facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




"الرأي" و"الفأس" !


جواد البشيتي
15-11-2012 06:07 PM

في بعضٍ من الأمثال الشعبية، والأقوال السائرة، التي تتوارثها الأجيال، ولا يمكن نسبها إلى شخصٍ بعينه، نَعْثُر على كنوز من الفكر والمعرفة؛ ومن ذلك، المَثَل الشعبي "مَنْ لا يأكل من فأسه (أو مَنْ لقمته ليست من فأسه) لا يكون رأيه من رأسه"!

مِنَ "الفأس"، أو من أشباهه، وليس من "العقل"، أو مِمَّا يشبهه، يمكن؛ بل يجب، أنْ ننطلق ونبتدئ، فهنا يكمن ما هو في منزلة "العاصمة" في عِلْم الاجتماع.

و"الفأس"، الذي منه يبدأ كل شيء، هو "صلة".. صلتنا به، والتي قوامها (على ما يجب) أنْ نملكه، وصلته بنا، والتي قوامها، أنْ يُمَلِّكنا "لقمة العيش"، أي أنْ يُسْتَعْمَل بما يُمكِّننا من أنْ نلبِّي بأنفسنا حاجاتنا الأوَّلية والأساسية كالمأكل والمسكن والملبس.

إذا كنتَ أنتَ المالِك (القانوني والحقيقي) لهذا "الفأس"، وإذا ما استعملته بما يُمكِّنكَ من إنتاج "لقمة عيشك"، بمعنييها الضيِّق والواسع، فأنتَ، عندئذٍ، تستطيع أن تَجْعَل "رأيكَ" من "رأسكَ"، وليس من رأس غيركَ، أي تصبح من ذوي الإرادة (السياسية) الحُرَّة، أي "المقيَّدة" بقيود مصلحتكَ فحسب، وممَّن يتوفَّرون على إنشاء وتطوير الآراء والأفكار والتصوُّرات التي يحتاجون إليها هُمْ، وتشبه مصالحهم وحاجاتهم الحقيقية، وواقع عيشهم، فَكُلْ من فأسكَ الذي تملك يصبح رأيكَ من رأسكَ.

وأنتَ، في المعنى الآخر والمضاد، يكفي أن تصبح غريباً عن "فأسكَ"، وعن نتاجه، حتى يصبح "رأيكَ" غريباً عنكَ، وكأنَّ "قدركَ" هو أن تستوطن رأسكَ "آراء" هي كالريح تجري بما تشتهي سفينة غيركَ.
إذا كانت "لقمة العيش"، المتأتية من "الفأس"، في حياتنا الاقتصادية العربية، الآن، هي كناية عن كل منتوج أو بضاعة أو سلعة تلبِّي لنا، من خلال استهلاكنا لها، حاجة أساسية، أي حاجة للبقاء الفيزيائي والحضاري، فإنَّ "الفأس" هو كناية عن "الأصول"، وعن كل ما ينبغي لنا امتلاكه واستعماله قبل، ومن أجل، أنْ نُنْتِج هذا المنتوج أو البضاعة أو السلعة.

"لقمة العيش"، عربياً، هي الآن، وفي المقام الأوَّل، القمح، وسائر الحبوب، ومواد الغذاء الأساسية، والماء الصالح للشرب الآدمي، والكافي للريِّ الزراعي، والطاقة التي فيها من الاستقلال عن الخارج ما يُظْهِر ويؤكِّد حرصنا على الاستقلال القومي الحقيقي، والملبس والمسكن.

من قبل، كان لدينا "الفأس"، فَنُنْتِج به "لقمة عيشنا"؛ أمَّا الآن فأدخلوا في رؤوسنا من "ثقافة الاستثمار" ما عاد بالنفع والفائدة على مصلحتهم في انتزاع "الفأس" من يدنا، وفي مسخ وتشويه حياتنا الاقتصادية، فما عُدْنا نُنْتِج من السلع إلاَّ ذاك الذي إنْ بِعْناه لهم (وينبغي لنا أن نبيعه) امتلكنا أكواماً من "الورق"، بعضه نشتري به كل شيء تقريباً، أي كل أو معظم "لقمة عيشنا"، وبعضه نتركه عندهم، فيزدهرون بفضله اقتصادياً، أي في "اقتصادهم الحقيقي" على وجه الخصوص، ونزدهر نحن (أفراداً وشركات وحكومات) ازدهاراً "ورقياً"، فالمليون من "الورقة الخضراء" أصبح مليوناً ونصف المليون؛ وإنَّها لتجارة تغني العرب عن الصناعة والزراعة.. وسائر أوجه "الاقتصاد الحقيقي"!

نحن سكَّان "الوطن العربي الكبير" لا نملك منه إلاَّ "سطحه"، أو ما تيسَّر لنا من "سطحه"؛ أمَّا "باطنه"، حيث النفط والغاز وسائر الثروات الطبيعية، وأجواؤه، وفضاؤه، فيملكه غيرنا، وإنْ توهَّمنا، وأوهمونا، غير ذلك.
طائعون، أو مُكْرهون، أخذوا مِنَّا "الفأس"، ثمَّ حالوا بيننا وبين استعادته، فتحكَّموا في "لقمة عيشنا"، وبسطوا سيادتهم (الفعلية) على "الباطن" و"الأجواء" و"الفضاء" من "وطننا العربي الكبير"؛ وبعدما حوَّلوا "ثرواتنا الحقيقية" إلى "ثروات ورقية ونقدية"، أحكموا قبضتهم الفكرية على عقولنا الاستثمارية، فاستثمرنا جزءاً كبيراً منها؛ ولكن بما أثمر في إنتاج العشرات والمئات من أمثال "قارون"، وفي إعادة إنتاج الفقر الشعبي والقومي، والتوسُّع في إنتاجه، وكأنَّنا في تجربة تاريخية تصلح لتعليم العالم كيف يجتمع، اجتماع السبب والنتيجة، الثراء الطبيعي للوطن والفقر الاقتصادي لأبنائه، فأفقر البشر هم أبناء أغنى الأوطان (بالنفط والمعادن..).

كنَّا نُنْتِج القمح (وسائر الحبوب) والقطن.. فتعاونَّا مع القوَّة الإمبريالية "الحبوبية" العظمى في العالم على تدمير قوانا المنْتِجة للقمح وسائر الحبوب، فأصبحنا في تبعية "حبوبية" لها، سرعان ما تُرْجِمَت بتبعية سياسية، عملاً بقانون "مَنْ يأكل من غير فأسه لا يكون رأيه من رأسه".

jawad.bashiti@alarabalyawm.net
العرب اليوم





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :