facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




التشوهات الاجتماعية في "الإصلاح الاقتصادي"


د. محمد أبو رمان
24-02-2008 02:00 AM

يكمن أحد أبرز جوانب الخلل البنيوي في برنامج "الإصلاح الاقتصادي" في التسارع بتطبيق وصفات ليبرالية قاسية من دون تمكين الشريحة الاجتماعية الواسعة من المواطنين من الاندماج في التحولات الاقتصادية، ما أدّى إلى اقتصار المنافع الاقتصادية على فئة محددة صغيرة، بينما يعاني أكثر المواطنين من عدم القدرة على التكيف مع آليات السوق ومخرجاته من ناحية، وإلى استئثار عمان، من ناحية أخرى، بنصيب الأسد من الاستثمار والحركة الاقتصادية في حين تواجه المحافظات ركوداً اقتصادياً وشعوراً بالتهميش والعجز. تتبدّى الخطورة الحقيقية للآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في عملية خلق "التشوهات الاجتماعية" الواسعة بسبب عجز الطبقة الوسطى عن البقاء والاستمرار في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وستظهر الآثار المباشرة لذلك بصورة كبيرة وسافرة خلال المرحلة القادمة، بعد رفع الدعم الكلي عن المحروقات والارتفاع الفلكي في اسعار السلع والخدمات.

في العقود السابقة كانت مؤسسات الدولة تشكل حاضنةً رئيسةً للطبقة الوسطى، وصمّام أمان من البطالة والفقر. والآن مع الخصخصة واللبرلة، وبعد عقود من الضخ البشري فيها، لم تعد هذه المؤسسات قادرة على حماية أفرادها اقتصادياً من وحش الغلاء، ولا تقديم مخرج من هاجس البطالة للشباب، ولم تعد تمثِّل رافعة للطبقة الوسطى، وقد انعكس ذلك على انتشار حالة من الترهل في القطاع العام، على النقيض من الخبرة التاريخية التي كانت تشهد بتميز القطاع العام الأردني وانضباطه ومهنيته العالية.

القطاع العام، ورغم رفع الرواتب الأخير، ما يزال المتضرر الأساسي من اللبرلة الاقتصادية الحالية، التي لم تراع هذا القطاع وتطوره، ولم تحاول أن تُكيِّفه تدريجياً مع تطور مفهوم الدولة وتحولاتها، كي يكون قادراً على إعادة إنتاج وظائفه وأدواره بما يخدم المسار العام، وتقديم خدمات متميزة للجمهور. نتحدّث في هذا السياق عن قرابة (450) الف موظف، بالإضافة إلى أسرهم، وكذلك إلى المتقاعدين، ما ُيشكّل نسبة كبيرة جداً من السكان تعاني تحت وطأة الظروف الاقتصادية.

بالتأكيد ستحاول شريحة واسعة من الموظفين تجسير الفجوة بينها وبين الشروط الاقتصادية عبر أدوات ووسائل متعددة، إمّا عبر البحث عن وظيفة أخرى، وهو ما يؤدي إلى الإنهاك والتقصير في الوظيفة العامة وإهمالها، أو عبر انتشار الرشوة والفساد في المجال العام أو الاقتراض الدوري أو بيع الممتلكات العقارية مع مرور الوقت. الأهم من هذا وذاك أنّ الطبقة الوسطى التاريخية التي قدّمها القطاع العام برسم التفكك، مع موجة الارتفاع الأخيرة.

أزمة القطاع العام، وعجز شرائح اجتماعية واسعة عن التكيف مع الشروط الاقتصادية وانهيار الطبقة الوسطى، كل هذه المؤشرات الخطرة تتوازى مع بروز أزمة المركز- الأطراف بصورة واسعة، وتجذّر الفجوة الطبقية لكن على أساس جغرافي- اجتماعي، وما ينتج عن ذلك من تنامي الشعور بالحرمان وعدم العدالة في توزيع "مكاسب" معدلات النمو الاقتصادي التي يتحدّث عنها المسؤولون بصورة دائمة، وهو ما يؤدي إلى تشوهات اجتماعية ومظاهر عديدة منها بروز مجموعات متطرفة تنمو في الأطراف في رحم بؤر الحرمان الاجتماعي، في سياق هذه الشروط الاقتصادية. فهذه الحركات في حقيقتها أقرب إلى "حركات احتجاج اجتماعي"، تتقاطع بدورها مع ظواهر انحراف اجتماعي تشكل استجابة سلبية للوضع الاقتصادي.

ربما يُقدّم تقريران متميزان، نشرتهما "الغد" مؤخراً، صورة مصغّرة حول المعاناة الاقتصادية وآثارها الاجتماعية، وما لها من تداعيات مختلفة، تصيب البنية الثقافية أيضاً. التقرير الأول "متسولو الكاز صورة جديدة تضاف إلى مشهدية الفقر"، للزميل هشّال العضايلة من محافظة الكرك، والثاني "لائحة محروقات الفقراء تضم ملابس وأحذية بالية"، للزميل فيصل قطامين من محافظة الطفيلة، وتضاف إلى هذين التقريرين التقارير عن ظاهرة انتشار سرقة اسطوانات الغاز، وقد كنت كتبت سابقاً عن بروز ظاهرة "الأطفال اللقطاء"، معتبراً هذه الظاهرة انعكاساً لتطبيقات "الليبرالية المبتورة" وأحد تجليات انهيار الطبقة الوسطى.

وإذا كانت التقارير السابقة تنقل مشهداً مقلقاً للغاية عن الأوضاع الاقتصادية؛ فإنَّ ما يقلق أكثر تعليقات القراء عليها، التي تظهر على موقع "الغد الالكتروني". فوق هذا وذاك كتب مدرِّس الشريعة بجامعة الحسين، د. خالد البزايعة، مقالاً الأول من أمس (في صفحة إسلام وعصر في "الغد") بعنوان "سرقة الماء والكهرباء من منظور شرعي"، يحرِّم فيه قيام بعض المواطنين بسرقة الكهرباء والماء، ويعتبر ذلك اعتداءً على المال العام. إلاّ أنّ مقاله، الذي حظي بمستوى قراءة عالٍ وبعدد كبير من التعليقات على موقع "الغد"، لقي "سخرية" وهجوماً حادّاً من المعلّقين، الذين كتبوا ما لا أملك نشره هنا، حرصاً على أن يرى هذا المقال النور!

أسوأ ما نتج عن برنامج الإصلاح الاقتصادي أنّه وصل إلى حاجز مغلق يحول دون قدرته على بناء حالة من التوازن الاجتماعي، أو خلق فرص اقتصادية واسعة. ولأنّ مخرجات البرنامج لا تخدم سوى شريحة ضيِّقة، فإنّ الرهان على إيجاد مخارج للأزمة الاقتصادية عاد مرّةً أخرى إلى التعويل على السياسة الخارجية.

في سياق هذه القراءة؛ تبدو مقولة انتصار النخبة "الليبرالية الجديدة" على "المحافظين" (مع تحفّظي على التسميات، التي لا تعكس مؤشرات علمية بقدر ما تشير إلى حالة استقطاب سياسي داخلي) في المشهد السياسي، مقولةً غير صحيحة لا تقرأ ديناميكية السياسة بصورة صحيحة، ولا تنظر إلى "الجزء الكبير الغاطس" من القطاع العام خلف المشهد، والذي يعاني من "السياسات الليبرالية"، إذ يمثِّل هذا القطاع حاضنة التيار المحافظ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعمل ضد مصالحه الأساسية اليومية!

m.aburumman@alghad.jo





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :