يشبّه رشيد الصلح العلاقة بين الاعلام والحكومة , بالعلاقة الزوجية , التي يستطيع كل طرف فيها ان يمارس تنغيصه على الاخر او ان يمنحه الراحة والاستقرار في العلاقة , فيما يرى اخرون ان العلاقة فيها تبعية تفترضها القوامة , التي تارة ما تكون للسياسي “ الحكومي “ وتارة ما تكون للاعلامي , فيما يرى المتفائلون انها تكاملية , وهذا الطرف يعرف انها ليست كذلك , فهذه هدنة مؤقتة تستهدف العودة الى مربع التسويات الهادئة في العلاقة الزوجية , حين تصبح التسويات من اجل الابناء الذين يمارسون ضغطا لإدامة العلاقة .
في الاردن انتجنا ظاهرة ثالثة او فيها فرادة نسبية , حين تبادل الاعلام كرسيّه مع السياسي فصار الاعلامي حكوميا , واستنجد الحكومي بعد تركه موقعه بزاوية صحفية تبقيه في دائرة الضوء , فكان المنتج سرياليا وعجائبيا , ولن ادخل في مقاربة الحكومي حين يلوذ بالاعلام , بل سأبقى في مناقشة جسمنا حين ينقلب على وعيه وذاته ويصبح حكوميا متزمتا, بل يكشف انه مشروع خائن للمهنة في اي لحظة يلج فيها بوابة الحكومة , ولا يخفي الوسط الصحفي والاعلامي ان اسوأ العلاقات , كانت في زمن بعض الزملاء المتوزرين او المستوزرين .
فمعظمهم استند على ارثه ومعرفته بالمشهد الاعلامي لتنفيذ اختراق حكومي للجدار الاعلامي , وزود الحكومة بكل الاسلحة اللازمة للتغلب على الاعلام او لمنح الحكومات كل القوامة , ولو انصفنا باحث او مؤرخ بمراجعة ما استنزف الزملاء الوزراء من حبر لكتابة احرف المهنية والحرية لكانت النتيجة تشابه افلام الرعب , فأكثر من اشتكى وهو صحفي كان الاشرس في اقصاء زملائه وابعادهم عن اسوار الدوار الرابع برمته وليس عن اسوار رئاسة الوزراء فقط , بل ان اسوأ القوانين واكثرها تعسّفا بحق الاعلام كان من زملاء الحرف بعد ان ذاقوا حلاوة كرسي الوزارة رغم علمهم ومعرفتهم بأنه مؤقت ولاحقا بات اقل من ترانزيت .
فمن كان قاسيا ضد الحكومة سنوات وسنوات كان اطرى من عود البان في مقعد الحكومة , ومن كان منفتحا على زملائه , صار ملتزما بنظرية الاجتناب , وهي اقسى من المنع والتحريم , فالاجتناب يمنع الطرق المؤدية الى المنع وليس تحريم المنتج نفسه , ومن دفع ثمن التدخلات الخارجية في الصحافة , مارس نفسه ضغطا اعلى من ضغط “ البريستو “ على زملائه , وصارت مهمته استرجاع الذاكرة مع المكان الذي مورس عليه الضغط فيه .
الزملاء الوزراء , لهم حسنة واحدة , انهم اثبتوا صدق مقولة الشاعر الكبير محمود درويش “ سبايا نحن في هذا الزمان الرخو , سلمنا الغزاة الى اهالينا “ , فقد كان اهالينا اشد قسوة علينا من الاخرين , ونأمل ان تخلو الحكومة القادمة من اهالينا , فقد ارهقنا ظلمهم , والاكثر , مللنا من عودتهم الى اجترار بطولاتهم المهنية والانقلاب على كراسي الحكومة لانهم غادروها .
omarkallab@yahoo.com
الدستور