عمون - د . عامر سبايلة - بصورة مفاجئة تجد السلطة الفلسطينية نفسها في مواجهة نموذج قادم على شاكلة ما يسمى الربيع العربي. احتجاج شعبي في طور التكوين تغذيه قنوات الضخ الاعلامي حاله كحال النماذج العربية الأخرى التي سبقته. في خضم هذا المشهد وفي ظل صمت سلطة عباس ودهشتها تظهر حماس في عمان.

اخيراً تنجح قطر في فتح ابواب عمان لحليفتها حماس, في صورة تحول جذري كامل لصورة الفشل القطري السابق مع عمان في نوفمبر من العام الفائت.


مشعل في عمان

خالد مشعل في عمان بروح قطرية ودون مرافقة رسمية. حديث عن ضرورة تثبيت النظام الأردني ولعب دور وساطة بين الاخوان والدولة, يسفر عن تمخض لحالة من الشرخ في الصف الاخواني واستقطاب فريق واقصاء آخر.

فريق يثبت ان مرجعيته حمساوية وبوصلته براغماتية, فالوصول الى السلطة بغض النظر عن الاسلوب و الاداة هو الهدف. رموز اخوانية رافضة للسطوة الامنية ورافضة للحوار مع رئيس الحكومة (السلطة التفيذية) تلتقي مدير المخابرات ضمن اعتراف علني بالتراجع عن كل المطالب السابقة وقبول شكل توزيع الغنائم القادم.

وبغض النظر عن كل التأويلات و التسريبات التي يحاول بعض الكتاب والمحللين المقربين من السلطة تضليل الرأي العام بها, الا أن استقبال حماس في الأردن له معنى واحد وواضح اليوم: الموقف الأردني انحاز الى المشروع القطري, ومن يعتقد ان الموضوع يرتبط بعودة حماس الى الأردن او فتح مكتب تمثيلي لها فقط فهو مخطأ تماماً, فالموضوع أكبر من هذا بكثير و ستتطال أبعاده التركيبة السياسية في الضفة الغربية وارتداداتها في عمان.


عمان مطبخ الأحداث

مع وصول خالد مشعل الى عمان, و اطلاقه لتصريحات –بتبرع شخصي او بايعاز اردني- تشير الى تموضع حماس في خانة النظام الأردني, تبدا حقبة تموضع النظام الأردني في خانة مشروع الأسلمة ومظلته القطرية.

تحول في شكل العلاقة, حرية تنقل وعقد اجتماعات لقادة حماس و كأن الأمسً لم يكن و كلنا "ولاد اليوم".

الأخطر انه مع وصول حماس الى عمان, قررت قناة الجزيرة القطرية اطلاق شرارة تفجير الأزمة القادمة في الضفة: "عرفات مات مسموماً. الجميع اطلع على ما شاب موت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من ملامح مؤامرة, و انباء دس السم له ظهرت منذ أول يوم, و من منا لم يقرأ او يسمع عن هذه المؤامرة و طريقة موت عرفات الغامضة منذ اليوم الأول لوفاته؟ لكن اليوم بعد أكثر من ثمانية سنوات يتم نبش الموضوع بطريقة مُسيسة تهدف الى رسم صورة السلطة الفلسطينية بصورة الخائن و بدأ تسويق حماس بصورة المخلص الشريف المنتقم للحق, و هكذا يصر خالد مشعل من عمان أن يصرح بضرورة كشف حقيقة اغتيال "الشهيد عرفات."

قصة عرفات اليوم قد تمثل صورة محدثة لقميص عثمان, تأسيس للفوضى و طرح للبديل, فحماس بتسويق قطري و قبول اسرائيلي سترشح للعب دور ضابط الفوضى, و خالد مشعل يرشح الى رئاسة السلطة الفلسطينية بدلاً من الفرسي المرفوض شعبياً. لا بد من التذكير هنا أن هذه الخطوة كمرحلة ثانية للمشروع الذي بداته الجزيرة سابقاً فيما عرف يومها ب"السلطة لييكس" و الذي وقف الأردن ضده و حابى حينها سلطة عباس.


أخطاء استراتيجية أردنية

الأردن يدخل في هذا التحالف متأخراً, فالرفض السابق للدخول في هذا التحالف مثل وعياً استراتيجياً عالياً للمصلحة الأردنية العليا والمستقبلية. الأردن ينساق اليوم مع تفاقم أزمته المالية وعدم قدرته على الانقلاب على سياسته الخارجية المتحجرة والمرهونة تماماً لفريق سياسي واحد. مارست الخارجية الأردنية سياسة تضليل مستمر وعقم فكري واضح في السنوات الأخيرة, بصراحة لم يكن متوقعا من مطبخ الخارجية أكثر من هذا نظراً للحدود العقلية الضيقة التي تحكم رأس الوزارة اليوم.

فسوء التقدير و تضليل صاحب القرار كانت السمة الدائمة بدءً من الانضمام الحالم الى مجلس التعاون الخليجي الى التقدير السطحي لفوز مرسي في الانتخابات المصرية. بالرغم من كل هذا تصر الدولة الأردنية على الابقاء على هذه العقلية ضمن مطبخ القرار الأردني و ترهن قراراتها السياسية لتصورات هذا المطبخ.

مع العلم أن الزيارة الأخيرة للسعودية بدات تظهر نوع من بوادر الانقلاب على وزارة الخارجية حيث اتسمت الزيارة بطابع امني بامتياز و استثنت وزير الخارجية الذي تفنن في تضليل الدولة الأردنية و تشويه بوصلتها في السنوات الأخيرة.

على كل الأحوال دخول الأردن اليوم في هذا الحلف يعني تنازل عن حقوق سيادية أردنية جديدة مقابل خدعة الابقاء على شرعية الحكم في صورة محدثة لمرحلة ما بعد 1967 و خسارة الاردن لنفوذه في فلسطين. حيث أن الجزء الثاني من الخسارة الأردنية سيكون في سبيل ايجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية. لهذا فان مشروع الاسلمة بصورته الأردنية قد يشهد بعض الاختلافات الجزئية, ففريق الاسلاميين الذي سيتكون لن يقتصر على الاسلاميين فقط بل سيتشكل حسباً لبورصة التقاء المصالح, لهذا فالتحالفات قد تشمل عدد كبير ممن اطلقوا على أنفسهم لقب صقور حركة الاخوان المسلمين بالاضافة الى فئة كبيرة من البرجوازية الفلسطينية التي ترغب بالوصول الى السلطة بغض النظر عن التركيبة السياسية للتحالف و بعض رموز الديجيتالية الشرق أردنية. خارطة التقاء المصالح تشير الى قرب انجاز هذا التحالف و اعلانه.

تشُكل هذا الفريق سيعمل على تسريع تشكيل فريق المواجهة الذي سيضم حمائم الحركة الاسلامية المتهمين علناً بتعطيل انخراط الحركة الاسلامية في تحالفها مع الدولة. هذا التحالف الفكري دخل طور التشكيل السريع, و بلا شك فانه سيضم ايضاً مجموعة كبيرة من البيروقراطية الأردنية التي تدرك حجم خطر الدخول في مثل هذه المهاترات السياسية القاتلة, بالاضافة الى شريحة واسعة من الوطنيين المستقلين و احزاب اليسار الوطنية و حركات التحرر الاجتماعية و فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتبنى النهج المقاوم.

المهم أيضاً ان التحالف الثاني يكتسب شرعيته كونه تحالف وطني أردني بعيد عن الايديولوجية و نابع من الواجب الوطني في الحفاظ على الاردن و من المؤكد أن شعار التحالف الأهم سيكون: التعاضد الاردني في مواجهة الاستحقاقات القادمة و مجابهتها.