facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الإقامة في زجاجة خَلٍّ !


خيري منصور
16-09-2014 03:22 AM

تلك حكاية إنجليزية قديمة عن امرأة كانت تعيش داخل زجاجة خَلٍّ ولا تكف عن الأنين والشكوى، وذات يوم مر بها جنِّي فأشفق عليها وسألها ماذا تريد، فأجابت إنها بحاجة إلى حياة حرة في مدينة صاخبة، فحملها وذهب بها إلى لندن، وبعد شهور سألها عن أحوالها فقالت له إنها لم تعد تطيق الضجيج والإضاءة الساطعة وتحلم بأن تعيش في قرية نائية وهادئة، فحملها إلى قرية على شاطئ نهر ينام أهلها مبكراً ولا يسمع فيها غير صوت الطيور وخرير الماء.

وحين أراد الجنِّي أن يطمئن عليها عاد يسألها عن إقامتها في القرية، فكررت الشكوى ولم تنقطع عن البكاء، عندئذ حملها الجنِّي على ظهره وأعادها إلى حيث كانت تقيم في زجاجة خلٍّ!

تلك الحكاية لنا نصيب منها، فنحن ما ان تحلَّ بواكير الصيف من كل عام حتى نبدأ بالشكوى من الزحام وتحول المدينة إلى ركام من السيارات، ونتسابق للحصول على الخبز والضروريات بسبب الإقبال الشديد عليها، فنقول متى ينتهي شهر آب ويعود المغتربون وتفتح المدارس أبوابها كي تهدأ الشوارع ونرتاح من الصخب الذي يهلك الأعصاب، ولسنا بحاجة إلى جنِّي كتلك المرأة الإنجليزية كي يحملنا من مدينة إلى قرية أو العكس، فها هي بواكير الشتاء تجعل النهار مجرد ظهيرة لقصره وغداً سيقصر أكثر بحيث لا تبقى منه غير ساعات فيما يستطيل الليل وقد نشكو كما فعل امرئ القيس الذي كان يعيش في عالم بلا كهرباء ونقول معه: وليل كموج البحر أرخى سدوله..

هكذا تبدأ الشكوى من الهدوء والصمت ومن برد ثقيل الظل ولو مرَّ بنا ذلك الجنِّي لطلبنا منه أن يعيدنا إلى الصيف، وإلى الزحام والضجيج والسهر، لكنه لن يمر وانتظاره أشبه بانتظار «جودو» في مسرحية «بكيت».
فلا الصيف بصفاء سمائه وزحامه ولياليه ساطعة الإضاءة يرضينا ولا الشتاء بطول ليله ومتطلبات الدفء فيه يرضينا، وما من زجاجة خلٍّ عملاقة تتسع لنا كي نعاد إليها ونواصل الأنين من فرط الضجر.

إنه ليس ذنب الصيف أو الخريف والشتاء فاتقان الحياة هو سيد المواهب كلها وفي غيابه تصبح الحياة صوتاً ثرثاراً وحين يكون البشر شغف الحياة فإنهم يرتصون تحت شمس لاهبة أو في درجة عالية من الرطوبة كما في مدن أمريكا اللاتينية، ويسهرون في درجة برودة تتجاوز الثلاثين كما يحدث في موسكو وكندا وغيرهما.

الحكاية ليست في الفصول ولا في الهدوء أو الصخب، إنها في القدرة على العيش بمهارة كائن يستحقه!!
(الدستور)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :