أقْسَمْـتُ يـا أردنُّ أنْــتِ دَواءُ
للِقَلْبِ .. بَلْ أنْتِ اليَدُ البيْضــاءُ
ولأنْتِ أنسْـامٌ يَعُـزُّ مَثيلُهـــا
وَلِكُلَّ نفْسٍ جُرْعــةٌ وَوَقــاءُ
هَل تذكُرينَ حِكايَتي حينَ انْضـوى
قَلبي بصَفوِكِ والحبيبُ صَفاءُ ؟
والحقُّ يا أردنُّ في نَقْعِ الــرَّدى
قَدْ غاصَ قَلْبي وانْتَشى الشُّهداءُ
وانْصاعَ قَلْبي لاختلالاتِ الأسَـى
واسْتَحْكَمَتْ في خافِقــي الأدْواءُ
تدْرينَ يا أردنُّ عَنْ يُتْمـي أنــا
حينَ ارتَحلتُ وعندَكِ الأنبــاءُ
شَرِبَتْ حليبي غائـلاتٌ هاجَهــا
جَشَعُ اليهودِ كأنَّــها العَنْقــاءُ
تتذكَّرينَ وقد فُطِمْتُ عـلى النّـوَى
تَرْمي بيَ الحسرات والأنْــواءُ
ووقَفْتِ يـا أردنُّ أمَّــاً وَجْهُهــا
قَمَرٌ تُضيءُ بِحُسْنِـهِ الآنــاءُ
فَحَبوْتُ مفْطوماً على وَرْدِ الثَّــرى
وَتَنِزُّ مِن جَسَدِ الفَطيم دمــاءُ
والرِّيحُ تَلْهو في ثنايــا خَيْمَتــي
وعقاربٌ مسْمومةٌ حَمــراءُ
وَرَبَطْتِ ضمَّاداً على جُرْحِ الأسـى
وَتَنِدُّ عنيِّ صَرْخةٌ ونِــداءُ
كمْ كانَ صَعْباً يا حليمةَ مَآتمـي ..
كَمْ مَزَّقَ الصَّدْرَ الجريحَ بُكاءُ ؟
فَحَمَلْتِني هَدْهَدْتني .. وَسَمَوتِ بي
أسْكَنْتِني بيْتاً هو الجــوْزاءُ
وكما عَرَفْتِ هوى الفَطيمِ لأمَّهِ
حتىَّ ولَوْ جفَّتْ بها الأثْــداءُ
يَأوي إليْها غارقاً بِدموعِهــا
والدَّمعُ بين جفونكِ النَّعْمــاءُ
شَدَّ العَباءةَ واحْتَمى في صدْرِها
شَهِدَ الجميعُ عليْهِ والأبْنــاءُ
قالوا : أتيْنا مرْضعاتٍ للـوَرى
وتقاطَرَتْ تبْغي اليتيمَ نِسـاءُ
كلٌّ لَها صَـدْرُ يُغَـنيِّ خَيْــرُهُ
لِرَحابَهِ الوجْهِ المهيبِ رَخاءُ
سَألوهُ ما تَعْني وتلْـكَ حَرائِـرٌ
تبْغيكَ يا وَلَدي يدٌ سَعْـداءُ
من كلِّ حِضْنٍ في البلادِ حبيبـةٌ
تُزجي الهَوَى الغرَّاءُ والفَرْعاءُ
هذي تُغَني يا حبيبــي مُرَّبـي
تُبْهِجْكَ من طرفِ الغِنا الأهْواءُ
أميِّ أنــا الأردنُّ أمٌّ عْندَهــا
لْحنُ العَتابا عـزَّةٌ وإبــاءُ
مَنْ يَكْفَلُ الطِّفْلَ اليتيمَ من الضَّنا؟
مِثْل الرَّؤومِ يَشوقُها الإسْراءُ
أصْلاً أنا أميِّ أصيلة مَنْبــعٍ
أوْصافُها الحسْناءُ والشَّمَّــاءُ
لو بَلَّلتْني مـن رِضاهـا دَمْعَـةٌ
يَحْتَلُّ روحي حبُّها الوضّــاءُ
أوْ شَمَّسَتْني تحْتَ طَلْقِ عَريِنهـا
لَتَنَعَّمَتْ من صَفْوها الأرْجـاءُ


قصيدة : د. عائشة الخواجا الرازم