لم احظ بعد بمعرفة القيادي الإسلامي د. ارحيل الغرايبة على مستوى شخصي، لكني وبالضرورة أعرفه جيداً كقيادي بارز في الحركة الإسلامية الأردنية، وله آراؤه وتصوراته المعروفة إزاء الأوضاع العامة في بلدنا جميعاً، وعليه، فأنا وكثيرون غيري، ندرك أن للدكتور الغرايبة أسبابه الجوهرية في تقديم الاستقالة أولاً من رئاسة اللجنة السياسية للحركة، ثم في المبادرة النوعية الشجاعة لتأسيس "المبادرة الوطنية للبناء"، وهي أسباب لا بد وأنه يحاول انسجاما مع خلقه الديني الرفيع أن لا يغوص في أعماقها عند سؤاله عنها، ويكتفي بمجرد التأشير إليها دون إفصاح واضح، وأظنه سيجد نفسه مضطراً لأن يفعل هو وآخرون غيره في مرحلة متقدمة، عندما يبدأ نفر ممن اعتادوا التشكيك في كل شيء ، محاولة إجهاض المبادرة الوطنية للبناء في مهدها، أو حتى محاولة عزل الدكتور الغرايبة كما لو كان منشقاً عن الحركة الإسلامية، أو ربما مناوئاً لها أو ما هو أكثر من ذلك!! "ولا حول ولا قوة إلا بالله".

في تقديري المتواضع إن "المبادرة" باتت تشكل فرصة ذهبية للحركة الإسلامية الأردنية نفسها، وللمجتمع الأردني بمجمله، لإعادة قراءة النهج السياسي العام للحركة، ليس لجهة الاتهام الذي يحتاج بالضرورة إلى دليل ملموس، ولا لجهة تقزيم الحركة وشرخها، وإنما فقط لجهة معرفة ما إذا كان هناك داخل الهيكل القيادي للحركة من له "أجندات خاصة" غير وطنية، أو هي متقاطعة مع المنهج العام للجماعة، والقائم بالكلية على مبدأ نشر الفضيلة ونبذ الرذيلة وبناء المجتمع الإسلامي الراشد الذي لا فرق فيه بين فرد وفرد آخر ، إلا بالتقوى، وبأساليب لا مكان فيها لغير الحكمة والموعظة الحسنة ولمصلحة المجتمع الإسلامي كافة!.

هكذا فرصة تتبلور الآن عملياً في وقت تشتد فيه الازمة الوطنية، وتتناثر المعلومات والإشاعات في سائر الأرجاء، ويقف فيها الوطن كله على مفترق طرق، فإما هدوء وسير على درب الإصلاح برشد وحكمة واتزان، وإما "لا قدر الله" فوضى لا أحد يريدها إلا من كان في نفسه غرض خاص يرى أن الفوضى هي سبيله إلى بلوغه!، وعندها فلا بد وأن يتحمل الجميع مسؤولياتهم أمام الله والتاريخ والحق، ليعرف العامة من أراد لبلدهم إصلاحاً يخرجه من أزمته الطاحنة، ومن أراد ببلدهم سوءاً يأخذه نحو المجهول المرعب!.

أجزم أن الدكتور الغرايبه لم يستقل ولم يبادر من فراغ أو من منطلق ذاتي ناجم عن مطمح شخصي خاص به، وإنما له قطعاً أسبابه التي نتمنى جميعاً أن يفصح عنها أكثر، لتكون في متناول الجميع، وبالدليل الملموس كي يعرف الناس الحقائق كما هي!.

نرحب بالمبادة الوطنية للبناء، ونرى فيها ابتداءً جهداً نزيهاً لا بد وأن ينخرط فيه كل غيور على المصالح العامة للشعب الأردني الواحد بكل فئاته، والعليا للوطن بسائر منجزاته ومؤسساته، ونسأل الله أن تنجح، وأن لا تضم في صفوفها أي جاهل أو حاقد أو صاحب هوى خاص، وأن تكون للأردن كله من أقصاه إلى أقصاه، وبروح دينية وطنية خلاقة حيث لا فساد ولا إفساد ولا قصر نظر أو تحيزاً أو تعنصراً يجافي تقوى الله، أو هو يوظف حقاً من أجل باطل، وللحديث بقية إن أراد الله.

وهو من وراء القصد....