facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الراية .. عهد يتوطد ويتجدد


سامح المحاريق
12-06-2015 04:05 AM

تأخرت الثورة العربية الكبرى لأكثر من مائة سنة، فالشرعية العثمانية باتت متآكلة بعد الفشل المزمن في تأمين قوافل الحج، فلم يكن أحد من الحجيج الشامي الذين يتجمعون في معان يمكنه أن يضمن سلامته قبل الوصول إلى الأراضي المقدسة، القبائل البدوية كانت تعتدي على القوافل وتفرض الإتاوات وفي كثير من الأوقات تعيد القوافل بعد تجريدها الحجاج من أمتعتهم وممتلكاتهم إلى الشام دون أن يؤدوا فريضة الحج، ولذلك فإن أهل المنطقة وقفوا مع حملة ابراهيم باشا، وبعض أصحاب الحس العروبي التحقوا بجيوشه وظلوا معها حتى بعد انكسارها نتيجة التحالفات الدولية في مؤتمر لندن 1840، وبقيت المنطقة تعيش حالة من الضغط الكبير نتيجة الممارسات العثمانية، فتحولت بلاد الشام إلى مجرد وقود بشري ومادي لحروب العثمانيين في البلقان واليونان والقفقاس.

في بداية القرن العشرين كانت الأمور تمضي إلى الأسوأ، فلا أحد كان يمكن أن يقدم ضمانة للعرب بألا يلحقوا بالأرمن، خاصة بعد أن تورطت الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وهي الحرب التي لم يكن لا للعرب ولا لغيرهم من الأمم تحت الحكم العثماني أي مصلحة مباشرة لخوضها، ولم يكن يمكن تبرير الخسائر الكبيرة لأي من الأمم تحت أي إطار وطني أو أخلاقي.

الشرارة التي أشعلت الثورة العربية الكبرى، وجعلتها ممكنة وضرورية في الوقت ذاته، لم تكن في مكة أو المدينة أو في أي مكان آخر من الجزيرة العربية، ولكنها أتت من بيروت في صيف 1915، ولأن القوى المحلية المجهضة والمستنزفة بعد حملات السخرة والتجنيد القسري والضرائب الباهظة فيما يعرف في التراث المحلي لأهالي الشام بمرحلة سفربرلك، فإن الحل كان أن تندفع الثورة من الحجاز شمالا، فمن ناحية فهي تأخذ صبغة دينية لا يمكن للعثمانيين أن يدحضوها، خاصة أن سدة الخلافة لم تكن أصلا في برنامج العثمانيين وأتت في مرحلة لاحقة بعد تأسيس امبراطوريتهم لمنحها شرعية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، كما أن الثورة تنطلق من حاضنة عربية خالصة لا يمكن التشكيك فيها، وتختلف في شكليا وجوهريا عن تجربة محمد علي.

أتت اعدامات ساحة المرجة قبيل انطلاق الثورة العربية بفترة وجيزة لتؤكد النهج العثماني، وكان أن انطلق الهاشميون بوصفهم القوة الوحيدة من أصول عربية التي يمكن أن تحمل مشروعا للاستقلال، ولكن منطقتي الشام والعراق كانتا تعتملان بالعديد من التحديات والمشكلات الداخلية، فقط كانت منطقة الأردن تتصف بالتجانس السكاني مع وجود تشابه بين الظروف التي كانت سائدة في الحجاز وهذه المنطقة المسكونة بامتدادات القبائل العربية الكبيرة والتاريخية سواء من خلال التجمعات البدوية أو الحضرية، وكانت الثورة تدخل تحت الراية الهاشمية في البداية لتؤكد على تراث تاريخي متواصل يعرفه أهالي المنطقة، ولتوضح الامتداد الحقيقي لمبادئها، واستطاعت الثورة أن تستقطب حتى القبائل التي استفادت من الوضع الأمني غير المستقر في جنوب الإمبراطورية العثمانية، وهي وضعية لم تكن لتتاح أصلا لبقية القوى الفاعلة في العالم العربي، وخاصة أسرة محمد علي في مصر وولاة العراق.

كانت الراية تحمل الرموز الإسلامية التي يستحضرها الهاشميون بشكل دائم، وكانت أيضا مقبولة من جميع المكونات الدينية والمذهبية في المنطقة، فالكنائس الشرقية أصلا تعايشت مع المسلمين قبل الحكم العثماني في ظروف ايجابية، وكانت المشكلة مع العثمانيين بدأت مع عملية التتريك والممارسات المرتبطة بمحو الهوية العربية، وبالتالي كانت هذه المسألة ستعزل مسيحيي الشرق، ويضاف إلى ذلك سياسة العثمانيين بخصوص الملل المختلفة ضمن الإمبراطورية والإجراءات المتطرفة تجاهها.

في مرحلة لاحقة أطلقت الثورة رايتها الخاصة، وكانت هذه رسالة من الشريف الحسين وأبنائه بأن الثورة ليست حركة توسع لمملكتهم في الحجاز، وإنما هي مشروع عربي متكامل، ولذلك أتت حركة الاستقطاب الواسعة في الأردن بعد ذلك لقطاعات عريضة من المثقفين العرب في الشام ليشتركوا في تدعيم أركان الإمارة الهاشمية في الأردن، وخاصة بعد اجهاض المشروع الكبير في دمشق نتيجة الاختلاف الكبير في الواقع هناك مع الخبرة التاريخية القائمة لدى الملك فيصل، والتنافس الاستعماري الكبير على الإقليم الذي يتحكم بشرق المتوسط.

من الراية الجديدة كان علم المملكة الأردنية الهاشمية، وهو العلم الذي أخذ النجمة السباعية من الراية الهاشمية، ولكن فعليا، كانت الراية التي دخلت معان ومن بعدها مختلف المدن الأردنية هي العقد الاجتماعي الضمني الذي قامت عليه المملكة، فمشاريع سايكس- بيكو الأخرى تعيش اليوم مخاض العشوائية والمزاجية والمؤقتة والذرائعية التي حركت القوى الاستعمارية، بينما كانت العلاقة في الأردن قائمة على قبول واسع للمشروع يبنى على وجود ثقافة عميقة مشتركة بين جموع الأردنيين والقيادة الهاشمية، بالإضافة بالطبع إلى إصرار هاشمي تاريخي على الارتقاء عن العداوات والثارات كما حدث في دول أخرى مجاورة، فتاريخ المملكة لم يشهد إعدامات سياسية، وجميع المعتقلين السياسيين كانوا معروفين ويتواصلون مع ذويهم وخرج بعضهم من السجن إلى المناصب الرسمية المختلفة، هذه الثقافة وذلك الإطار الأخلاقي كان يتلاقى مع الراية الهاشمية بوصفها تعبيرا عن أرضية أخلاقية وطيدة.

بالطبع ليست الراية بديلا عن العلم الأردني، ودلالة تسليم الراية الهاشمية إلى القوات المسلحة تتعدد وجوهها، فمن ناحية هي تحمل الجيش مسؤولية رعاية القيم الخاصة بالعهد الاجتماعي وصيانتها وتؤطر دوره في هذه الغاية، فسلامة الأردن هي ممارسة أقصى درجات المسؤولية تجاه أبنائه، وهي رسالة للأردنيين جميعا بأن وطنهم بالفعل يقوم على بنية أخلاقية تمثل استثناء على مستوى المنطقة.

الأردن في قلب العاصفة، كان ذلك منذ اليوم الأول، والجغرافيا في النهاية تمتلك اليد العليا في تشكيل الأوضاع والتوازنات الاستراتيجية في المنطقة، ولكن التاريخ، إذا كان يستند على رصيد من الثقة والإنجاز سيكون الكف التي تتحدى مخرز الجغرافيا وسترده عن الأردن والأردنيين. ليست المرة الأولى، تجاوزنا في الأردن تحديات كثيرة ومتتابعة ومحنة ولدت من أخرى، ففي النهاية لا تقع الأردن في المحيط الهادي، ولكنها في قلب خط المواجهة الأوسع والأكثر تعقيدا بين الشرق والغرب من جهة، والشمال والجنوب من أخرى، وكانت المملكة دائما تخرج أقوى وأكثر تماسكا، والمفارقة المريرة، أكثر إثارة للمطامع!!

الأردن اليوم والمنطقة بأسرها في مواجهة مخاض واسع وعميق، ولذلك فإن الراية الهاشمية صعدت لموقعها في سماء المملكة من أجل توطيد هذه المبادئ والبناء عليها وتطويرها ضمن بنية الإصلاح السياسي الذي يجب أن تستمر وتيرته، وهذه نقطة أكدها الملك أكثر من مرة، وحذر بصورة صريحة وضمنية من التذرع بأوضاع المنطقة من أجل الإبطاء من مسيرة الإصلاح.

الجيش تسلم الراية الهاشمية تأكيد على العهد والعقد القائمين بين الهاشميين والأردنيين، وهذه مسؤولية كبيرة يتفهمها الجيش العربي ودائما ما كانت مكونا أصيلا في عقيدته العسكرية والوطنية.

ربما على الكثيرين ألا يبقوا في منطقة التأويل والتأويل المفرط الذي لا يقود إلا لاستنتاجات خاطئة، ويجب أن يتلقوا الرسائل كما هي، فالمرحلة أصلا لا تتطلب ولا تتحمل إعمال المخيلة في ما هو واضح وجلي ومباشر.

الرأي





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :