facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأسد في تركيا: بحث عن الزمن الضائع؟


صبحي الحديدي
19-10-2007 03:00 AM

بشار الأسد، جالساً إلي يمين الرئيس التركي عبد الله غول، سبق ـ أو لعلّه استبق، عامداً ـ جميع ملوك وسلاطين وأمراء ورؤساء الأنظمة العربية في الإعراب عن تأييده لأيّ توغل عسكري تركي في الأراضي العراقية، بذريعة ردع حزب العمّال الكردستاني ، PKK.
ورغم إسراع عدد من نطاسيي النظام، وعلي رأسهم وزير الإعلام، إلي تنقيح أقوال الأسد أو تلطيفها قليلاً، فإنّ التصريح كان واضحاً لا يقبل الكثير من ليّ المعني أو الإفتاء في دلالته: نحن نؤيد القرارات المطروحة علي جدول أعمال الحكومة التركية في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب والنشاطات الإرهابية . وهذا الجزء من التصريح لا يقتصر علي تأييد أيّ عمل عسكري تركي داخل الأراضي العراقية (حتي قبل أن يصوّت البرلمان التركي علي تخويل الحكومة القيام بهذه الخطوة الخطيرة، لأنّ الاسد ربما ساوي في الفطرة بين هذا البرلمان ومجلس الشعب السوري، من حيث البصم الميكانيكي علي مشاريع قرارات الحكومة!)، فحسب، بل يصنّف حزب العمّال الكردستاني في خانة الإرهاب والإرهابيين.
ثمة جزء أوضح، وأكثر طرافة في الواقع: القوات التي تحتل العراق مسؤولة بالدرجة الأولي عن النشاطات الإرهابية التي تمارس فيه لأنها هي التي تسيطر علي البلاد . ولكي يصادق مجدداً علي التوصيف الذي اعتمده في لقائه مع الـ BBC قبل أيام معدودات، حين ألصق صفة الإرهابيين بجميع مرتكبي أعمال العنف في العراق (وهي الصفة التي سارعت وكالة الأنباء الرسمية، سانا، إلي تلطيفها في الترجمة العربية لأقوال الأسد، بحيث صار الإرهابيون أولئك مجرّد أشخاص !)، دعا إلي تعرية المجموعات المسلحة في العراق، التي تدعم وتحمي النشاطات الإرهابية .
معروف، بالطبع، سبب إحجام نظام الأسد عن المشاركة في مهامّ التعرية هذه، لكي لا نقول الكفّ عن دعم بعضها وحمايتها بعد تصنيعها استخباراتياً، ثمّ ردم آبار أسرارها عن طريق التصفية الجسدية إذا اقتضي الأمر (كما في مثال اغتيال الشيخ محمود قول آغاسي، أبو القعقاع ، في حلب قبل أسابيع قليلة). ما يبقي جديراً بالتأمّل في هذه التصريحات، وعلي نحو زماني مزدوج يشمل الراهن والحال قبل عقد من السنين ليس أكثر، هو موقف الأسد من حزب العمال الكردستاني تحديداً، الذي لا يقوم بأعمال عنف في العراق، بل في داخل الأراضي التركية.
الراهن هو هذا الاختزال المريع لقضية الحزب، وتقزيم المسألة الكردية في تركيا بصفة عامة، إلي تصنيفات أمنية صرفة، تحت مسمّي الإرهاب الفضفاض الذي سبق للأسد نفسه أن نافح ضدّ تعميمه (كما في تفريقه، مثلاً، بين إرهاب ومقاومة مشروعة). وأمّا ارتباط الحال الراهنة بالماضي القريب، فإنه مدعاة إلي الكثير من العجب إذا تذكّر المرء طبيعة العلاقات الوثيقة التي جمعت النظام السوري و حزب العمال الكردستاني حتي صيف 1998، أي قبل أن يتلقي حافظ الأسد تلك الرسالة القاطعة من الحكومة التركية: إمّا رفع الغطاء عن عبد الله أوجلان، الزعيم التاريخي لـ حزب العمال الكردستاني ، ثمّ طرده من جميع الأراضي السورية ومن مناطق النفوذ السوري في البقاع اللبناني، وإغلاق جميع معسكراته، وإيقاف أيّ وكلّ دعم لوجستي وعسكري واستخباراتي من جانب الأجهزة السورية؛ ثمّ، لكي لا ننسي، اتخاذ الإجراءات ذاتها مع منظمة الجيش السرّي لتحرير أرمينيا ASALA، الذي كان يحظي برعاية أمنية سورية في لبنان؛ وإمّا... الحرب العسكرية المباشرة الشاملة.
ولكي تسبغ الحكومة التركية المقدار الضروري من الجدّية علي رسالتها تلك، سارعت إلي نشر فرقة عسكرية كاملة، تساندها قوّات أخري مختلفة التسليح، علي طول الحدود مع سورية، البالغة 1347 كم. كذلك رفعت التصعيد اللفظي إلي مستوي اتهام نظام الأسد بالرغبة في استخدام مياه نهر الفرات لغسل يديه من دماء الأتراك الأبرياء ، الذين قُتلوا هنا وهناك في عمليات الـ PKK حسب الزعم الرسمي التركي. ولقد بدا واضحاً للأسد الأب ـ كلّ الوضوح في الواقع، وعلي غير عادته في إيثار الغموض وانتهاج التباطؤ حتي تتعفّن السخونة من تلقاء ذاتها ـ أنّ الرسالة لم تكن لعبة دبلوماسية، وأنّ أنقرة لا تمزح هذه المرّة، وأنّ نظامه لا يملك الكثير من الخيارات. الأحري القول أنه لم يكن يملك أيّ خيار آخر سوي تنفيذ ما يطلبه الأتراك، فانحني دون إبطاء. وللمفارقة: في مثل هذه الأيام بالذات، ولكن سنة 1998، غادر أوجلان الأراضي السورية واللبنانية إلي غير رجعة، أو بالأحري غادرها إلي أوديسة طويلة معقدة انتهت به إلي حيث يقيم الآن بالضبط: في المعتقل التركي!
والحال أنّ الأسد الأب انحني مضطراً، وصاغراً بالمعني الذي يقفز إلي الذهن عند استذكار التوتر العسكري الشديد آنذاك (بلغ الأمر، كما أشارت التقارير آنذاك، درجة قيام مقاتلات تركية بالتصدّي لطائرتين سوريتين من طراز ميغ ـ 21 كانتا تقومان بمهامّ استطلاعية من داخل الأراضي السورية). ولقد خسر، بذلك، ورقة أساسية كانت الوحيدة بين يديه في إدارة توازن من أيّ نوع مع الأتراك، أو علي الأقلّ في حيازة هامش مناورة كان محتماً أن يحتاج إليه إذا استدعت تطورات المستقبل أن يقايض الأسد أنقرة علي أيّ شيء.
الأرجح، في جانب آخر، أنّ سلسلة العوامل التربوية والثقافية الفردية والعائلية التي كوّنت شخصية الأسد الأب كانت تجعله يميل غريزياً إلي الإرتياب في الأتراك، بوصفهم أحفاد العثمانيين في المحصّلة. كذلك كانت تركيا قد ذهبت أبعد ممّا ينبغي في احتكار مياه نهر الفرات، وباشرت سلسلة من السدود التي تهدّد الأمن المائي السوري في الصميم، وهذا خطر ستراتيجي داهم لم يكن في وسع الأسد الأب مجابهته عن طريق أجهزة الأمن أو تشديد قبضة الاستبداد.
لكنّ الأسد الابن، وفي العودة إلي الراهن، ليس في هذا الوارد: لا احتساب الأوراق لأيّ احتياج مستقبلي مع تركيا، ولا الاكتراث باستمرار نضوب مياه الفرات وحال التردّي الفظيعة التي تشهدها صناعة الكهرباء جرّاء مشكلات التخزين وطاقة الاشتغال الهيدروليكي لسدّ الفرات، ولا الارتياب الغريزي في أحفاد الإنكشارية. وأوّل البراهين (الجديدة العتيقة في آن) هي صمت النظام الرسمي عن لواء الإسكندرون (الواقع شمال سورية، ويضمّ مدينتَي أنطاكية علي ضفّة نهر العاصي، والإسكندرون علي شواطيء المتوسط، وتعادل مساحته مساحة إنكلترا)، والذي كانت سلطات الانتداب الفرنسية قد سلخته عن الوطن السوري، ومنحته هبة خالصة إلي تركيا علي دفعتين، في عام 1921 ثمّ 1939.
ولقد شهدنا تكرار فصول هذا الصمت خلال زيارة بشار الأسد الأولي إلي تركيا أواخر العام 2004، حين اختصر سلخ لواء الإسكندرون في هذه العبارة: إنها مشكلة تحتاج إلي حلّ ! كذلك شهدناه خلال زيارات مختلف المسؤولين الأتراك، وعلي رأسهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، حين اكتفي وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بالقول إنّ العلاقات السورية ـ التركية تقتضي الابتعاد عن القضايا الخلافية والتركيز علي عوامل التقارب والمصالح المشتركة ! وبالطبع، الحمقي وحدهم هم الذين يمكن أن يطالبوا هذا النظام تحديداً (بطل خسران الجولان، وإعلان سقوط مدينة القنيطرة قبل أكثر من يوم علي اقتراب أوّل جندي إسرائيلي واحد من محيطها) بتحرير لواء الإسكندرون. والغلاة، وحدهم، هم الذين قد يطالبون بقطع العلاقات مع تركيا، أو عدم تطويرها، أو شطب تركيا الدولة والشعب والتاريخ، لأنها تحتلّ أرضاً سورية بغير حقّ. ولكنّ الخيانة الوطنية هي وحدها التوصيف اللائق بنظام لا يكتفي بالتزام صمت القبور تجاه التذكير ـ أضعف الإيمان! ـ بالحقّ في أرض الوطن، بل يلجأ عامداً إلي إزالة تلك الأرض من الخرائط الوطنية الرسمية، علي نحو لا يمكن أن تكون عاقبته المباشرة أقلّ من اقتلاع اللواء السليب من الذاكرة الوطنية، خصوصاً في وجدان اليافعة. وكيف لإجراء كهذا أن لا يكون تنازلاً خيانياً، وقرباناً علي مذبح استرضاء النظام للجارة تركيا، الآن وقد أخذت دوائر علاقات النظام تضيق تدريجياً، يوماً بعد يوم؟
وفي الحساب التكتيكي البسيط، أي ميزان الربح والخسارة، ما الذي يمكن أن يجنيه نظام الأسد الابن من هذا الارتماء الفاضح في الأحضان التركية؟ وهل يمكن لدولة عضو في الحلف الأطلسي، وعلي أرضها (غير بعيد عن الحدود السورية!) واحدة من أضخم القواعد العسكرية الأمريكية، وتجهد ما وسعها الجهد كي تكسب رضا الغرب لقبول عضويتها في الإتحاد الأوروبي، كما تقيم علاقات عسكرية وثيقة رفيعة (حتي إذا كانت العلاقات السياسية أقلّ حرارة هذه الأيام) مع الدولة العبرية... كيف لهذه الدولة أن تضحّي بكلّ هذه الاعتبارات الجيو ـ سياسية الكبري، كرمي لمصالح النظام السوري؟ وإذا لم تكن هذه حال تركيا، إستناداً إلي أيّ منطق بسيط وإلي كلّ المؤشرات الظاهرة للعيان، فما الذي يرنو إليه بشار الأسد إذاً؟ وسوي اللعب ضمن قواعد سادت ذات يوم، ثمّ بادت وصارت في ذمّة الزمن الضائع، ما الذي يبحث عنه؟
إجابة أولي، تصبّ في الشكل أساساً، سبق أن اتضحت في زيارة الأسد الأولي إلي تركيا أواخر العام 2004، وقال فيها إعلام النظام الكثير، وأطنب في امتداح نجاحها، وأنها بدّلت جوهرياً طبيعة العلاقات السورية ـ التركية، فانتقلت بها من معادلة المواجهة والاحتقان والتوتر إلي الصداقة والتعاون والتكامل. ما اتضح، جوهرياً، كان ابتهاج الأسد الشديد لأنّ الجيران الأتراك اتفقوا معه في أنّ قيام دولة كردية شمال العراق هو بمثابة خطّ أحمر لا تسمح أنقرة ودمشق بتجاوزه، وكأنّ هذه هي أمّ مشكلات المنطقة، وعقدة الاستعصاء في تاريخ العلاقات بين دمشق وأنقرة! إجابة ثانية، تصبّ في المحتوي هذه المرّة، تمثّلت في حرص النظام السوري علي تنفيذ حصّته من الاتفاق الأمني الثنائي، وبحماس منقطع النظير أو زائد عن الحاجة في الواقع، لأنّ أجهزة الأمن السورية سلّمت إلي الأتراك 22 مشبوهاً ـ حسب التعبير السوري الرسمي ـ كانوا يقيمون في سورية. الطريف، الذي يشكّل أيضاً وصمة عار إضافية للأجهزة السورية، هو أنّ السلطات التركية سرعان ما أطلقت سراح هؤلاء المواطنين الأتراك، لعدم وجود أدلة علي تورّطهم في أيّ أعمال إرهابية!
وأمّا الإجابة الثالثة، التي توحّد الشكل والمضمون علي النحو الجدلي المكين، وتأخذ في الآن ذاته صيغة المفارقة، فقد أتت من المقاتلات الإسرائيلية التي نفّذت الغارة في العمق السوري يوم 6 أيلول (سبتمبر) الماضي، واختارت التحليق فوق الأراضي التركية (بعلم قيادة الأركان العسكرية التركية، علي الأرجح) ليس لاستعراض العضلات بالطبع، بل لكي ترمي خزانات الوقود الفارغة في حمي الحليفة الأطلسية، تركيا! هل حالت الإتفاقية الأمنية السورية ـ التركية دون موافقة أركان الجيش التركي علي استقبال خزانات الوقود الإسرائيلية؟ وفي صيغة أخري للسؤال: هل يمكن للجارة تركيا أن تمنع المقاتلات الإسرائيلية من إلقاء المزيد من الخزانات، إذا نفّذت أية غارة جديدة في العمق السوري، حتي بعد زيارة الأسد الثانية إلي أنقرة؟
.. أو حتي بعد استباقه جميع ملوك وسلاطين وأمراء ورؤساء الأنظمة العربية في التهليل لأيّة ضربة عسكرية تركية ضدّ أكراد الـ PKK، في عمق أراضي العراق... الشقيق؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :