر التاريخ ....... والله ينصركم ياأبطال سوريا ياأخواننا والله انكم ابطال رحم الله شهداءكم

  • 11 ... 14-08-2011 | 12:01 PM

    بتعرف في كل شئ يا مهند....

  • 12 كركي 14-08-2011 | 12:41 PM

    المقال فيه نفس ...

  • 13 محميه 14-08-2011 | 12:54 PM

    وانت الله يحميك
    الله يحميك يا هل شب


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :