facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




«باب الحارة»: ذواتنا المحطمّة في المرايا المهشمّة


هشام غانم
06-10-2007 03:00 AM

الفضيلة الناصعة
يمكن الزعم (بقليل من المجازفة) أنّ الفيلسوف اليوناني أفلاطون، لو قامَ الآن بيننا، و شاهدَ مسلسل «باب الحارة»، إذاً لشعر بسعادة غامرة. و مصدر سعادته، ربما، هو أنّ جمهوريته الفاضلة قد تحققت، أخيراً، في «حارة الضبع»! غير أنّ هذا القناع الفاضل، الذي تلبسه الحارة، لا يلبث أنْ يسقط و يتهاوى إذا ما رأت إليه عينٌ ذات بصر ٍ حديد.خارج الزمن
فالحارة تلك، التي تدور في مدارها أحداث المسلسل الموسوم بوسم غريب، هو «باب الحارة»، أشبه بسجن، و سكّانها أشبه بالمساجين. و آية السجين، أنّ الزمن يمرّ عليه و لا يمرّ هو على الزمن، على نقيض الأحرار و الطلقاء. فالحارة إيّاها، تعيش خارج الزمان؛ ذاك أنّنا لا نكاد نعثر على أيّ مظهر حداثيّ في أزقتها و حوانيتها و بيوتها، و شخصياتها «خام»، لا تتطوّر أو تتغير؛ فهي إما في خانة الشرّ المطلق أو الخير الناصع. و هذا ضد الطبيعة، و ضد منطق النفس الإنسانية التي تتصارع فيها نوازع الخير و الشرّ؛ فالشاب الخَيّر، في «حارة الضبع»، يستفيق صباحاً و يقبّل يديّ والديه، و يذهب إلى عمله بسكون و طمأنينة، فلئن أمسى، أوى إلى البيت، بيته، خاشعاً متصدّعاً، لا يبغي سوى مرضاة الله و رضا الوالدين. و أمّا «الأشرار»، فلا هَمّ لهم سوى كيْد المكائد، و حياكة الدسائس، و التربّص بأهل الحارة الهانئة و السعيدة.

الباب و كراهية الغريب
و السعادة و الهناء هذان، يحرسهما «باب الحارة»، (الباب الخشبي الثقيل، و ليس اسم المسلسل، بديهة). و الأغلب على الظنّ أنّ لفظة «الباب» لم تأتِ جزافاً و عفوَ الخاطر؛ فباب الحارة هو كناية عن الحفاظ على «القيم الجميلة» و «الطهر» و «العفة»، و هو، إلى ذلك، رمز مكثّف عن الغلْق و الإيصاد في وجه «الغرباء». و هؤلاء الأخيرون لا يريدون للحارة و أهلها سوى الموت و الهلاك و بثّ بذور الفرقة و الفتنة بينهم. فما إنْ تحدث عملية سرقة أو سطوّ على الحارة حتى يكون أول سؤال يُطرح هو: «هل السارق من داخل الحارة أم من خارجها»؟ و لعلّ هذا السؤال، ينهض حُجّةً و شاهداً على وجاهة زعمنا في أنّ الحارة تكره «الغرباء». و الحقّ أنّ كراهية الغريب، في ثقافتنا، تستوي مستوى البديهة التي لا يتطرق إليها الوهن، و لا يتسلل إليها الشكّ؛ فالثقافة هذه، لا تعرّف نفسها إلا من ذاتها و بذاتها و في ذاتها: أي من الداخل؛ فتستغني عن الخارج بطهرها و نقائها الداخلييْن؛ ذاك أنّ أهل الخارج «غرباء»، و ما يَصْدر عن «الغريب» المتربّص ليس سوى هراء و نباح و نعيق و استشراق، معاً و جميعاً. بهذا المعنى، هي ثقافة من طينة شمولية تقيم على حافتيّ الوجود و العدم، و لا تعترف بنسبية الأمور، و لا تُفارق المُطْلق إلا لتلاقيه شوقاً و حباً.

الدولة الممتنعة
و على رغم الكراهية الشديدة التي يكنّها أهل الحارة لـ«الغرباء»؛ فإنّ هؤلاء الأخيرين يكفّون عن أنْ يكونوا غرباء في حالة واحدة فقط. و الحالة هذه، هي ابتياع السلاح منهم! هكذا يغدو السلاح هو الرابطة الوحيدة التي تحببّنا و تقرّبنا إلى الغريب المتغطرس المتربص بنا الدوائر. و لا ريب أنّ هذا المسلك لا يزال يشتغل بمواظبة إلى زمننا هذا؛ بل الأكثر من ذلك أننا نقاتل «العدو» من طريق أسلحة نبتاعها منه! و الحال أنّ الإشارة العميقة الدلالة في ابتياع السلاح، هو الغياب أو الإنعدام المزمن لمفهوم «الدولة»؛ ذاك أن (العقيد) أبو شهاب هو مَنْ يعقد صفقات السلاح، و يقوم بإيصاله إلى المقاومين في فلسطين.

الدين و «السياسية»
و لمّا كانت الدولة ممتنعة، فقد صيرَ إلى وجهاء الحارة (أو «الأعضاوات» في رطانة عاميّة) حلّ منازعات و خلافات أهل الحارة. و الوجهاء هؤلاء، يقومُ منهم شيخُ المسجد مقامَ الإمام، و الإمام هنا، على معنييْن؛ فهو يؤمهم في المسجد، و يؤمهم (أي يتقدّمهم) في تشكيل «الجاهات»، و حلّ المنازعات «السياسية». و إذ يدلي أحد الوجهاء بدلوه في إحدى المسائل، يلتفت إلى الشيخ سائلاً و طالباً العون: «مو هيك شيخي؟»؛ فيردّ الشيخ مُثنياً و مضمّناً قوله بنص دينيّ. و هذا السلوك كان و لا زال يسري مسراه إلى شرائح واسعة من النخب و الأنظمة العربية؛ فلا نأتي على قرار أو رأي إلا بعد التأكد من وجود مسوّغ شرعيّ له. و على ما خبرنا و علمنا، فإنّ أقصر الطرق إلى الهلاك هي تلك التي تلابسُ السياسةُ فيها الدينَ؛ رغم أنّ السياسة تدابير و إجراءات لحلّ منازعات و خلافات أرضية، على حين أنّ الدّين أشبه بمنظومة متعالية على الإنسان و «ضعفه» المشهور. و هو (الإنسان) ليس ضعيفاً فقط (النساء/28)، بل «يؤوس كفور»، (هود/9)، و هو «ظلوم كفّار»، (إبراهيم/34)، و هو «عجول»، (الإسراء/11)، و «هَلوع»، (المعارج/19)، و فوق ذلك فهو «كادح»، (الإنشقاق)، و «في كَبَد»، (البلد/4).

المرأة و الرجولة و الآخر
و قصارى القول أنّ المسلسل المذكور يقترح استئناف تقاليد الامس الغابر، و تعزيزها، و النفخ في رميمها، و العَوْد على بدئها. و هي تقاليد لم تكنْ موجودة أصلاً كما صوّرها المسلسل. و فوق ذلك فهي تقاليد بريّة، و غير متصالحة مع الحضارة و الثقافة، و مهجوسة بالقوة و الغلبة، و تحتقر الضعف الإنسانيّ، و تسكنها الدكتاتورية، و تُتوجّها «الرجولة». و هذه الأخيرة – في المسلسل - أنزلت المرأة منزلة الحضيض، و المرأة، بدورها، لا تمانع في ذلك، بل تستطيب الإذلال و الإهانة، و تستلذ بهما، فإذا وبّخها زوجها؛ ردّت له «التحية» بأحسن منها: «تقبرني ابن عمي»، و أحياناً: «تقبرني ابن عمي و تمشي على قبري»، و هذه أعلى درجات الإنسحاق. و ربما كان أخطر ما يضمره المسلسل في ثناياه و تضاعيفه هو إقصاء الآخر و نبذه و نفيه، و إغلاق الباب في وجه «الغرباء». و لعلّ حجم المتابعة المهول، الذي حظيَ به المسلسل، مردّه إلى أنّ «باب الحارة» يخاطب وعياً بدائياً و جريحاً و مهزوماً. و الوعيّ هذا، يبحث عن «انتصار على الآخر و طرده» حتى و لو على شاشات التلفزيون. و هذا كلّه و غيره و مثله – على الأرجح - يُكنّي عن ذواتٍ محطمّة ترى إلى مرايا مهشّمة. و المرايا هذه، اسمها «باب الحارة».

hishamm126@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :