facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




دولة الهجرة .. وحقوق المواطنة


بلال حسن التل
06-11-2013 01:57 AM

يحتفل المسلمون هذه الأيام بذكرى الهجرة النبوية الشريفة التي شكلت مفصلاً هامًا في تاريخ الإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، وفي تاريخ البشرية على وجه العموم. لأن الهجرة كانت إيذانًا بقيام الدولة الإسلامية التي أحدثت تغييرات جذرية في موازين القوى العالمية آنذاك، خلال أقل من عقدين من سنوات قيامها، مثلما ظلت حلماً يسعى المسلمون إلى تحقيقه من جديد على مر القرون، وهو ما نعيشه هذه الأيام، خاصة في ظل التطورات التي تشهدها بعض البلاد العربية والتي سُميت زورًا وبهتانًا «بالربيع العربي»، حيث برز صوت الحركات الإسلامية الداعية إلى تجديد دولة الإسلام، وهو ما يفرض علينا أن نستعيد النموذج الأصلي لهذه الدولة، كما أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة مباشرة، حتى لا نقع ضحايا الشطط والتطرف والتعصب باسم الإسلام، كما حدث مرات عديدة في تاريخنا. وفي هذا المجال، تبرز وثيقة المدينة التي وضعها رسول الله فور وصوله إلى يثرب كوثيقة مرجعية لشكل الدولة الإسلامية وعلاقتها بمواطنيها.

لقد حددت وثيقة المدينة المنورة التي تعتبر أول دستور مدني في التاريخ ينظم مكونات المجتمع، والدولة، أسس وقواعد الدولة في الإسلام وعلاقتها بمواطنيها؛ فما هي معالم هذه الدولة؟ وما هي الأسس والقواعد التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم للدولة؟. وأين منها دعاة الدولة الإسلامية في عصرنا الحاضر؟.

إن الجواب على هذا السؤال يستدعي منا استذكار الهجرة النبوية بمقدماتها، ونتائجها. وأولها: أن أول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن بعث إلى المدينة المنورة وقبل هجرته رجلاً يعلم الناس، ويعيد بناء قناعاتهم ومفاهيمهم، ويقنعهم بالدين الجديد، ويغير أنفسهم.. وهذا يعني ان الدولة في الإسلام تقوم على الإقناع، واحترام الرأي العام، وعلى بناء القناعات والقيم والمفاهيم، وترفض الإكراه على قاعدة «لكم دينكم ولي دين». وهذا ما أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بنود وثيقة المدينة الني نظمت العلاقة بين مواطني الدولة الناشئة.. فقد ضمنت الوثيقة لكل مواطن-بما في ذلك المشرك-حقه في حرية الاعتقاد والعبادة، وحرية الاعتقاد أهم حرية من حريات الإنسان وحقوقه كما هو معلوم.

وفْور وصوله عليه السلام إلى المدينة المنورة شرع في تنظيم دولته الجديدة، من خلال تنظيم العلاقة بين سكانها على اختلاف أديانهم وأعراقهم. وهو ما حدّدته بوضوح صحيفة المدينة المنورة التي أعلنت ولادة أول دولة في الإسلام، فكانت دولة لا علاقة لها بمفهوم الدولة الدينية التي عرفها العالم في العديد من أجزائه، وفي العديد من مراحل تاريخه. فالدولة وفق مفهوم الإسلام، وكما أسسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما بينتها صحيفة المدينة دولة سلم أهلي قائمة على أساس التسامح والتناصح والتكافل والكفاية والرعاية.

ولذلك فهي دولة تحترم التعددية العرقية، وهذا ما نفهمه من قوله عليه السلام:»بلال سابق الحبش، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس». وقبل ذلك تحترم التعددية الثقافية والدينية انطلاقًا من قاعدة «لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي» وهذا الاعتراف بتعدد الأديان في الدولة التي تقوم وفق تعاليم الإسلام كان واضحًا أبرز الوضوح في صحيفة المدينة التي شكلت دستور أول دولة للإسلام والمسلمين.

فقد أقرّت الصحيفة لغير المسلمين من مواطني الدولة الناشئة، (يهودًا ومشركين) بحقّهم في حرية الاعتقاد، وممارسة طقوسهم الدينية في معابدهم. ثم اتسع مفهوم حرية الاعتقاد عند المسلمين ليشمل بالإضافة إلى شركاء الوطن من اليهود، والمسيحيين، الصابئة، والزردشت، والهندوس، والبوذيين، والمجوس. مما يعني ان على دعاة الإصلاح من أبناء الحركات الإسلامية المعاصرة ان يعيدوا قراءة وثيقة المدينة باعتبارها أول دستور للمواطنة في التاريخ، يقوم على احترام حقوق الإنسان المكرّم أصلاً «ولقد كرمنا بني آدم». آخذين بعين الاعتبار ان أساس المفاضلة بين المواطنين هو مقياس التقوى؛ «إن أكرمكم عند الله أتقاكم». «ولا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى»، ومن مكونات التقوى البر والأمانة والإخلاص والالتزام الأخلاقي. وبذلك فإن مقياس المفاضلة الذي اعتمدته الدولة الإسلامية متاح لجميع رعاياها من المسلمين، ومن غير المسلمين، الشركاء في الوطن والمواطنة وفق التصّور الإسلامي، الذي يؤمن بوحدة الدين وتنّوع الشرائع؛ «لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة».

لذلك نظمت صحيفة المدينة العلاقة بين مواطني الدولة على أساس المساواة والمناصرة، وعلى أساس البر والنصيحة، فقد جاء فيها:»إن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم». كما اعتبرت الصحيفة كل سكان المدينة بصرْف النظر عن دينهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، فحدّدت ما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات. ولم تعتبر الصحيفة اختلاف الدين موجبًا لحرمان أحد من حقوق المواطنة.

وعلى قاعدة التعددية ضمنت صحيفة المدينة لغير المسلمين عدم التدخل في شؤونهم الداخلية، وأحوالهم الشخصية، فيما يتعلق بالقضاء. ونظّمت الوضع الجنائي بين الناس على أساس أعرافهم.

كما جعلت الصحيفة الدفاع عن الوطن مسؤولية جميع مواطنيها وإن اختلفت دياناتهم. وهو ما ورد في أكثر من فقرة من فقراتها.. فمما جاء في الوثيقة «إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة» و»إن على كل أناس حصتهم على جانبهم الذي قبلهم».

خلاصة القول: إن الدولة في الإسلام التي كانت أهم نتائج الهجرة النبوية دولة مواطنة لا تعرف التكفير، ولا التعصب، ولا الإقصاء. فأين منها ما نسمعه ونقرأه في أدبيات بعض الحركات الإسلامية المعاصرة، ونلمسه في سلوك المنتسبين إليها؟.
(الرأي)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :