facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لماذا يهجّرون؟!


د.زهير أبو فارس
14-10-2014 06:10 PM

مسيحيو الشرق .. ملح الأرض وشركاء الوطن والحضارة... لم تكن حلقات المؤامرة التي حيكت على مدار القرن الماضي ضد مسيحيي الشرق واضحة كما هي الآن. فالمسيحيون العرب الذين قطنوا هذه البلاد منذ تاريخ موغل في القدم، وشكلوا السكان الأصليين، استقبلوا الدين الاسلامي الجديد بأمل الخلاص من الاضطهاد الذي مورس ضدهم من قبل الكنيسة البيزنطية، وبخاصة بعد استيلاء هرقل- امبراطور الروم على الجزيرة وما بين النهرين، إثر انتصاره الحاسم على الفرس، ودخوله دمشق عام 629، بهدف إعادة الوحدة الدينية لامبراطوريته، بما في ذلك توحيد الكنائس الشرقية (سريان، أقباط، أرمن) مع الكنيسة البيزنطية، ودفع مسيحيو الشرق أرواحهم ودماءهم ثمن رفضهم الانصياع لرغبات هرقل.

فرابطة الدم، والنسب، واللغة، والعيش المشترك مع اخوانهم المسلمين، كانت الأقوى، سيما وأن الدين الجديد احتضنهم، ولم يناصبهم العداء، ومنحهم الأمن والأمان والحرية في ممارسة شعائرهم، والمحافظة على عقيدتهم، وكنائسهم، وأديرتهم، (العهدة العمرية – نموذج)، وكل ما له علاقة بتاريخهم وتراثهم وحضارتهم، التي ساهمت في تشكيل الشخصية الخاصة للمسيحية الشرقية، التي تمثل أحد أهم المكونات الحضارية والروحية للشرق، إلى جانب العقيدة الجديدة التي جاء بها الرسول العربي، الذي اعتبر الحرية في الايمان والمعتقد، أحد أهم الأسس التي قام عليها الدين الجديد (لا إكراه في الدين).

كما أن الاسلام، ومنذ بداية الدعوة، قام على التسامح، والمحبة، والاخوة، وحق الانسان في الاعتقاد، وكان الرهبان ورجال الدين المسيحي محل الرعاية والاحترام. والآيات القرآنية، وتوجيهات الرسول والصحابة، والخلفاء الراشدين من بعده، واضحة تجاه المسيحية واتباعها، وبذلك كانت توصي الجيوش : " إنكم ستجدون رجالاً حبسوا أنفسهم في الصوامع، فلا تتعرضوا لهم، ولا تقتلوا إمرأة ولا صغيراً ولا فانياً، ولا تقطعوا شجرة".

وفي سورة المائدة (آية 82) : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود، والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالو إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون".

ولم يكن مسيحيو الشرق العرب إلا شركاء حقيقيين مع اخوانهم المسلمين في بناء الدولة والحضارة الجديدة، القائمة على الحرية والعدل، ولم يكونوا مُلحقين، أو تابعين، أو خارج دائرة الفعل والتأثير في المجتمع، بل أبدعوا وتميّزوا في مختلف مجالات الحياة، وساهموا في كافة محطات البناء الحضاري، محافظين على عقيدتهم وتراثهم الروحي.

وقد استمر عطاؤهم واسهاماتهم الفكرية والابداعية في كافة مراحل تطور الدولة والمجتمع، ولعب العديد من الشخصيات المسيحية دوراً بارزاً في مواجهة الاستعمار
والتدخل الخارجي ضد الأمة العربية، وساهموا في إذكاء الروح الوطنية والشعور القومي للدفاع عن مصالح الأمة العليا.

ويقيناً أن مواقف المسيحيين وكنيستهم الشرقية لم ترُقْ لأعداء الأمة، وأصبحت هدفاً لاضعافها وتجريدها من دورها الحقيقي، والغاء طابعها وخصوصيتها الروحية وأصالتها، وتعبيرها الحقيقي عن التصاق مسيحيي الشرق بأرضهم ومجتمعاتهم. فهم ملح الأرض لهذه البلاد المقدسة، وهم الشركاء في الهوية التي تميّز هذا الجزء المقدس من العالم، الذي تهوي اليه قلوب المؤمنين مسلمين ومسيحيين.

من هنا، فإن المؤامرة على مسيحيي الشرق بهدف استئصالهم من جذورهم وتهجيرهم، هي، في الوقت ذاته، مؤامرة على المسلمين- شركائهم في الارض، والتاريخ، والتراث العقائدي والحضاري. فتغيير ملامح الشرق، تمهيداً للسيطرة عليه، يتطلب تفتيت وتشتيت مكوناته، ومنها المكون المسيحي الأصيل، وبالتالي، اضعافه، وانهاء رسالته وخصوصيته التاريخية والحضارية، كأحد أهم أركان كيانه الاجتماعي والوجودي بشكل عام.

ومن هنا أيضاً، يمكن فهم الأبعاد الحقيقية لمخططات الاعتداءات على المسيحيين ومنعهم من القيام بدورهم في كنائسهم، ومجتمعاتهم، وتهجيرهم، لينضموا الى اكثر من عشرة ملايين من مسيحيي الشرق المهجّرين في اوروبا وأمريكا ومختلف بقاع الأرض.

إن كاتب هذه السطور يعتقد، باننا بأمس الحاجة الى تغيير المصطلحات في خطابنا الاعلامي، فلم يعد كافياً أن نتحدث عن "التسامح" "وقبول الآخر" "والتعايش"، وما الى ذلك، فيما يخص العلاقة بين المسلمين والمسيحيين. فالمسيحيون هم إخوتنا وشركاؤنا في بناء الأوطان والحضارة، وحمل الرسالة التاريخية- رسالة المحبة، والإخاء، والخلاص، والتحرر من الظلم، واشاعة العدل على الأرض. هذه هي الرسالة المحمّدية، وهذه هي تماماً رسالة المسيح. فالمؤامرة على مسيحيي الشرق هي مؤامرة على الشرق، أرضاً، ورسالة، وحضارة.

لقد آن الاوان أن نعي جميعاً مسلمين ومسيحيين الأبعاد الحقيقية للاعتداء على المسيحيين، والعمل يداً بيد لحمايتهم، وكشف زيف مواقف المتفرجين، والمنافقين، وأولئك الذين يزرعون بذور الفرقة والفتن، والطائفية، والمذهبية بين المسلمين والمسيحيين، وكذا بين المسلمين أنفسهم. المؤامرة تكشّفت، فهل يمكن أن نرتقي الى مستوى التحديات الجسام التي تواجهنا جميعاً ؟!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :