يتسلل الشعور بالاطمئنان إلى النفوس عندما يتدخل الملك شخصياً بحكمته المسكونة بمحبته لشعبه في أمر ما بعد أن يرى أن الحكومة لم تكن مبادرة بالحل أو المعالجة الحكيمة، وهذا ما انطبق تماماً على عشرات الحالات التي تناهى إلى مسامعنا علم بها، وآخرها إنقاذه لمستشفى الجامعة الأردنية الذي كانت الحكومة تتفرّج عليه وهو يهوي ويغرق بمديونية كبيرة دفعته إلى إغلاق بعض أقسامه في وجه المرضى..!!

ونعرف أن مئات الحالات الإنسانية التي وصل علم لسيدنا بها سواء أكانت لأشخاص أو مؤسسات قد نالت حظها من المعالجة الحكيمة ونصرة الأب القائد.. وهذا ليس بغريب البتة على قائد ينحدر من أطيب سلالة بشرية عُرفت بانحيازها الدائم للإنسان.. رحمة ورأفة وإنصافاً وعدالة..

واليوم يواجه الأردنيون ظروفاً اقتصادية وإنسانية قاسية، هي نتاج حقبة من سياسات وممارسات غير مسؤولة ارتكبتها حكومات لم تكن أبداً على قدر المسؤولية، وحوّلت الوطن إلى حقل تجارب، وتحول معها المجتمع وبعد مرور أكثر من عقد على تجاربها من مجتمع محبة وتسامح إلى مجتمع حقد وكراهية، ومن مجتمع رضى وسلام إلى مجتمع غضب وغليان، وها هي الحكومة الحالية يا جلالة الملك تمارس سياسة خطيرة جداً على المجتمع والإنسان، عبر بدئها بتنفيذ سلسلة إجراءات وسياسات اقتصادية لا تحمل مثقال ذرة من رحمة بالناس، فهل من الحكمة أن تلجأ الحكومة إلى معالجة الوضع الاقتصادي والمالي المتأزّم بفرض حصار قاتل على الشعب..!!؟؟
وإذْ بدأت الحكومة بعد أقل من شهرين على تشكيلها بتنفيذ أكبر مشروع لإعادة هيكلة القطاع العام بطريقة استفزّت فيها مختلف أطياف موظفي الدولة، وشعرت الغالبية العظمى منهم بالغبن والظلم، وخلقت مزيداً من أجواء الاحتقان والغضب باعتدائها على حقوق مكتسبة لشريحة ليست قليلة من الموظفين، فتعطّلت مسيرة العمل والإنجاز في مختلف القطاعات بسبب الأجواء الاحتجاجية التي لا نزال نعيش أجواءها وتبعاتها، وسوف تشعر الدولة كلها بنتاجاتها السلبية بعد حين خصوصاً بعد أن تحولت الهيكلة إلى خلخلة للقطاع العام، ولا تزال الحكومة ووزارة تطويرها تُصر على أنه مشروع إصلاحي يحقق العدالة..!! فأين هي العدالة بعد مسلسل التنازلات والإرضاءات والاحتجاجات والاحتقانات التي لم ولن تتوقف..!!؟

ولم ينتهي الأمر عند هذا، لكنها اليوم تلجأ إلى أخطر ما يمكن أن تلجأ إليه الحكومات من سياسات عبر رفع الأسعار على المواطن لمعالجة الأزمة دون أن تفكّر بأولويات أخرى غير جيوب الناس الخاوية أصلاً، فهل من الحكمة أن تُقدِم الحكومة على رفع أسعار الكهرباء بنسب كبيرة، في ظرف معيشي واقتصادي يُعتبر من أقسى وأصعب ما يمر به الأردنيون..!!؟

ما الذي تتوقعه الحكومة من شعب يعاني تحت وطأة الفقر والعوز، ولها أن تتصور غالبية عظمى من موظفيها وعمّالها يتقاضون أجورا ورواتب بالكاد يتجاوز متوسطها العام حدود خط الفقر المطلق..!! فهل تتوقع الحكومة أن يصفق لها الناس ويهتفون بعدالتها وهي تسعى إلى حشرهم في زاوية ضيقة، والقضاء على ما تبقّى لهم من قدرات على العيش بسلام واطمئنان وكرامة..!!؟

وتزعم الحكومة بأن رفعها للكهرباء لم يمسّ الشريحة الأعظم من الشعب، فهل كانت صادقة في زعمها، فإن لم تكن فإن من حقنا كشعب أن نحاسبها على التضليل والخديعة والاستغفال، فقد بدأ مسلسل رفع أسعار السلع والخدمات يتوالى مباشرة إثر رفع أسعار الكهرباء، فهل الخبز والنقل والدواء واللحوم المجمدة والغذائيات المبردة التي ارتفعت أسعارها تبعاً لأسعار الكهرباء من الكماليات في عُرف الحكومة، مما لا يحتاجه الشعب من دروب الرفاه والبذخ والإسراف..!؟؟

ستواجه الحكومة مصيراً قاتماً إن هي أصرّت على موقفها من رفع أسعار الكهرباء، ولها أن تتحمّل، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً، تبعات هذا الموقف، ولكن من واجبنا ككتّاب أن نحذّر، ونرفع أصواتنا، ونشهر أقلامنا الحرّة، من منطلق الشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والشعب، ومن منطلق محبّة القائد والتفافنا الأمين حول العرش، ومن منطلق فهم الولاية العامة على أنها الحرص أولاً وقبل كل شيء على مصالح الوطن العليا ومن ضمنها مصلحة الشعب وأمنه وسلامه وتماسكه الاجتماعية.. فليس من الأمانة ولا من المنطق أن نتفر ّج على حكومة تلعب بالنار أو بالكهرباء وأن نسكت، فالنار التي تلعب بها لن تحرق أصابعها فقط بل ستحرق، لا قدّر الله، أصابع الوطن برمته، وسيصعب علينا إدخال الوطن في غرفة العناية المركّزة لحروق من الدرجة الأولى لأن غرف العناية ستكون عندها مغلقة بسبب تفاقم مديونيات مستشفياتنا العامة..!

جلالة الملك نرجوك أن تتدخّل فأنت صاحب الولاية أولاً وآخراً كرأس للسلطات في الدولة، فلم يعد الأمر يُحتمَل، فالشارع في حالة غليان وثوران و "طَهَقَان" برغم برودة الطقس وأجواء الثلج، وقد تتدحرج الكرة الملتهبة هنا أو هناك دون أن يكون بمقدورنا السيطرة عليها أو إيقافها..!!