أخي باسل ..

مكتوب علينا أن نغترب ونتوه ونوغل في شعاب الاغتراب بلا ذنب إلا أنانية البعض .. واحتكارهم لتفسير الولاء والانتماء والوطن...الخ. أو في-أحسن حالات حسن الظن - خطأ تفسيرهم لمعاني الوطن والانتماء والرجولة والفعل الحر...الخ. حد ذهاب بعضهم أحيانا إلى احتكار الوطن نفسه . وقد يكونوا بالمناسبة هم أقرب الناس وأدناهم؟!

بينما من يسكت عن فعلهم وهو قادر على أن لا يسكت فليس بأقل منهم مساهمة في هذا التجني المرير ..

مكتوب علينا الغربة ..

إما غربة خارج الوطن فيزيائيا بأجسادنا وعقولنا ،

أو نعيشها غربة داخله بالتهميش والتطفيش وهي الأقسى!

مكتوب علينا أن نموت أحياء ليحيا فلان وعلان..

فليعل هبل التجني والجهل .
ولنمت نحن ونضيع في صقيع الأرض وشتات البلاد؟

نموت جميعا ويحيا الوطن .. لا بأس ولا ضير .
لكن إذا كان بالإمكان أن نعيش نحن والوطن معا فما المانع ؟

ولو كان الوطن ذاته هو الذي تقتضي منا حياته ورفعته أن نغترب لأجله أو نموت لأجله لكنا متنا له سعدا واغتربنا سعداء..

لكنها أنانية الرجال الصغار الذين لا يقبلون معهم شريكا والذين لا يقبلونك إلا تابعا مطيعا أو منفيا مهمشا .

وسوى ذلك لا يقبلك .. فهذا هو حجمك ووزنك ومستواك بنظره ؟ وليس مهيئا أبدا أن يقبلك رجلا حرا لك رأي وموقف وإرادة قد تخالف بها رأيه وموقفه؟ فالوطن لا يتسع لكما معا ..والرأي إما رأيه وإما رأيه..

تعود بعضهم أنه السيد والناس تابعين .. وأن ليس للتابع رأي أو قول على قول سيده ؟

وسيندهش جدا جدا ويغضبه جدا جدا إذا كنت خارجا على هذا المتوقع والنموذج المعد لك سلفا .

فما أنت أو أنا سوى تهليلة أو تصفيقة أو زغرودة في أعراس مجدهم التليد..هذا إذا كان يرى حتى اننا نستحق مثل هذا الشرف ؟

\"ما أقسى الغربة ؟\"
\"ما أقسى أن يبرد إنسان في عز الصيف !\"

حتى أسماءنا نغترب عنها ونوشك ننساها ونستبدلها ..

ما أمهرهم في تربية واستيلاد الأعداء لهذا الوطن.. وتطفيش الأبناء ؟

وما أغلظ قلوبهم وهم ينامون ليلهم الطويل وكأننا كائنات مجهرية داس احدهم عليها وهو عابر دون أن يحس ..

وما أصبرنا وأشد التصاقنا بتراب هذه الأرض التي لا يغادرها واحدنا إلا بعد أن يكون استنفذ أكثر مما يستطيع .. ولسان حاله يقول : \"والله لولا أن اهلك أخرجوني ......\"

حتى في داخلنا تسكننا غربة ما!

لهذا نغترب نبحث عن وطن حر يسكننا.. ؟

وطن لا يشترط عليك لكي تكون محترما فيه أن تكون تابعا لأحدهم أو داخلا في حوزته .. ولا يفسر الولاء والانتماء له من خلال الدخول تحت هذا الشرط أو ذاك لهذا الطرف أو ذاك بل هو من يصوغ ويفسر معنى الولاء والانتماء له وشروطه .


وطن لا تقايض فيه رأيك وموقفك بلقمة عيشك أو يعطي فيه أحد لنفسه الحق أن يساومك هكذا مساومة دنيئة.

وطن لا يطعنك فيه -لأنه انتهازي - من طاعنت عنه يوم كنت مخدوعا فيه وتعتقد أنه يستحق .. لكنه إذ قدّر أن من يطاعنك هو الأقوى فاصطف حيث قدر .. حتى إذا انجلى الغبار عن غير ما فكر وقدر ... تسلل في جنح ما تبقى من غبار وسل خنجره من خاصرتك متخفيا وغرسه في جثة خصمك رافعا يده مهللا مباركا بالنصر المبين !

وطن لا تحتكره جهة أو فئة ..

تعارض فيه وتبقى محترما ..
أو توالي فيه وتبقى محترما ..دون ان ينتقص من حقك شيء .

وطن تنتمي له وتدافع عنه كرجل حر شريف تقول ما تراه حقت وصوابا لا كتابع أو متملق لأحد كائنا من كان أو عابر إلى الوطن من خلاله .. ودون أن تخشى أيد وأعين وألسنة حداد تسلقك في الخفاء وأنت لا تعرف أصحابها .. وتذبحك من دون أن تسيل منك قطرة دم واحدة .. وتحاربك بأساليب شيطانية لئيمة هي أقسى من حرب الحراب نفسها ..

لنا الله.

jeaad@yahoo.com