facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قاع المدينة


جهاد المنسي
30-10-2013 02:46 AM

كلما هزني الشوق، ومن دون تفكير، أراني يمّمت وجهي نحو قاع المدينة؛ وسط عمان، حيث مطعم هاشم ومقهى السنترال وحلويات الشباب، ومطعم القدس، وكشك الثقافة العربية.. وغيرها من الأماكن التي تختزن الذاكرة لها حكايا وقصصا ووجوها.

هناك، أستعيد جزءا من الماضي، عندما كان للمكان معنى ورونقا ومضمونا؛ عندما كان يجتمع في المقهى عينه الصحفي والكاتب والسياسي والمثقف والشاعر والفنان والحزبي والموظف، يتبادلون أطراف الحديث في قضايا شتى، يجمعهم المكان والمضمون والقصة والهم.

أسير في وسط البلد، أقلب يافطات المحال التجارية، وأشخص بنظري نحو زوايا كان لي في كل ركن فيها علامة. أتفحص مقهى السنترال، ومقاهيَ أخرى كانت تجمعنا فيها حلقات نقاش مع رفاق، بعد يوم عمل شاق؛ فنغوص في السياسة، ونتجادل في الثقافة والفن والمجتمع.

نختلف أحيانا كثيرة، ونتفق أحيانا، ثم في نهاية المطاف لا بأس بلعبة ورق نغيّر بها جو الجلسة قليلا. ورغم ذلك، يبقى في الركن أصحاب مصممون على مواصلة النقاش والحوار.

أتفحص مطعم هاشم، وأراني من حين لآخر أحرص على اصطحاب عائلتي إليه، لكي أبقى قريبا من زوايا قاع المدينة. وأشاهد الجموع تسير في اتجاهات مختلفة كما في كل مكان، ولكني أشعر أنني هناك أكثر قدرة على قراءة وجوه الناس بوضوح، وأكثر ملامسة لهمومهم وشجونهم، وأكثر قدرة على مشاهدة المقتدر والفقير ومتوسط الحال، والعامل والمحامي والطبيب والصيدلي والصحفي والسائق والموظف وعامل الباطون والنجار والحداد والمزارع والبائع، كلهم يمكنك أن تراهم يسيرون في قاع المدينة.

اعترف أنني لم أعد أرى متفائلين كثرا يسيرون في المكان، لا فرق بين غنيهم وفقيرهم، بين العامل والطبيب؛ فكلهم متجهمو الوجوه. وحتى التجار وميسورو الحال باتوا أكثر تجهما من ذي قبل.

وجوه المارة شاردة، تبحث في الأفق عن حلول لمشاكل تعكّر صفو الحياة، فتجعلهم دوما شاردي الذهن والتفكير، يبحثون عما يسد رمق أطفال صغار، ويتبصرون كيف سيوفرون أقساط الجامعة للكبار، وإيجار البيت لصاحبه، وحاجات المنزل لربة البيت.

لم تعد كلمة "بتتدبر" تتردد كثيرا على شفاه الناس، لأنهم يعرفون أن تلك الكلمة لم يعد لها مكان في قاموس غلاء الأسعار، ورحلة البحث عن رغيف الخبز، وأن اللحام والفاكهاني وصاحب البقالة الذين كانوا يقبلون تسجيل المشتريات سابقا على دفتر الدين حتى آخر الشهر، لم يعودوا يقبلون اليوم بتسجيل فلس واحد على ذلك الدفتر، لا بل إن كثيرا منهم أحرقه، ورفض فكرة البيع بالدين مطلقا.

في وسط المدينة، حيث القاع، يمكنك أن ترى حجم الخوف من قادم الأيام، وأن تلمس المعاناة المضاعفة التي حصلت للأردنيين من مختلف الشرائح، نتيجة ما يجري من متوالية لرفع الأسعار، وتقلص القدرة الشرائية للمواطن من مختلف الشرائح الاجتماعية.

في قاع المدينة الذي لا يبعد كثيرا عن الدوار الرابع، مقر الحكومة، تتعرف على وجوه الناس، تشعر بمعاناتهم. وقاع المدينة في عمان لا يختلف عن أي قاع مدينة أو محافظة أردنية أخرى؛ الكرك أو إربد أو السلط أو الزرقاء أو معان، حيث يعاني سواد سكانها من متوالية ارتفاع الأسعار وتدني القوة الشرائية.

الحلول الناجعة للأزمة الاقتصادية لا تعتمد بالكامل عل جيب المواطن. وتوفير رواتب الموظفين لا يعني جعل الناس يعيشون في ضنك عيش لا متناهٍ، وشرود ذهني متواصل خوفا من قادم الأيام، أو عدم القدرة على توفير الحاجات الأساسية للبيت.

مواصلة سياسة الرفع ستؤدي إلى بروز حركات اجتماعية مطلبية غير سياسية، وبالضرورة إلى بروز حركة شكوى متواصلة من قبل مكونات اجتماعية كبيرة. وفي هذا خطر قد يؤدي إلى انهيار الطبقة المتوسطة وزوالها كليا من المشهد، وهذا ما لا يريده الكثيرون منا.
(الغد)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :