facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الغناء الرديء ، مزاج رديء


سامر حيدر المجالي
15-01-2008 02:00 AM

خلافا للرأي الذي أدلى به الموسيقار محمد علي سليمان في برنامج خليك بالبيت ، يبدو أن قاعدة " الجمهور عايز كده " تَحْكُمُ بشكل شبه مطلق مسيرة الأغنية العربية في وقتنا الراهن ، وتتحمل المسؤولية الكاملة عن ما ينخر آذاننا كل يوم من غناء رديء وتراجع في الذوق والإحساس .الأغنية ترجمان المزاج فهي صنيعته ووسيلة إرضائه ، ولعل الفن كله كذلك ، لكنَّ الفن الغنائي الراقي كان دائما وأبدا يستمد مقومات وجوده من رحم يمده بالحياة وأسباب الإبداع ، رحم نخبوي رعى أسماء كبيرة محفورة في ذاكرة الأمة ووجدانها ، فعكس الغناء مزاج هذه النخب وارتقى برقيها .

من يقرأ " الأغاني " على سبيل المثال يجد قصصا كثيرة تتحدث عن رعاية المهدي والرشيد والأمين وخلفاء بني أمية في الأندلس لأسماء لامعة عرفت واشتهرت في بلاط الخلفاء ومجالس سمرهم ولهوهم . إبراهيم الموصلي وزرياب ودنانير أمثلة على رأس هذه القائمة ، فهم صنائع نخبوية وعلامات فارقة لا تمحى من تاريخ الأغنية العربية .

ولم يختلف الأمر أبدا في العصر الحديث مع بروز بشائر النهضة العربية منذ منتصف القرن التاسع عشر ، فعبده الحمولي مثلا كان نديم الخديوي إسماعيل ، ومحمد عبد الوهاب مشروع ثقافي تبناه احمد شوقي الذي كان يمثل مؤسسة البلاط في العصر الملكي في مصر ، وعبد الحليم حافظ كان الطفل المدلل لثورة يوليو والناطق الفني باسمها ، ومحمد عبده وطلال مداح هما رعاية محضة لأمراء البيان في الجزيرة العربية ، حتى كاظم الساهر باعتباره إلى حد ما علامة فارقة في زمننا هذا ، كان أيضا مشروعا تبناه نزار قباني ومن كلمات قصائده حقق قفزته الهائلة .

هذه أمثلة فقط تبين ارتباط الفن الراقي بمؤسسات الحكم والثقافة ، وكلامنا لا ينفي طبعا وجود الجيد والرديء في كل زمن من الأزمان ، ولا ينفي كذلك تجليات الفن الشعبي والثقافة المنقولة شفهيا . لكننا إن أردنا أن نتحدث عن الغناء الحقيقي الذي يبقى خالدا ويشيد مدارس متميزة عطاء وإبداعا ، فلن نستطيع أن ننكر دور النخب وتأثيرها في مسيرة المطربين الكبار ودعم الفن الجميل .

فما هذا الذي يحصل اليوم ؟ ولماذا انحدر المستوى فباتت الأغنية العربية مسخا تعبيريا لا مضمون فيه ولا جمال ؟

لقد أحدثت التكنولوجيا الرقمية ومن قبلها بقليل تكنولوجيا الكاسيتات والبث الفضائي نقلة نوعية جعلت جمهور الأغنية الذي يفرض مزاجه على مسيرتها ويرفع هذا النوع من الفن ويخفض ذاك ، جعلته جمهورا من نوع جديد لا يمت إلى النخبة بصلة ولا يعرف عن فن الكلمة واللحن شيئا ذا بال .

أصبحت الأغنية صنيعة شركات الإنتاج التي هي بدورها صنيعة المبيعات اليومية للسي دي ورسائل أل SMS ومداخيل الحفلات الجماهيرية الصاخبة وإعلانات الرعاة والداعمين . شركات الإنتاج هذه عبارة عن مؤسسات ربحية تمارس عملا محترفا يُجري في آخر الموسم عملية تقيمية لحجم المبيعات والمدخول والربحية الصافية ، وبالتالي فان عملية التقييم محكومة بالناحية المادية فقط ولا شيء غيرها ، والمادة هذه مصدرها جيب العامة وبالذات المراهقين منهم ، فأصبحوا بهذا المعنى هم الحضن والرحم ومصدر الدعم ، فمزاجهم هو المزاج المسيطر الذي يقيم الأغنية ويقرر نجاح المطرب الفلاني أو فشله . ولكم أن تتخيلوا متطلبات هذه الأمزجة وأي نفاق يمارس من اجل إرضائها ، وأي ترد تعيشه الأغنية والفن كله .

العملية متكاملة ، وهي لهاث مستمر نحو تحقيق أقصى ربحية ممكنة على حساب الفن الحقيقي والإبداع و الأخلاق واحترام الجمهور . انه فن لا يخاطب إلا جانبا واحدا من الحواس ، الجانب الذي ينفذ مباشرة إلى الغريزة ، فيصنع نجوما مكررين يشبهون بعضهم في كل شيء .. في عريهم وطريقة كلامهم وغنجهم وأفكارهم التي يخاطبون بها جمهورا غائبا عن الوعي . جمهورا يدفع في إحدى الدول العربية أكثر من 20 مليون دولار في ليلة واحدة ، كي يصوت لنجمته المفضلة ويمكنها من الفوز باللقب الذي أهلها في اليوم التالي لإصدار سي دي جديد لا يوجد فيه شيء مميز إلا المساحة الشاسعة المكشوفة من رأسها حتى قدميها ، مرورا بفخذيها اللاحمين .

قديما قال الشاعر : والأذن تعشق قبل العين أحيانا ، ربما علينا أن لا نؤمن بهذه النظرية بعد اليوم لأن الأذن العربية لم تعد تسمع إلا قهقهات وآهات وغنوجات من النوع المغلف بالسليكون ، نوع تستوي فيه الأذن العاشقة والأذن البهيمية فلا يبقى من الفن إلا اسمه ومن الثقافة إلا قشورها .

samhm111@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :