في تقييم منطقي لحيثيات تكليف عبد الله النسور تشكيل حكومته الثانية، يتضح بصورة عالية الدقة أن عمر الحكومة يرتبط بمهام محددة، وليس بالمدة الدستورية لمجلس النواب (أربع سنوات).

فالنسور مكلف بمهمتين أساسيتين وثالثة ثانوية، تحرير أسعار الكهرباء والسلع، وتعديل قانون الانتخاب، وسلسلة خطوات على الملف السوري تحت غطاء قضية اللاجئين واستحقاقاتها وتبعاتها.

هذه المهام الثلاث للحكومة، وغيرها مجرد تفاصيل هامشية ليست جوهرية، والمطلوب من النسور الآن ممارسة كل "حيله" للمرور من مأزق الثقة النيابية، التي يعتقد أنها ستكون غاية في الصعوبة نظرا لردة فعل شريحة واسعة من النواب على التشكيل الحكومي.

النسور، وفقا لتقديرات، سيسمع نقدا نيابيا استثنائيا في جلسات مناقشة الثقة، لكنه في محصلتها سيحصل على ثقة 80 نائبا تقريبا، وهو لا يطمح، أصلا، لأكثر من ذلك.. لكن تحسبا لأيّ احتمالات فأن مؤثرات عديدة ستدخل على خطة الثقة لتعين النسور على تجاوز مأزقه فيها.

أولى إشارات بدء النسور، مبكرا، تنفيذ مهامه، طلبه في سياق لقاء الهيئة المستقلة لانتخاب أفكارا ومقترحات لتطوير قانون الانتخاب، معلنا بذلك تدشين عملية تغيير القانون لاستيعاب الحركة الإسلامية في مجلس النواب المقبل.
وسيكون للنسور قنوات عديدة مع مختلف الفئات التي لها ملاحظات على قانون الانتخاب، وإن كان ليس مضطرا للتحاور معها، فهي أعلنت عشرات وربما مئات المرات ملاحظاتها على القانون وبإمكانه أن يباشر الاستجابة لهذه الملاحظات بتعديلات تقبلها كل الأطراف خصوصا تلك التي قاطعت انتخابات مجلس النواب الحالي.

فأبرز الملاحظات على قانون الانتخاب، تلك المتعلقة بالقائمة الوطنية، من حيث نسبتها للعدد الكلي لأعضاء المجلس، ونوعيتها، أهي حزبية أم وطنية، وكذلك عدد الأصوات التي يجب أن تمنح للناخب في الدائرة الفردية (المحلية).
في سياق المهمة المتعلقة بقانون الانتخاب، ستكون المهمة الثانية رفع أو ما يسمى تحرير أسعار الكهرباء وربما الماء وسلع أساسية أخرى.

مهمة الحكومة هنا ليس دراسة الرفع من عدمه، بل بكيفية تمريره، فالقرار متخذ عمليا، وواقعيا منذ أن وقعت الحكومة قبل نحو شهرين اتفاقية مع صندوق النقد الدولي لتسهيل حصول الأردن على دفعات قرض من الصندوق الذي اشترط رفع اسعار الكهرباء، وفاوضت الحكومة بعناء شديد لتأجيل إنفاذه -الرفع- إلى حزيران، أي بعد نحو شهرين.

والحكومة والأجهزة المعنية، تعكف على "تقدير موقف" لكيفية تمرير قرار رفع الأسعار، وردود الفعل الشعبية المتوقعة ، وآليات التعاطي معها لاستيعابها وضبطها بحيث لا تتوسع وتبقى منخفضة المستوى.

والنسور يعتقد أنه قادر على تمرير حزمة الرفع بالقياس على قرار سابق اتخذه برفع أسعار المحروقات، وهو القرار الذي أثار ردود فعل لكنها بقيت بمستوى تم التمكن من استيعابه.. لكن هذه المرة ربما تكون تقديرات النسور مبالغا بها قليلا.

المهمة الثالثة لحكومة النسور، هي في سياق سلسلة قرارات مطلوبة في لحظة معينة ضمن "استراتيجية غير مستقرة بعد" للتعامل مع ملف الأزمة السورية وقضية اللأجئين.. فضلا عن إدارة الخلاف الأردني مع أطراف ودول أخرى حول مسار التعاطي مع الأزمة السورية.

عمليا، ملف الأزمة السورية وإدارة الخلاف الأردن مع أطراف إقليمية ودولية حيالها تمسك به أماكن أخرى (القصر والأجهزة الأمنية) وشراكة الحكومة فيه محدودة، لكنها هي الجهة الدستورية والسلطة التي تتخذ القرارات، سواء لجهة إغلاق الحدود أو منح الغطاء لإقامة منطقة عازلة في العمق السوري أو على شريط حدودي.

وفيما لا يتضح على وجه الدقة طبيعة "المقاربة" الأردنية للتعامل مع الملف السوري وتداعياته، لكن المؤكد أن الأردن يتحرك في هذا الملف بالنظر إلى سلسلة مخاوف، قوة وتاثير الإخوان المسلمين السوريين، وقوة وتأثير التنظيمات الإسلامية الجهادية وخططها المستقبلية في مرحلة ما بعد الأسد.

بتكثيف شديد، مهام النسور ستبقي حكومته لعدة اشهر، بعدها يصبح هو، وربما مجلس النواب على "قائمة الترويحات"