facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




انطفأ الضوء الأحمر


د. هاني البدري
25-04-2013 04:57 AM

كان كلما لَمَح لمعان الضوء الأحمر، شدَ من ياقته واعتدل، وثبت عضلات وجهه، ورسم ابتسامة صفراء، اكتشف منذ فترة سر الضوء الأحمر، فذهب يلاحقه أينما اتجه، وفهم أن الشعاع ينبعث فقط على قامة الكاميرا، حين تتهيأ لنقل الصورة على الهواء مباشرة، كأنه سمع هذه المعلومة من أحد برامج المسابقات في التلفزيون، فالتقطها وقرر من يومها أن يلعب مع الضوء الأحمر.

لم يخطر بباله يوماً أن يكون في مثل هذا المكان حيث الكاميرات تدور في كل الاتجاهات، لم يفكر يوماً بأهمية الكاميرا، كان أصلاً يخشاها ويتهرب منها، ويستغرب وقوف الأولاد خلف مندوب أخبار آتٍ إلى الحي لإجراء لقاءات ميدانية حول رمضان، وهم يلوحون بأيديهم ويتفننون في (مجاكرة) الكاميرا بحركات غريبة في أفواههم وعيونهم.

الآن هو في مرمى هذا الاختراع الساحر الذي هو الكاميرا، حيث لا تكاد ترمش أمامها أثناء انبعاث الضوء الأحمر، حتى تأتيك رسالة على هاتفك المحمول من صديق أو من زوجتك، أو حتى من سكرتيرتك؛ "زي القمر يا بيك.. بس ابتسم"، تلاحقك النصائح، تأخذ بها، فتصبح كالمهرج الذي يؤدي دوراً بهلوانياً أمام جمهور السيرك، لكن الكاميرا، لها سحرها أيضا، لها هذه القدرة العجيبة على التقاطك وحمل ابتسامتك وأناقتك المُبالغة للملايين.

ليس هناك من يقوى على مقاومة إغراء الضوء الأحمر، فهو نافذة الشهرة والانتشار السريع والتأثير، وهو الكفيل بأن تكون حديث المدينة, ولسان حال الناس، وبطل القصص المحكية بمبالغاتها، والشخصية الأسطورية التي لا يشق لها غبار.
الصحيح أن ذلك المسؤول زادها، فهو لا يكاد يعدل من جلسته ويرسم ابتساماته المصطنعة وايماءته، حتى يعيد الكَرة، كلما رجعت الكاميرا من جولة حول القاعة، دون ذلك الضوء يتجمد كالصنم, لا يكاد يتنفس خوفاً من مباغتة الضوء مجدداً، حتى إنه في قرارة نفسه اكتشف انه لا يُعلق، لا يُبادر الى مداخلة في عشرات المؤتمرات التي يحضرها ويرعاها منذ ان أصبح مسؤولاً، الا إذا كانت في مواجهته كاميرا يلمع ضوؤها فتفتح شهيته لمداعبة سريعة ينتقلُ بها الى التفخيم وإبراز الأناقة، ويومئ للجمهور بحركات بالغة المسرحة، ويعبر بلغة جسده عن حضور الكبار.

اعتاد المسؤولون والنواب أن ينطلقوا حين يلمحون الضوء الأحمر منبعثاً أثناء النقل المباشر، حتى أصبحت الكاميرا المحرك الوحيد لمداخلات المسؤولين في الجلسات والندوات.

حتى إن أولئك المرغمين على الحديث أمام الجمهور حين لا تتواجد الكاميرات، تراهم منزوعي الرغبة، فاقدي الإرادة. مداهَمين بالخمول والطاقة السلبية، يعدون الثواني لإنهاء تلك الخطبة الصماء التي لن يراها سوى عشرات في القاعة. أما الآخرون الذين تحالفهم الكاميرات وتلمع في عيونهم الإضاءة، فتكاد تستشعر قوة إرادتهم وهم في قمة النشاط، فيما النبرة تتنقل بين المقامات الخطابية ببراعة، كلها تمرر عبر العدسة لتشكل استعراضاً، يكون حديث المجالس وقصة المساء والسهرة حول جرأة المسؤول وقوته.

استذكرت، مؤتمراً حوارياً عام سبعة وتسعين ضم نوابا واعياناً ومسؤولين، للتباحث في تحديات خطيرة وقتها، كانت الكاميرا تسجل بعضاً من مداخلات المسؤولين، اكتشفت أن النشاط كان يدب بشكل مفاجئ كلما عاد الضوء الأحمر على العدسة، فيتسابق الحاضرون على المشاركة، ثم سرعان ما تهدأ النفوس وتغيب الحماسة حين ينطفئ.
أُنقذ المؤتمر، بأن ابقينا الضوء الأحمر منبعثاً حتى آخر لحظة، ودون توقف، فضجت القاعة بالآراء وتفتقت عبقريات بالأفكار، نجح المؤتمر وانطفأت الكاميرات.

أول من أمس انتهت جلسات الثقة، وانطفأَ الضوء الأحمر حتى إشعار آخر.

الغد





  • 1 مهرجين شعبويين ....... 25-04-2013 | 11:15 AM

    بتذكرني بياسر عرفات وخالد مشعل

  • 2 مراقب عام 25-04-2013 | 11:28 AM

    شكرا للأخ هاني على هذا المقال والذي يذكرني بما اورده لي اح الكبار بالسن قائلا " يا ولدي اتعرف لماذارجالات الجنوب مسيطرين على مفاصل الدولة الاردنية واركانها، بالمقابل تجد القلة من ابناء المناطق الاخرى رغم انهم متعلمون اكثر وحبهم للوطن اكثر ، حينها قلت له لا. فتبسم قائلا انها الكاميرا قلت وكيف قال يا ولدي اذا نظرت الى ارشيف الاردن ترى جميع من ظهر بالصور هم من يمسكون زمام الامور ويرثها بعدم ابناءهم وهكذا، والسبب جهل رجالاتنا من فلاش الكاميرا لذلك كانوا يتواروا عنها والنتيجة لم يظهروابالصور ومن

  • 3 مراقب عام 25-04-2013 | 11:36 AM

    متابعة . ومن لم يظهر بالصور اعتبر غير موالي للشريف حسين وابنه عبدالله، لذلك السبب لم يحظى هؤلاء بالمراكز المهمة الا القليل منهم كالتل والروسان والشريدة الذين كانوا اما معارضين كليا او شعراء " لذلك اؤيد كلا الاخ هاني بأن الكاميرا لها تاريخها الذي اظهر ولمع رجالات واحط اخرين.انظر الان لنشاط ..........وحبه وعشقه للكاميرا، وانظر لنوابنا ........... امام العدسات وخلف الكواليس الصورة تختلف

  • 4 صلاح 25-04-2013 | 01:39 PM

    اشكرك هاني على ما ابدعت في وصف الحالة التي نعيشها هذه الايام والاخطر في القادم.


تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :