facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




في أنّ العلمانية ليست شتيمة


هشام غانم
10-11-2007 02:00 AM

لمْ يتعرّض مفهومٌ سياسيّ، في ديار العرب و المسلمين، للتقبيح و التشويه و التبديع (من بدعة) كما تعرّضت العلمانيّة. و مصدرُ التقبيح و التشويه و التبديع ناجمٌ – في أغلبه - عن سوء نيّة، و في أقلّه عن جهل و تعصّب؛ فكارهُ العلمانيّة هو واحد من اثنين: إمّا فاسد ٌمستفيدٌ من الوضع القائم، و إمّا متعصّب ختَمَ اللهُ على قلبه. و الأوّل، أي المستفيد من الوضع القائم، يكره العلمانيةَ لأنّها شرطٌ لازمٌ للديموقراطية. و لا ريب أنّ الفساد و الفاسدين يعيشون و ينتعشون في البيئات التي تخلو من الديموقراطية. من غير أنْ يعني هذا أنّ البيئات الديموقراطية تخلو من بعض الفساد. و أمّا كاره الديموقراطية الثاني، أي المتعصّب (الإسلاميّ غالباً)، فهو يكره العلمانيّةَ؛ بسبب فكره القائم على الايديولوجيا. و لأنّ الأخيرة ليس لديها سوى تفسير أوحد، و فكرة واحدة، ما يؤدي تالياً إلى إلغاء العقل؛ فإنّ صاحبها، (أي صاحب الايديولوجيا) يجد نفسه على نقيض قَصيّ مع العلمانية؛ فهذه تتخذّ من العقل مرجعاً و حَكَماً لإدارة شؤون البشر الدنيويّة.الهويّة
و تتركز مطاعن المندّدّين بالعلمانية على أنّ الأخيرة تدمّر «قيمنا و ثوابتنا»، و «تسلخ الأمة عن دينها»، و «تسلب منّا هويّتنا». و لكنّ المطاعن هذه، مضطربة و متدافعة و متلعثمة؛ فالقول أنّ العلمانية تدمّرّ «قيمنا و ثوابتنا» يضعنا أمام تأويليْن لا ثالث لهما: فإمّا أنّ هذه «القيَم و الثوابت» المزعومة محطّمة و مدمّرة أصلاً، و إذاً، لا خسارة في أنْ نولّيها الأدبار، و إمّا أنّ العلمانيين لديهم طاقة خرافية، يسعها تدمير و تحطيم «قيم و ثوابت» هذا الحضارة العظيمة، التي أضاءت مشارق الأرض و مغاربها ذات يوم. و أمّا «الهويّة» فهي لا تُسْتَحضَر إلا في معرض (و هو معرض بائس) شتم «العدو». و أغلب الظنّ أنّ مَنْ يتذّرعون بها هرباً من الإصلاح، لا يسعهم الرؤية إلى التحولّات التي عصفت بالعالم في الثلث الأخير مِنَ القرن المنصرم. فإذا عرفنا أنّ في عداد هؤلاء قوميون و بيروقراطيون و عشائريون و عاميّون و متمركسة؛ فهِمنا كيف تعطّل تفكيرهم و وعيهم، أو بالأحرى لاوعيهم. فالهويّة ليست معطىً ثابتاً أو جامداً، بل هي على النقيض من ذلك؛ فهي تتحرك و تتغيّر و تتبدّل و تتأثّر و تؤثّر. و ربّما كان تجميد الهويّة يعني - في ما يعني - تجميداً و تحجيراً للزمن نفسه. هكذا استنتج (أوكتافيو باث) أنّ «الانسان ليس ما هو كائن عليه؛ و إنما ما يطمح أنْ يكونه». على هذا، يسَعنا التأويل بأنّ الهويّة ابتكار متواصل، و أنّ الإنسان هو مَنْ يَخلق هويّته، بيد أنّ العكس غير صحيح. و هذا كلّه، على النقيض من زعمٍ بعثيٍّ مرتجل، مفاده أنّ الهويّة «قدَر».

ليست إلحاداً
و لعلّ الفهم (أو بالأحرى سوء الفهم) الأبرز للعلمانية هو جعلها صنوَ الإلحاد، و رفعها إلى مصاف «الكُفْر»، و هذان (أي الجعل و الرفع) إلى الخرافة أقرب؛ و ذاك بأنّ العلمانية لا تلغي الدين، و لا ينبغي لها ذلك؛ فالدين تجربة إنسانيّة كبرى و عظيمة. و ربّما كانت المفارقة الظاهرة، هنا، هي أنّ حرية الدين و الاعتقاد تتبدى – أكثر ما تتبدى – في الدول العلمانية؛ فالولايات المتحدة، التي هي قلعة العلمانية، تضمّ على أرضها جميع أديان العالم، و فوق ذلك، يُعَدّ الأمريكيون من أكثر شعوب العالم تديّناً. فالعلمانية، بما هي فصلٌ للدين عن السياسة، حصراً، تُنزّه الدينَ و تُعْليه إلى مرتبة أرفع مما لو كان ملابساً للسياسة. و هي لا تمسّ حقّ الفرد بممارسة طقوس الدين. و لا ريب أنّ في فصل الدين عن السياسة حكمة و مصلحةٌ؛ فأحكام الدّين – من وجه أول - قاطعة مانعة، لا تقبل طعناً أو استئنافاً، و هي من وجه ثانٍ - عامّة و مُلزمة، و ربما مفارِقة، و غالباً، متعالية على الأنام و «ضعفهم» المشهور؛ فهي لا تقبل تأويلاً أو تعليلاً. هكذا يغدو العقل محض أداة بليدة، هدفه شرح و تفسير النصّ الدينيّ، عوضاً عن إبداع فكر و معرفة جديدين، و هكذا يغدو «الكلام» أكثر واقعية من الأشياء؛ بل ربما يقوم «الكلام» مقامَ الواقع، و يترتّب على هذا خضوع الفكر لــ«حقيقة» مسبقة، جاهزة، ناجزة، كاملة و تامّة. و هذا كلّه قد يَصْلح تعليلاً للواقع العربي عموماً، و الأردني خصوصاً؛ فالواقع هذا، و مَنْ يتولّون «صنعه»، أشبه بحراثة في الالفاظ، فالاسم، ها هنا، أهم من الجسم. إذ نسمع تعابير و كلمات لا وجود لها إطلاقاً في العالم المحسوس و الملموس، على مثال: «الوحدة العربية»، «الأمّة»، «اليسار»، «حركات التحرّر»، «التضامن»، «القوميّة»..الخ.

«النخبة» الأردنية
و ربّما كان جديراً التذكير، أنّ العلمانية لا تمنع وصول الأحزاب الدينيّة (الإسلاميّة خصوصاً) إلى الحُكْم. فالإسلاميون الأتراك، وصلوا رئاسةَ الحكومة، و تالياً، رئاسةَ الدولة، من طريق العلمانية، و بواسطتها، و تحت سقفها. و هذه قرينة قويّة على جدوى العلمانية، و عدم تعارضها مع الإسلام (كفكر). لكنْ، في ما خصّ الأردن، ماذا فعلت «النخبة» الأردنيّة لتعزيز القيَم المدنية و العلمانيّة و الليبرالية؟ الجواب، بكثير من الثقة، لم تفعل شيئاً؛ بل ربّما كان دورها معيقاً و سلبياً. فــ«النخبة» تلك، لا تعتقد أنّ المعركتين، الثقافيّة و الاجتماعية تستحقّان الاهتمام؛ بل هي «نخبة» تحتقر الثقافة؛ لأنّ الأخيرة أفكار، و الافكار تعدّد، و التعدّد تَنوّع، و التنوع حريّة، و الحريّة تقود إلى النور و التنوير؛ و هذا ما لا يطيقه أفراد «النخبة» إيّاها؛ فهم في معظمهم مؤدلجون و «ممانعون»، و القضية الثقافية، بالنسبة لهم، تنتمي إلى «صغائر» الأمور؛ فيما هم مشغولون بالقضايا الكبرى، و هم أكبر من أنْ «يلوّثوا» أقلامهم في «السفاسف»، و الأخيرة أصغر من أنْ تسترعي انتباه أصحاب القضايا الجليلة. و الحقّ أنّ «النخبة» الأردنية لا تزعم لنفسها القدرة على التصدّي لمهمة التنوير الثقافيّ، و التحديث الاجتماعيّ؛ و ذاك بأنّها لا تعتقد أنّ هناك مشكلة أصلاً. المشكلة في نظر (أو في قلّة نظر؟) هذه «النخبة» هي مع «قوى الاستكبار العالميّ و الصهيونية»؛ فــ«العدوّ» على الأبواب، يقعد لنا مَقْعدَ الذئب المتربّص بنا ريبَ المنون. غير أنّ كلّ ما تمتلكه «النخبة» المذكورة هو مزاعم و ادّعاءات. لكنّ العاقل هو مَنْ يختبر متانة الروابط بين مزاعمه و قدراته، و مدى استواء الأمرين (المزاعم و القدرات) على مستوىً واحد. و غنيٌّ عن البيان أنّ هذا ليس في واردات تلك «النخبة» و لا في صادراتها.


hishamm126@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :