عمون - خاص - دارين صالح - خلق الله الإنسان ومنحه العقل والفهم ليميزه عن باقي المخلوقات وليأمر وينهي ويختار ما ينفعه ويترك ما يضره ، فيقول الله تعالى: "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون"
ولكن في السنوات الأخيرة ظهر مجموعة من علماء الشريعة استخفوا بالعقول التي كرم الله بها عباده ،فبدؤوا بإطلاق فتاوى لا تمت للمنطق بأي صلة ،وللأسف لا تعبر هذه الفتاوى إلا عن نوايا وخبايا نفوس اصحابها ،وتضع الدين الإسلامي موضع الريبة والشك والسخرية.
ما تعريف الفتوى:
الدكتور عبد الفتاح السمان استاذ وباحث في الشريعة الإسلامية عرف الفتوى ل عمون قائلا الفتوى في اللغة :اسم مصدربمعنى الإفتاء،والجمع : الفتاوى ,يقال :افتيته فتوى وفتيا , إذا اجبته عن مسألته . والفتيا :تبين المشكل من الأحكام , وفاتو إلى فلان : تحاكموا اليه وأرتفعوا إليه في الفتيا .
أما الفتوى في الإصطلاح,فقد عرفهاالعلماء بتعريفات عديدة:- قال القرافي :-الفتوى عن حكم الله تعالى في الزام أو إباحه ،وقال ابن الصلاح((قيل في الفتيا:إنهاتوقيع عن الله تبارك وتعالى)) ، وعرفها بن حمدان الحراني الحنبلي بقوله((تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأله عنه)).
وعن رأيه بفوضى الفتاوى واسباب انتشار هذه الظاهرة ، يقول الباحث هيثم محمد مروان العش (إجازة في الشريعة والقانون دبلوم دراسات عليا/ فقه مقارن):
"تحول العالم الذي نعيش فيه إلى غرفة واحدة نتيجة التطور السريع والهائل الذي حصل في وسائل الاتصال، ويلاحظ تزايد كبير في حجم المتغيرات والمستجدات، وتغير في أنماط الحياة وتأثير مباشر لثورة المعلومات وعالم الحاسوب، الذي أدّى إلى نشوء أساليب جديدة في سبيل الوصول إلى المعلومة والمعرفة.
ومسايرة للتقدم التقني في طريقة تلقي المعلومة وطلب السرعة في معرفة الحكم الشرعي في واقعة معينة نشأ ما يعرف بالفتوى الشرعية عبر وسائل الإعلام المتعددة، التي أصبح لها حضور كبير في مختلف وسائل الاتصال سواء في الإذاعة أوالتلفاز أو الشبكة المعلوماتية (الإنترنت)، ومن قِبل معظم فئات المجتمع، وأصبح لدينا كمٌ هائل من فتاوى الإعلام نتيجة تزايد هذه الوسائل وتنوعها وتعددها، ونتيجة نشوء وقائع وقضايا جديدة في حياة المسلم المعاصر، يحتاج فيها لمن يفقهه في شؤون دينه ودنياه، وبشكل ينسجم مع المتطلبات المتسارعة في حياتنا اليومية.
فأصبحنا نشاهد في بعض القنوات الفضائية من يسأل عالمًا مستضافًا في قناة تلفزيونية عن حكم شرعي يحتاج إلى تفصيل وتفريع، إلا أن العالم قد يجيب عن المسألة في بضع كلمات تبقي المشاهد في حيرة من أمره.
كما أن العديد من البرامج الدينية المخصصة لتلقي الاستفسارات الشرعية من المشاهدين، نرى فيها إجابات عن قضايا تخص القضاء الشرعي والجواب فيها يخص السائل وحده دون غيره.
ونشاهد أيضًأ عالمًا آخر في برنامج مباشر يجيب عن أسئلة شرعية لمتصلين دون مراعاة لظروف عيشهم في بلدانهم أو اطلاع على أحوالهم الخاصة فيوقعهم في الحرج.
وأما الشبكة المعلوماتية (الإنترنت) فللفتاوى فيها جانب آخر يتطلب البحث في مصداقية الموقع، وموثوقية المرجعية الفقهية، وخصوصية السائل والحساسية المحيطة بظروف الفتوى."
إرضاع الكبير:
عام 2007 كان بداية لظهور الجدل والاستنكار حول هذه الفتاوى ،عندما أصدر أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر فتوى أباح فيها "رضاعة المرأة العاملة لزميلها في العمل"، فقرر المجلس الأعلى للجامعة وقف صاحب هذه "الفتوى" عن العمل، وإحالته للتحقيق ، واعتبرت هذه الفتوى منافية لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتخالف مبادئ التربية والأخلاق ...
ضرب الزوجة لزوجها:
وهي فتوى تبيح للزوجة الحق شرعًا في الدفاع عن نفسها إذا تعرضت لاعتداء من الزوج، فإذا ضربها زوجها ضربته مع جواز استخدام نفس وسيلة العنف لرد الضرر عنها والدفاع عن النفس ..... وعلى من يضربها زوجها أن تتعلم رياضات الدفاع عن نفسها كالكاراتيه والجودو والتايكوندو،علما ان الله سبحانه وتعالى اوصى (إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ،كما ان النبي صلي الله عليه وسلم لم يضرب زوجة له مطلقًا.
فتوى قتل الفئران:
فتوى غريبة عجيبة ،لا أصل لها بالدين الإسلامي على الإطلاق ، حيث افتى رجل دين سعودي بقتل الفئران لأنها من جنود ابليس وحذر الأطفال من الأعجاب بالشخصيات الكارتونيه من الفئران مثل ميكي ماوس وجيري ...
الأسلام آمانة في أعناقهم :
لعل أكبر إساءة سببها أصحاب هذه الفتاوى للدين الأسلامي الحنيف والمسلمين آجمعين انهم دفعوا بمجلة امريكية للسخرية منهم ومما يخرج عنهم ،مؤكدة أنهم مهتمون بأمور تافهة وهامشية لا ينتبه إليها أحد،علما ان الدين الإسلامي ارفع وارقى من كل ما نسب إليه والسبب اولا وآخيرا هذه المجموعة من المتأسلمين المستشيخين ،وعدم درايتهم الكافية ودراستهم المعمقة لآصول الدين وقوانينه
(أغبى خمس فتاوي إسلامية )عنوان ترأس مقال في مجلة “Foreign Policy” ،حيث قررت المجلة الأمريكية أن تنشر أغبي الفتاوى حسب رأيها والتي أصدرها العلماء المسلمون في العالم كله. واعتمدت على مقياس الغباء حسب تحجر الفتوى أو عدم توافقها مع روح العصر، ومدى مساهمتها في تأخر الإسلام والمسلمين ،ومن هذه الفتاوى:
فتوى ارضاع الكبير التي تحدثنا عنها سابقا.........
فتوى ممارسة الجنس بالملابس الرسمية:
وهي فتوى أصدرها الشيخ رشاد حسن خليل عميد كلية الشريعة الأسبق بجامعة الأزهر ،وهي فتوى تبيح ببطلان زواج أي رجل وامرأة يخلعان ملابسهما تماماً أثناء ممارستهما للنكاح، وكانت هذه الفتوى سبباً في ثورة كل أصحاب العقول في مصر والعالم العربي. وسعياً منه لامتصاص الانتقادات الموجهة إلي الأزهر، توصل عبد الله مجاور، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر إلى حل وسط من وجهة نظره ، قال أنه يحل للرجل أن يرى زوجته عارية، وإن كان النظر إلي عورتها مكروه، ويفضل أن ينكح المسلم امرأته تحت غطاء!
فتوى البوكيمون:
أصدرتها اللجنة العليا للبحوث العلمية والشريعة الإسلامية في السعودية، التي رفضت «سيطرة» حلقات الكارتون اليابانية الشهيرة باسم «بوكيمون» على عقول الأطفال ، فمنعت أعلى هيئة تشريعية في السعودية، كل ألعاب «البوكيمون» في ربيع 2001، إذ كان رأي المشرعين السعوديين أن «البوكيمون» يشجع الأطفال على لعب الميسر والقمار المحرم في الإسلام، كما انه واجهة دعائية لإسرائيل حيث تحمل ألعاب البوكيمون شعار الصهيونية.
فتوى شلل الأطفال
حيث أصدر الشيوخ المحليين في قرى باكستان فتوى يحرمون فيها تطعيمات شلل الأطفال لأنها بحسب زعمهم مؤامرة من الغرب لإصابة الأطفال المسلمين بالعقم.
وعلى الرغم من أن باكستان تجاوزت تلك الأزمة، إلا أن فتوى مشابهة صدرت في نيجيريا وكانت سبباً في أن يمتد مرض شلل الأطفال إلى 12 دولة إسلامية في أقل من عام ونصف العام وإصابة أكثر من 800 ألف طفل مسلم بالشلل.
أما الفتوى الخامسة حسب رأي المجلة ألأمريكية فهي فتوى إهدار دم سلمان رشدي:
وهي فتوى تبيح إهدار دم الكاتب البريطاني هندي الأصل سلمان رشدي بعد أن اعتبرت روايته «آيات شيطانية»مهاجمة للإسلام ورسوله.
صفة المتصدي للفتوى:
شرح العلامة "الآجري" في كتابه "أخلاق العلماء" صفة المتصدي للفتوى فقال: " إن من صفته إذا سأله سائل عن مسألة فإن كان عنده علم أجاب، ووجب عليه أن يسأل من هو أعلم منه أو مثله حتى ينكشف له الحق ، ويسأل مولاه أن يوفقه لأصابة الخير والحق ، وإذا سئل عن علم لا يعلمه لم يستح أن يقول لا أعلم ، وإذا سئل عن مسألة فعلم أنها من مسائل الشغب، ومما يورث بين المسلمين الفتنة استعفى منها ورد السائل إلى ما هو أولى به على أرفق ما يكون، وإن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها، وإن قال قولاً فرده عليه غيره ممن هو أعلم منه أو مثله أو دونه فعلم أن القول كذلك رجع عن قوله وحمده على ذلك وجزاه خيرًا ، وإن سئل عن مسألة اشتبه القول عليه فيها، قال سلوا غيري، ولم يتكلف مالا يتقرر عليه"
مصادر التشريع وأحقية الإفتاء:
وعن مصادر التشريع ومن يحق له بالإفتاء يقول الدكتور عبد الفتاح السمان :
مصادر التشريع عشرة والإفتاء ليست منها ولكن تستند عليها جميعا .
وليس كل عالم مفتي وكل مفتي عالم ،فيجب التفريق بين بيان الحكم والفتوى مثال ذلك بين المحامي والقاضي فالمحامي يذكر القوانين والتشريعات المتعلقة بالأمر أما القاضي فيضيف للقوانين حال المحكوم والظروف الخاصة ويختارمن القوانين مايناسب ذلك .
وعليه فالمفتي هو المجتهد الذي يعلم جميع الأحكام والعلوم المتعلقة بهذه المسألة ويضيف إليها فقه الزمان ،والمكان والإمكان ، والأولويات ، ثم يصدر حلاً تطبيقيا لاحكماً نظرياً
يقول الباحث محمد مروان العش : أنه لا يشترط شرعًا وعقلاً وواقعًا أن يكون كل عالم قد تحققت فيه شروط أهلية ومقدرة أن يُفتي الناس ويُعرّفهم بأحكام ما ينزل في حياتهم ، فقد يكون فقيهًا محيطًا بالأحكام الشرعية، ئمّ تُعرض عليه جزئيات الواقع، فلا يحسن تطبيق ما يناسب من تلك الأحكام على الجزئية المعروضة أحيانًا.
ولهذا تقرر عند المجتهدين والمفتين أن الفُتيا تقتضي تدربًا وحذقًا، بدونهما يعجز الفقيه عن النهوض بإفتاء العامة، وهذا يوجب ألا يكون خوض مجال الإفتاء إلا بعد استعداد، وبعد اجتياز مرحلة تدرّب تكسب ملكة الإفتاء والتصرف في الزاد الفقهي.
ووفق هذا يفهم قول ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين: " ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق ، فيكون عالمًا بما يبلغ صادقًا فيه، ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضي السيرة عدلاً في أقواله وأعماله متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه".
يضيف الأستاذ السمان:
لايوجد رأي شخصي في الفتوى الشرعية وإنما يستخدم المفتي قدرته العلمية على الاستفادة من جميع مصادر الشريعة وتحقيق مقاصدها ولايكون كلامه في النهاية إلا بالاستناد على مرجعية معتمدة
وللأسف فكما هو شأن جميع القوانين تكون الفكرة صحيحة والتطبيق خاطئ والمهم هنا أنه عندما تصدر فتوى لاتراعي فقه الزمان والمكان والإمكان فإنها تتسبب بالحرج للمسلمين والإسلام براء .