facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




حبيبتي .. لم تعدّ عمّان مرابط خيلنا


23-04-2008 03:00 AM

حبيبتي .. يا من تنفس الصبح من شفتيك ، وأشرقت الشمس من جبينك ، وأزهر البنفسج على خديك ، وأينع الياسمين في وجهك ، كطفل قرُأت على رأسه ألف آية قبل أن ينام .
عندما عرفتك ، كنت شقي العيش بين آلاف الأولاد ، من ذكور وإناث ، تعساء بعضهم ، وبعضهم سعيد ، ولكنني حسبت إنني أسعدهم لأنك سرقت رمانة القلب ، وسطوت على الخيال في عقل عيوني ، فكنت ِ نهاية الأسماء وبداية الأشياء ، فنار العشق لم تكن بحاجة الى شرارة ، وهاهي قضيتنا تكاد تكتسب حكم القطيعة ، فلم يتدخل فيها القضّاء ولا القضاة ، لم يكن هناك سوى هديل الحمامة على نافذة البيت الذي لم يعد بيتنا ، بل تركناه جدار يبكي جدار ، وشارع يتحسر على شارع ، وأشجار تبكي أرضها ، وعائلات سيموت أبناء أبناءها وهم يسددون قروضها " للدكنجي " و" الطوبرجي " و" الإمنجي " و" الدكترجي " و" الجامعجي " .. والبنوك التي فتحت خزناتها تبيع لهم أوراق البنكنوت من مختلف العملات أضعافا مضاعفة وهم شباب ، حتى دب الضعف في مشيبهم ، وهم يكابدون لجمع بلاط بيوتهم ، وذرات تراب حدائقهم ، وحجارة أرصفتهم ، وأشجار بساتينهم ، ليسددوا المرابين في حارات بلدهم ، ويعصرون العرق من على جباههم ليمنحوه الى قبضايات الوصولات الذين يقبضون المال " خاوة " ، وليس لهم حق في قروش الأتاوة .. ولم يشرب "الأجاويد" من دلة قهوتهم فنجان سادة .!

حبيبتي :
لا تسألينني لماذا بقيت صامتا طيلة هذه السنين .. فأنا لا أملك جوابا سوى الصمت الهزيل ، ولكنني بقيت ألف سنة أسكن في " مغارة " لم يزرني فيها سائل ولا مسؤول ، ولم يهنئني فيها رجل منهم ولا امرأة بعيد ميلادي ، حتى خرجت ذات حزن ، يقودني قلبي الى بيتك ، فأوقفني شرطي على مدخل القصبة بتهمة عدم ربط الحزام ، وحرر لي مخالفة مقدارها خمسون ، والحجة إن الحزام يحفظ لي حياتي ، ونسي المسكين إنني بلا بطن لأضع عليه الحزام ، والحزام الوحيد الذي ملكته كنت أجلد به حماري قبل ان يموت من قلّة " العلف " ، وعاقبني من أجل حزام ، ولم أعاقبه يوما من أجل حرماني من الطعام .
أترين يا حبيبتي .. : تسكنين الصحراء دهرا كاملا ولا يتذكرك منهم أحد ، وتصرخين وجعا ، فجأة ، فيعرفك كل البشر ، فتصبحين وصمة العار ومرمى كل حجر .. فلا من يعزيك في الظلماء ولا من ينتصر .. هؤلاء هم ، ديدنهم قرشهم ، وكل تاريخك كذبة ، أمام بواخر أرزهم ، وصوامع قمحهم ، ومعامل الذهب في سوقهم ، وتجارة الحرير والحرائر والباطون .

حبيبتي :
أحبك .. رغم بكاء الأطفال على صدور أمهاتهم اللواتي جفت أثدائهن ، وابيضت عيونهن .. رغم الحسرات في عيون الشيوخ والمحاربين القدامى في بوادي البلاد وقراها القاحلة .. رغم ضياع التمر ، وضياع الجَمل وضياع القافلة .رغم انتشار الفئران في حقولنا ، وتسلل الضباع في سهولنا ، ورغم فقدنا في عزّ حاجتها ، خيولنا !
أحبك .. حتى بعد أن وقعت اتفاقية فك الارتباط بيننا ، بعد أن ألزمنا مجلس الحزن الوطني بالفراق ، بعد أن كدنا أن نكون شهداء الخبز والملح والعلاقة .. أحبك .. حتى حينما فقدنا في أوج مشاعر الحب والاحترام ، كثيرا من اللباقة .. أحبك رغم موت الكلام .. وانتحار الأحلام .. وغلاء تكاليف الابتسامة والسلام .

حبيبتي :
لن تكون عمّان مدينتي التي طارحتها الغرام عمرا أخرقا ، فكما رحل الفرح عن شفاه الثكالى ، سيرحل الفرح عن محّيا فتاك ، وسأطارد سراب الصحراء بحثا عن جيادي التي لن أجدها ، فدخان البنادق لا تعطر المكان ، فقد زرعنا العاصفة ، وسوف نحصد الزوابع .
لقد تغيرت " عماننا " كما لو إنها بدوية أضاعت أهلها ، أو ضيعوها " ربعها " وتلقفتها خيول الهكسوس الجامحة ، وخطفتها جحافل العمالقة ، فلبست ثوب البحر قبل ان يصنع بثلاثة آلاف عام ، لترقص للسلطان " ابوفيس" ليس حبا به ، ولكنه الضياع الذي أورثها خوفها ، من الرعاع الذين ركبوا الأصائل ، وجاءوا بالبدائل ، وقاتلوا الحضارة المصرية ، قبل ان تكون بابل .
.. وهاهي البيوت شاحبة .. ستبكي علي يوما ، حينما لا تجدني أحمل مكنسة لأنظف سلالمها .. ولا تسمع أرصفتها صوت مناداتي بائعا على " بسطاتها " ، وسوف يتحسر علي " كشك ابو علي " فلطالما تلصصت على كتب تعج بها أطاريف زوايا كوخه الأدبي ، وسينسى " فحل البصل " طعم فمي ، حينما كان يغازلني مع كرهي له على طاولات "مطعم هاشم " في الصباح.

حبيبتي :
إن أردت وداعي .. أو البكاء دقيقة على ذراعي .. فاسألي عني " حجاج " فأنا الثالث في الطابور خلف " ابو محجوب " على نافذة السفارة ، أحمل بيدي جوازي ، محروم يا حبيبتي من زواجي ، علني أعود من هناك بعد حفنة من سنين ، وأكون حينها " برجوازي " .. تقابلني أنسة فرنسية في المطار ، ملامحها شرقية ، وعقليتها غربية ، لتحجز لي أول عربة في القطار ، غير عابئة بتاريخي ، ولا بإرث أهلي وأجدادي ، فكيف لها ان تعرف إن تلك الأرض التي تقف عليها ، كانت مزرعة لجدي ، واليوم أصبحت مطار ، لا أستطيع حتى أن أقف عليها للإنتظار ، فالوقوف فيها حينها سيكلفني يا حبيبتي في الساعة ألف دينار ، أو خمسمائة دولار .. وسأتمنى حينها لو أنني على باب منزلكم مجرد غبار .
حبيبتي .. يا جمرا تكتوي به عيوني ، يا غرقا يحبس أنفاسي .. يا وجعا تتلذذ به أوصالي ، قولي لي ، هل تعرفين كائنا يبدل جلده كل عام ، غير الثعابين ، لعلني أريح الضمير الميت في حطامي ، وأكون ذاك الكائن الذي تبدل جلده ألف مرة قبل ان تودعين .

حبيبتي :
كل عام وأنت حرة ، كمهرة بريّة لا تطيق السرج ولا مهماز فارس .. كل عام وانت شمس وضاءة لا يخبو سناءك ، ولا يصفرّ ربيعك ، ولا تذبل الورود على وجهك البريء الجميل ، وستمر آلاف الوجوه أمام وجهك ، وتبقى عيناك شعلة الحياة عبر تاريخ الحياة الطويل .

Royal430@hotmail.com
الرسم الكاريكاتوري للفنان المبدع عماد حجاج (خاص ب عمون).





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :