تذكرني رحلة االأصلاحات في الأردن, بقصة مجموعة من الفئران التي كانت تشكو من هجمات القط عليها بين فترة و أخرى. اجتمع السادة الفئران ليفكروا بحل يؤمن لهم التنبيه لمجيء القط. و بعد نقاش طويل طرح كبيرهم و حكيمهم مقترحا لقي بهجة ما بعدها بهجة من قبل المجتمعين, و يتلخص ذلك المقترح في أن يعلقوا برقبة القط جرسا, فاذا سمعوا قرعه سارعوا بالأختباء. و بعيد الفرح و الأبتهاج, و الشعور بأن الأزمة قد حلت, سأل أحد العقلاء سؤالا قلب الأفراح الى أتراح, و كان ذلك السؤال, من يعلق الجرس؟

و نحن في الأردن, كل يوم نقيم الأفراح و الليالي الملاح و نطلق الأعيرة النارية في الهواء ابتهاجا باننا قد وضعنا خطة متكاملة للاصلاح... و لكن من المحزن أننا الى الان , ورغم أن كل أردني قد اضطلع على مؤتمرات الفئران هذه, و التي انتهت بالحيرة في الاجابة عن "من يعلق الجرس"؟

و هنا و حتى نكون أمناء , و أصحاب ضمير , و مقرين باسناد الفضل الى أهله, نقول ان جلالة الملك قد وضع كل الرؤى و التصورات و الاستشرافات أمام كل أردني, ثم وضع كل مسؤول في الدولة أمام مسؤولياته, و بين لكل منهم الدرب و الطريق التي يجب أن يسلكه, الا أن ما هو واضح أن هناك صمما و "طرما" و عمى قد أصاب أولئك الموكول اليهم تنفيذ الأمر, و مما يثير الشك و الريبة أنهم يسعون, و بكل جد و عن سبق اصرار و ترصد, الى افشال كل الطروحات الملكية لأن في تنفيذها, وهذا صحيح, تدميرا لمشاريع الفساد و التكسب التي يسعون الى الاستمرار فيها, و العيش في ظلال ما تدره عليهم.

و مما يثير الألم أنك تسمع من مسؤول كبير جدا على مستوى رئيس وزراء, يبرر عدم محاسبة بعض الفاسدين الكبار بحجة نقصان الأدلة!!!! يا سيدي الرئيس, لا يخفى على أحد أن فاسدينا و "حراميينا" قد أصبحوا خبراء في اخفاء اثار أقدامهم, وأنت تعرف ذلك! فأليس أن نطبق مثلا مبدأ " من أين لك هذا" لتتبع السارقين؟ و أليس في تطبيق هذا المبدأ مدخل لمعرفة المال الحرام المتأتي من الرشوات و التزوير و الأحتيال و بيع موجودات الأمة؟

ما من حراك شعبي نراه الان الا و يتحدث عن الفساد و الفاسدين و المفسدين, فلماذا نرهن أنفسنا الى نصوص جامدة تمنعنا من الحركة تحت حجج واهية, كلها ملفوفة بشرانق القانون لا يسمح, عفوا بس " يلعن أبو هيك قانون" الذي لم يعد له هم ولا وظيفة الا حماية المذنبين و الفاسدين.

يبدو أنه علينا نحن الستة ملايين أردني و نيف, أن نذهب أمام مقر الملك و نعتصم هناك, و لا نرضى أن نتزحزح حتى يتولى هو بنفسه كل الوزارات و كل الدوائر, و أن يعتمد على المؤسسة العسكرية في تسيير الأمور. و غير ذلك سنظل كل يوم نحضر صباحا و نعود مساءا و نحن نبحث " عمن يعلق الجرس"؟