facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الجوع كافر


جهاد المنسي
28-05-2014 02:56 AM

قال الكاتب التركي المبدع عزيز نيسين يوما، ذات ضيق يد "في هذا اليوم كاد يطير في السماء.. والمؤكد أن الأرض لم تكن قادرة على أن تسعه.. لقد قبض أول مرتب في حياته، بعد سنوات من التسكع والبطالة.. إنه اليوم سيبدأ حياة جديدة.. وسيودع كل حياته القديمة.. المريرة.

"لم يشأ أن يعود إلى بيته.. وقرر أن يغزو الحياة بما يملك في جيبه من سلاح.. دخل عمارة تحت التشطيب.. لكنه عندما خرج اكتشف أن مرتبه يكفي لأن يستأجر شقة فيها لمدة ساعتين.. وفي محل الثياب الجاهزة القريب منها اكتشف أن مرتبه يساوي نصف بنطلون بدلة.. أو قميصا ونصف رباط عنق.. أو حذاء من دون الرباط.. لكنه لم يشعر باليأس.. وواصل غزوه لقلب العاصمة.

"دخل مطعما كان يحلم بتناول طعامه فيه.. لكنه بمجرد أن لمح الأسعار في قائمة الطعام حتى هب من مكانه ليجد نفسه في الشارع.. فمرتبه لا يكفي إلا لتناول ثلاث وجبات هنا، بشرط أن يترك ساعة يده رهنا لباقي الحساب. وأخيرا هداه تفكيره لزيارة طبيب الأعصاب ليعالج نفسه من النوبات التي أصابته انتظارا للوظيفة.. وقبل أن يدفع بقشيشا للممرضة الحسناء عرف منها أن عليه أن يدفع ضعف ما في جيبه من مال، ثمنا للكشف وعربونا لخمس جلسات.. فالجلسة الواحدة لعلاج أعصابه تساوي ثلث مرتبه".

اليوم، وبعيدا عما وصفه التركي نيسين، جلس موظف مع زميله، وكان الشهر على مشارف الرحيل، فبدأ كل منهما يبث أوجاعه للآخر. قال الأول: السيارة بحاجة لصيانة، وهي تسير، لكن خوفي أن تخونني في أحد الايام، وتسقطني في امتحان انتظار نهاية الشهر، ولا يتبقى من الراتب ما يسعفني للوصول للميكانيكي لإصلاحها، وخاصة أننا بتنا على مشارف شهر رمضان الكريم، وما يحمله من مصاريف إضافية.

أجابه زميله الآخر، الذي كان يستمع لشكوى رفيقه، وبعد أن بدت عليه علامات الحسرة والألم: "لا تشكيلي ببكيلك"، فالمدرسة تطالبني بأقساط متأخرة منذ أمد، وما أزال أعدهم بآخر الشهر، لعل وعسى أن أستطيع أن أفي بالوعد، وتكدست في جيبي فاتورتان للكهرباء وللماء، وثالثة ضريبة مسقفات، لم تدفع أي منها، على أمل أن يكون القادم أفضل، ولكن يبدو أن القادم بعيد.

على مقربة من الصديقين، كان يجلس عامل، ارتسمت على محياه علامات الشقاء والتعب، وبدا جبينه وكأنه يحمل تعب السنين وشقاء العمر، فتجعد الوجه، وشحب الجبين، فقال بصوت خافت: "نيالكم تفكرون في إصلاح سيارتكم، وتدريس أبنائكم في مدارس خاصة، ماذا أقول أنا الذي يخونني الراتب منذ بداية الشهر، رغم أن أبنائي في مدارس حكومية، ولا أملك سيارة خاصة، والراتب عندما يقبض يذهب كل قرش لمكانه، ولا يتبقى منه ما يسد الحاجات الضرورية للحياة".

مصادفة، كان بالمكان شخص آخر يبحث عن عمل، استمع لكلام العامل وتأففه من وضعه الصعب، فهم بدوره قائلا: "يا أخي.. احكي الحمد لله، أقل ما فيها إنت ملاقي شغل، شو أحكي أنا اللي ما في جيبتي قرش أحمر، ولا أستطيع جلب طعام لأطفال جياع، ليس لهم بعد الله إلا أنا".

ترى كم شخص بيننا يفكر بالطريقة ذاتها التي تفكر بها الشخصيات السابقة؟ وكم شخص بيننا، مر عليه ما مر على بطل قصة عزيز نيسين، من ألم وحسرة، وصدمة ولوعة؟!

ترى، هل ستبقى الحكومة تشيح وجهها طويلا عن شقاء الناس وقلة ذات يدهم، وتغض البصر عن صبرهم وتعبهم، وحسرتهم وخوفهم من قادم الأيام؟ ترى هل ستبقى الحكومة تراهن على صمت الناس طويلا؟ فللصبر حدود.. والجوع كافر!
(الغد)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :