ما من شك ان الاتفاق الروسي الصيني القاضي بتزويد روسيا للصين بكميات من الغاز مع بداية عام 2018 م لمدة ثلاثين عاما بأربعمائة مليار دولار هو اتفاق غاية في الاهمية ويظهر ليس فقط حاجة موسكو لتصريف غازها والاستفادة من ثروتها بعد الاثار التي ترتبت على امدادات الغاز خلال الازمة الاوكرانية وبعد ان شارفت اوروبا على الاستغناء عنها بسبب احتمالات امداد حليفتها الولايات المتحدة بالغاز الصخري متدني الاسعار ولا بالنسبة لاهمية هذه السلعة في انتاج الطاقة في العالم بل هو مؤشر على بداية حرب اقتصادية توازي الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي سابقا والولايات المتحدة سيكون محورها الاقتصاد واساسها الغاز والنفط والذهب .

في نظرة سريعة لساحة الحرب هذه نشاهد وضعا جديدا لانتاج الطاقة في العالم وبدءا من منطقة الشرق الاوسط والذي شهد العام الماضي تطورا هاما ببدء اسرائيل انتاج الغاز من حقول في البحر والاعلان عن اكتشافات هامه بهذا المجال وتحديدها لسوقها المستهدفة والمتمثلة بدول الجوار وتركيا واوروبا في ظل توقف امدادات الغاز المصري بسبب الظروف السياسية والامنية وهو سوق ووضع يكفي اسرائيل للاستفادة من ثروة الغاز .

اوروبا تحصل على الغاز من امريكا واسرائيل ، الصين عقدت وعزمت على استيراده من حليفتها روسيا ، روسيا دولة منتجه للغاز امريكا دولة منتجة للغاز اذن اسعار الغاز سوف تنخفض الى مستويات متدنية وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على روسيا كما ان التحسن في اسعار الطاقة لصالح المستهلكين سيعمل على لجم معدلات التضخم العالمية باعتبار ان اسعار الطاقة هي اساس ارتفاع او انخفاض السلع والخدمات وهو ما سيسهم في رواج سوق الاسهم ويزيد من حجم الاستثمارات من جديد فيما سيفقد الذهب بريقه وخاصيته وتتلاشى سياسات التحوط الاقتصادية .

وباعتبار ان روسيا ثاني اكبر منتج للذهب في العالم فان كسر الذهب الى مستويات متدنية قد تصل في بعض التوقعات الى اقل من 700 دولار للاونصة سيسهم في فقدان روسيا دعم هذه السلعة ودورها في اقتصادها الراسماليالناشىء كما ان الحديث عن الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة من النفط والغاز سوف يعمل بلاشك على خفض اسعار النفط الى مستويات قياسية .

اذن الولايات المتحدة تعود الى الديار عسكريا وسياسيا وتدخلها من بوابة اقتصادية قد تهز الاقتصاد العالمي وتغير بالتالي موازين القوى الاقتصادية العالمية .

لا يمكن ان يبقى الطرف الاخر مكتوف اليدين تجاه هذا الواقع الجديد لذلك بادرت روسيا الى القبول باسعار اقل للغاز مقابل تامين حليفها التقليدي زعيم الشرق المنتظر وابلاغ اوروبا بانها لن تزودها بالغاز الى حين وصول غاز العم سام بحجة ضرورة بناء انابيب خارج الاراضي الاوكرانية ، روسيا لن تقف عند هذا الحد وسنشهد تغيرا في المجموعات الاقتصادية كمجموعة الثمان ومجمعة العشرين فالتحالفات الاقتصادية قد تسبق السياسية في كثير من الاحيان والحرب الاقتصادية الرابعة عنوان المرحلة المقبلة .