شكراً جزيلاً لكوكب الشرق: السيدة أم كلثوم على العزاء الذي منحته لملايين المحبين والسهارى «والغلابى»، بأغنياتها الإستثنائية. ولقد اكتشفت ميزة جديدة للسيدة أم كلثوم: أننا نستطيع «جلي» عشرات الصحون والطناجر على وقع صوتها القويّ الذي لا يتكرر! فمنذ سفر «الشغّالة» وأنا أقوم بغسل الأطباق مع القصيدة الخالدة لأبي فراس الحمداني «أراك عصيّ الدمع شيمتُك الصبرُ»، وخاصة المقطع المتكرر «مُعلِّلتي بالوصل والموت دونه.. إذا مِتُّ ظمآن، فلا نزل القطرُ».
ما على السيدة -التي تجلي - الصحون سوى وضع مؤشر الراديو -ان كانت مثلي من هُواة الإذاعات- على إلإذاعة الأردنية المفضّلة عندي، بعد السابعة مساءً، وستكتشف مدى الطاقة العجيبة التي تمنحها لها أغنيات السيدة أم كلثوم. مقطع «كان لك معايا.. أجمل حِكاية في العُمر كُلّه»، يكفي لجلي مئة وعشرين صحناً ! فيفضل سماعه من أغنية «أنساك» بعد دعوة غداء او عشاء، أي أن يكون كاسيت أو (دي في دي) هذه الأغنية ضمن قائمة الطلبات، مع «الهيل» ولبن المنسف ومفارش السفرة !
أعتذر مسبقاً لعشّاق السيدة أم كلثوم، الذين مَثّلت أغنياتها الرائعة أَملاً ما لهم، أو الذين لا تمر أمسياتهم -ولا أصبوحاتهم- دون الإستماع لها. أعتذر لحسنين «الطريش» وعبدو: حارس العمارة، وكل الذين يسهرون على وقع أغنياتها الفريدة. الاعتذار لأن أغلب مُحبي أم كلثوم مهووسون بها، وتراهم يتحدثون عنها وقلوبهم ترف كأجنحة العصافير. فلعلهم قد يعتقدون -خطاً- أنني لا آخذ مطربتهم الأولى على محمل الجد ! قطعاً لا ؛ «فثومة» كما يُدللها الشعب المصري، هي رمز من رموز الغناء العربي، وهي التي صبغت الأمسيات العربية بطابعها الهادئ الحزين.
ازددت فخراً «بالسيدة» عندما سمعت صوتها فجأة صادحاً من مطعم عربي في لندن؛ فهناك شعرت بأن أم كلثوم تعبر عن هوية واضحة رصينة للإنسان العربي. رأيت الشقيق المصري الذي يجلس على كرسي واضعاً يده على خدِّه وهو يستمع لأغنية «أروح لمين.. وأقول يا مين ينصفني منك» يمثّل أمّتنا المهمومة المثقلة بالآلام. يا ترى بماذا كان يفكر ذلك الشاب المصري المغترب ؟ مشهد يصيبك بالقشعريرة !
حسناً، هذه مجرد مقدّمة عن السيدة أم كلثوم، فهناك الكثير بعد ليقال عن أُغنياتِها: الأطلال، المقدمة الموسيقية لأغنية إنت عمري، الجزالة والفخامة بصوتها إذا غنّت القصائد: «نهج البردة « مثلاً، أو رُباعيات الخيام، الحنين العجيب بأغنية فكّروني، واجتماع المعاني السابقة وأكثر بأغنية «رَقّ الحبيب».
الأهم من كل هذا أنني أحببت أم كلثوم لأن أمي تحبها، وتستمع اليها كل يوم في نفس الموعد، فقط منذ ثلاثين عاما!
ikramdawud@yahoo.com

(الراي)