عمون - إبراهيم السواعير - في ساعتين ونصف الساعة قرأ وزير الثقافة د.صلاح جرار، صباح أمس في مركز «الرأي» للدراسات، عناوين تفرعت عن محاضرته: (الخطاب الثقافي والإصلاح في الأردن)، وهي محاضرة واقعيّة مكاشفة، قدّمه فيها مدير وحدة الدراسات في المركز الباحث هاني الشوبكي.
المحاضرة، التي حظيت بجمهور نخبوي امتدت نقاشاته إلى الواقعين السياسي والاقتصادي تحديداً، عاين فيها جرار تحولات الوطن العربي القلقة على التوصيف في مسميات الإصلاح والتغيير والتطوير والتقدم والتراجع والتفكك والثورة والانتفاضة والانقلاب والفوضى الخلاقة أو الهدامة، ليقرأ مبادرات الإصلاح التي اتجهت إلى السياسة والاقتصاد، في ظلمٍ واضح للجوانب الثقافية والعلمية والتربوية والاجتماعية وماشابه.

الحصن الأخير
جرار قال بالثقافة حصناً أخيراً للأمة، تصنع الحضارة والتقدم، وهي بمكوناتها من الآداب والفنون واللغة والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات وأنماط السلوك والمبادئ والمفاهيم، سلاحٌ شديد التأثير، يضمن تماسك المجتمع ويحقق منعته ويمدّه بأسباب القوة والطاقة والحياة.
الثقافة، التي تتعامل بحسب الوزير مع الجماليّات والرؤيا والسلوك والفكرة والرأي، تمنح الحياة جمالاً لتتخفف المجتمعات من كلّ هذا الوجوم والشقاء، فهي تتصل بروح الأمّة وضميرها وشخصيتها وهويتها وحضارتها، تقوم عليها نهضة الأمم وتتحقق بها التنمية والأمن والرفاه وسعادة الناس.
المحاضرة، التي أعلن خلالها وزير الثقافة مؤتمراً ثقافياً وطنياً شاملاً يقام اليوم في المركز الثقافي الملكي، وقف فيها جرار على واقع العمل الثقافي في الأردن، في تشابهه معه في معظم الدول الشقيقة، وهو عمل بالرغم من كثرته وتنوعه وسعة انتشاره، كما قال الوزير، ما يزال يفتقر إلى كثير من العناصر التي تمكنه من أن يضطلع بدوره في الإصلاح والتطوير والتنمية.

الشكل والمضمون
قال جرار إنّ كثيراً من هذا العمل الثقافي في الأردن يحتفي بالشكل على حساب المضمون، والاحتفالي على حساب الفكري، والعامي على حساب النخبوي، والتقليدي على حساب التأصيلي، والنمطي على حساب الإبداعي، والآني على حساب الدائم، مثلما يحتفي بالكمّ على حساب النوع والعاطفة على حساب العقل، مع أنّ أعمالاً ثقافيّةً استثناها الوزير حققت ما يرمي إليه بالرغم من وصفه لها بالأقل على مستوى الرواج.
وقف الوزير على إشكاليات الواقع الثقافي في الأردن، في كونها ليست أولويّةً وأنّ الرغيف هو الأولى أن يُتّبع، وأنّ ما تنفقه الدولة الفقر أحق به في خضم النظرة إلى الثقافة لا تعدو الرقص والغناء والكماليات. كما وقف جرار على قلة وعي المجتمع بكلّ شرائحه ونتائج العمل الثقافي بعيدة الأمد في تحقيق المردود. وقرأ قلة التنسيق بين الوزارات ذات الصلة بالعمل الثقافي، وتفكك الجسم الثقافي بوجود خلافات داخل البنى والأطر الثقافية، في ظلّ إعلام لا يهتم كثيراً بقضايا الثقافة، ومعاناة الوزارة من مطالب القطاع الثقافي والفني في التأمين والإعانات والضمان.
قال جرار إنّ محاولات القطاع الثقافي والفني لتشخيص الإشكاليات التي تواجه الثقافة هي محاولات تفتقر إلى العلمية والموضوعيّة. ووقف على جهود الأردن الإصلاحيّة الاستباقية في الفقر والبطالة ومحاربة الفساد وضبط الإنفاق وتعديل القوانين والتشريعات، مضيفاً أن غياباً للثقافة عن البرنامج الإصلاحي في الأردن، مع أن الثقافة قد تكون نتيجةً من نتائج الإصلاح.
وبعد قراءة الوزير المسار الشعبي في (الحراك)، قال إنّ أثر الثقافة في أحداث (الربيع العربي) هو أثر باهت، كما أنه في الجهود الإصلاحية في الأردن يتسم بالصفة ذاتها، مستنتجاً أنّ هذه الأحداث والجهود وضعت العمل الثقافي على المحك.
من هذا كلّه عرّف الوزير بالعمل الثقافي الذي تتبناه الوزارة، في مسار حفظها الهوية الوطنية، العربية الإسلامية الإنسانيّة، ورعايتها الإبداع، وتوجيهها الأنظار نحو الناشئة، وحرصها على ثقافة الطفل.
الإنتاج الثقافي
أيّد جرار أن ينخرط أبناء المجتمع كلّه في الأنشطة الثقافية مشاركين أو مشاهدين أو منتجين أو متلقين وأن تصبح الثقافة أوليةً فرديةً وشعبيةً ورسمية، وأن نعلي من عناصر الهوية للأمة في لغتها وعقيدتها وتاريخها وتراثها وعاداتها وقيمها ومبادئها. كما نادى الوزير بالتنسيق بين مؤسسات الدولة المعنية بالعمل الثقافي، ذاكراً وزارات مهمة، هي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والإعلام والأوقاف والسياحة والآثار العامة والبيئة. كما نادى جرار بتفعيل التشريعات التي تقضي بدعم مؤسسات العملَ الثقافي بتخصيص نسبة معينة من الأرباح له جزءاً من دعم البحث العلمي وتشجيعه.

تحولات ثقافية
وكان الباحث الشوبكي قدّم الوزير بأهمية المرحلة التي تشهدها الساحات الدولية والإقليمية والمحلية، وهذه التحولات العميقة بظهور ما يسمى(الربيع العربي)، في خضم الثورة العلمية وعالم المعلومات وانحسار الثقافات التي كانت منهجاً أو خطاباً في ما مضى. وقال الشوبكي إنّ تطلعاً موضوعياً ينبع من مسؤوليتنا نحو مفردة الخطاب الثقافي في عالمنا العربي والإسلامي. ووقف الشوبكي في كلمته على تحديد مفهوم الثقافة وبروز قيم العلم والفكر والمعرفة، في ظلّ أزمات الوطن العربي جميعها، ليقرأ مشروعاً أسماه بالخطاب الثقافي النهضوي.
الرأي