الدولة .. و السلطة الأبوية .. *أروى الجعبري
mohammad
04-11-2014 10:14 PM
في بداية ( الربيع العربي ) و الثورات الشعبية_ مع ماله و ما عليه_ و بعد تساقط الزعماء ( الدكتاتوريين ) في تونس ثم ليبيا ثم مصر ، لفت نظري لقاء مع الكاتبة المصرية لميس أبو جابر ، و كان هذا اللقاء معها على قناة مصرية خاصة و في مرحلة انتظار تنحي مبارك عن الحكم ، و هي كما نعلم كاتبة و مؤلفة لعدد كبير من المسلسلات التلفزيونية و بشكل خاص السياسية منها و الناجحة ، في هذا اللقاء أبدت حزنها على ما تؤول إليه مصر بسبب( إنعدام الاحترام ) على حد قولها بعد الثورة بسبب إهانة أبناء الثورة _ و غالبيتهم من الشباب طبعا_ لرموز الحكم الأكبر سنا و منهم الرئيس و هم كما ذكرت بمثابة ( الأب ) و احترام الأب واجب في عاداتنا و تقاليدنا !!!!!!!
هنا كانت الكارثة : في أي دولة حديثة في عصر الأنظمة الدستورية و حقوق الفرد و و واجبات الدولة لا زلنا ننظر للحاكم أنه أب للمواطنين له ماللأب من الاحترام و الطاعة و التسامح و رضاه من رضا الله تعالى ؟؟؟؟؟ هذا الوضع للأسف في بلادنا العربية و أكد أجزم ب( فقط ) ، هذا الاستغلال لأسمى العلاقات الإنسانية ، علاقة الأب المقدسة مع أبنائه و أسرته في الديانات جميعا ، و إسقاطها على (موظف ) عند المواطن أختير لخدمة الوطن و المواطن ضمن حدود و ضوابط و قوانين عليه الإلتزام بها و معاقبته في حال الإخلال بأي منها ضمن مدة زمنية محددة تنتهي بانتهاء ولايته أو فترة حكمه ؟؟؟ و الكارثي أكثر من ذلك ، أن يصدر هذا الكلام عن مثقفين متنورين في الأدب و الثقافة و السياسة بحيث أنه من المؤكد أنهم تعرضوا _ و لو سطحيا_ للنظريات التي صاغت الفكر السياسي في القرن الثامن عشر ( قرن التنوير ) و تحديدا نظريات مونتيسيكيو و روسو و لوك و غيرهم التي أكدت على ( التعاقد الاجتماعي ) بين الحاكم و المحكومين !!!!!
هذا الإلتباس المقصود و المدسوس للمواطن العربي ، بين الحاكم و الأب ، مخزي و مخجل في عصرنا الحالي الذي تبلورت فيه الأنظمة و الرؤيا السياسية لأشكال الحكم المختلفة في أنحاء العالم بعد عقود من الثورات و النظريات و التجارب التي خاضتها الأمم من أمثال فرنسا و بريطانيا و الولايات المتحدة للوصول إلى ما وصلت إليه حاليا من أنظمة سياسية واقعية و منظمة و ثابته حافظت على سيادة شعوبها ، في حين نعود نحن قرونا إلى الوراء إلى عصر الحكم المطلق و الحاكم المستبد أو المستبد المستنير الذي تخلصت منه هذه الشعوب و الأمم ، لا بل نزيد الأمر سوءا باستغلال ما تميزت به ثقافتنا العربية أولا و الإسلامية ثانيا من احترام و برٍ للوالدين ، لنربي أبناءنا و نقنعهم بأن الحاكم هو الوالد للوطن الذي يجب طاعته و السعي لرضاه ، و هو ربُ الأسرة المحافظ على توازنها و وجودها و بدونه تسقط !!!!!!!حتى أن البعض عبر عن الفوضى الحالية في سوريا نتيجة الثورة على ظلم النظام الأسدي الدموي بالقول : ( أيها أفضل : أسرة مع رب أسرة حتى لو كان ظالما ؟ أم أن تترك الأسرة بدون أب ؟؟؟؟) و طبعا هنا الأفضل وجود الأب حتى لو كان ظالما مريضا نفسيا و مؤذيا لأبنائه و أسرته كما تعودنا في تربيتنا و بيئتنا !!!!!
الأب يا أعزائي ، هو الوطن ، بأرضه و سهوله و جباله و صحرائه و حره الشديد أو برده القارص ، بأزهاره الملونة ، أو أشواكه و صحرائه القاحلة ، الانتماء الحقيقي هو الانتماء إلى هذا الوطن الرابض منذ آلاف السنين و ليس للحاكم أو النظام الطارىء عليه و المؤقت _ مهما طال_ في تاريخه القائم منذ بداية الخليقة ، و الطاعة و الحب للأب في الأسرة بحكم رابطة الدم و الانتماء و الغريزة التي خلقها الله فينا و التي تميز علاقة الأب بأبنائه في جميع حالاتها ، في السراء و الضراء ، في الطفولة و الشباب و الشيخوخة ، و التي ينفرد بها أبنائه بالجينات التي ورثوها منه و ربطتهم به برباط أبدي ، أين الحاكم و الرئيس عادلا كان أم ظالما ، منتخبا أم متسلطا من كل ذلك ؟؟!!