facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الكوادر الطبية المؤهلة .. الأزمة تتفاقم


د.زهير أبو فارس
20-06-2015 05:32 PM

في بداية قصة النجاح الأردنية في الميدان الصحي عموماً، والطبي بشكل خاص، كان العنصر البشري المدرب والمؤهل هو الأساس، الذي قامت عليه مجمل عملية التقدم والتميز الطبي. وفي هذا المجال، يمكن الاشارة الى بعض النماذج التي تعكس النتائج على أرض الواقع، ومنها:

أولا: الانجاز الصحي الاهم في ميدان الرعاية الصحية الاولية، والتي تمثلت في التحسن الهائل في العديد من المؤشرات الصحية الأساسية، كانخفاض معدلات وفيات الاطفال، وارتفاع متوسط العمر المتوقع للأردنيين والأردنيات، نتيجة للنجاحات التي تحققت في برامج التطعيم الوطني، ومكافحة الأمراض السارية والمعدية، وخدمات الأمومة والطفولة، وتلك ذات العلاقة بالبيئة، والغذاء، والدواء، وغيرها. وهي، في المحصلة، تعكس الواقع الصحي في المملكة،وتشكل اهم العناصر الأساسية للصحة العمومية في بلادنا. وهي نجاحات مشهودة، وتلقى اهتمام وتقدير المنظمات والهيئات الدولية ذات العلاقة بالصحة.

ثانياً: التقدم في مجال توفير الكوادر الطبية والصحية المؤهلة والمدربة ينعكس على تطور الطب العلاجي بصورة واضحة، وبذلك تمّ توطين الخدمة الطبية المتقدمة في بلادنا، وأصبح المواطن الأردني يعالج في وطنه، ودون الحاجة الى طلب الخدمة الطبية التي يحتاجها من الخارج، مما وفر مئات الملايين من العملة الصعبة، وخلص المواطن من السفر والمعاناة وكل ما يرافق ذلك، خلافاً لما هو قائم في العديد من الدول العربية الشقيقة. وهذا الجانب عادة ما يتم الاشارة اليه باعتباره ضمن البديهيات وتحصيل حاصل.

ثالثاً: السياحة العلاجية: حيث تحول الأردن الى مركز اقليمي في تقديم الخدمة الطبية ضمن المواصفات العالمية، والتي جاءت – وكما ذكرنا – كنتيجة حتمية لمجمل التقدم في المجال الصحي والتقني وعلى مدار العقود الماضية. اضافة الى أن جودة "المنتج الطبي"، وتكلفته المقبولة (مقارنة مع مثيلتها في الدول المتقدمة)، وموقعه الجغرافي، وميزات الأمن والاستقرار التي يتمتع بها، وكذا البنية التحتية الملائمة، وتميزالخدمات المساندة، وعوامل اللغة، والعادات وغيرها.. كلها وغيرها، ساهمت في هذا الانجاز الكبير، الذي يلعب الآن دوراً هاماً في دعم الاقتصاد الوطني، اضافة الى أبعاده الأخرى، مع ضرورة الاشارة الى أن العنصر البشري كان وسيبقى العامل الأهم للفوز في معركة المناقسة الاقليمية المحتدمة في مجال السياحة العلاجية والاستشفائية.

رابعاً: توسيع مظلة التأمينات الصحية لتشمل أكبر نسبة ممكنة من المواطنين، وهو حق أساسي من حقوق الانسان في أي مجتمع، وتتحمل الدولة مسؤولية وطنية واخلاقية تجاه مواطنيها، من حيث توفر الخدمة وتوزيعها بعدالة في كل الأوقات، وسهولة الوصول اليها، وبخاصة للشرائح الضعيفة، وذات الإمكانات المادية المحدودة. مع أهمية الاشارة الى أن الاستثمار في الصحة العمومية يشكل العنصر الأهم والأساس للوصول الى تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة. وقد كان الموضوع الصحي والتعليمي الهاجس الرئيس للدولة الأردنية على مدار تاريخها الطويل، لتكون النتائج مشرفة وواضحة للعيان. ونعتقد أن المهمة الملحة المحافظة على ما تم انجازه والبناء عليه. وهنا سيبقى توفير العنصر البشري المؤهل، والاستغلال الأمثل للمخصصات المالية، من أهم التحديات للمرحلة الحالية والقادمة. مما تقدم يتبين بصورة جلية الدور المحوري للعنصر البشري المدرب والمؤهل والذي كان الاهم في قصة التميز الأردنية في المجال الصحي.

وهنا، لابد من المصارحة والمكاشفة، التي لا تحتمل المزيد من التعتيم واللامبالاة، وطرح الحقائق حول هذا الموضوع بالغ الأهمية بكل شفافية ووضوح: فمنذ أن أغلقت الجامعات والمراكز الطبية المتقدمة في أوروبا وأمريكا الفرص أمام أبنائنا الأطباء الشباب للتخصص وفي العديد من التخصصات الهامة والمطلوبة، كانت بداية المشكلة التي تفاقمت خلال العقدين الاخيرين تحديداً، لنصل اليوم الى حالة حرجة لا تبشر بالخير، اذا لم يتم اتخاذ اجراءات انقاذ سريعة للتقليل ما أمكن من تداعيات هذا الوضع على المديين المتوسط والبعيد.
وبخاصة في ظل عدم وجود استراتيجية وطنية بديلة لتدريب وتاهيل الكوادر الطبية الأردنية. وفي عام 2007 قمنا باجراء دراسة متخصصة في مجال الكوادر الطبية، من خلال مجموعة من الخبراء في نقابة الاطباء، أظهرت أن الأردن سيشهد نقصاً في عدد الأطباء يقدر بـ 3500 طبيب معظمهم من الاختصاصيين بحلول عام 2013، بسبب تقلص فرص التدريب في الخارج، والطلب المتزايد على الكفاءة الطبية الأردنية في دول الخليج العربي، نتيجة توسع هذه البلدان في المشاريع الصحية، اضافة الى تسرب الكفاءات من القطاع العام الى القطاع الخاص. كل ذلك يجري في ظل عدم وجود برامج وطنية لتدريب الاطباء الشباب في الاختصاصات المختلفة. وقد قام كاتب هذه السطور بدق ناقوس الخطر في المجلس الصحي العالي، وأمام اللجان الصحية في مجلسي النواب والاعيان في حينه، ولم نجد أي صدى أو تجاوب، بل كان الرد هو التشكيك في كل ما طرحناه (!)، ولنصل الآن الى وضع أصبح فيه عدد الاختصاصيين والكفاءات المؤهلة والمدربة التي تخرج من منظومة تقديم الخدمة (بسبب الموت أو التقاعد او الهجرة) اكثر، وبنسبة ملحوظة، من عدد الأطباء الاختصاصيين الشباب الذين يدخلون في نظام تقديم الخدمات الطبية المتخصصة وبالغة التخصص. أي أن الميزان يميل تماماً لصالح النقص الشديد في أعداد الاختصاصيين الممارسين داخل الأردن.
وللأسف، وبسبب حالة الانكار التي عاشها العديد من المسؤولين عن الصحة في بلادنا خلال سنوات ليست قليلة لمؤشرات هذا الواقع الخطير، والتي كانت واضحة، فإننا الآن نجني ثمارها المُرّة الآن، وستزداد هذه الثمار مرارة على المديين القريب والمتوسط، على أقل تقدير. وتأثير هذا الوضع سيكون سلبياً لا محالة على مستوى الخدمة الطبية في القطاع العام ( حيث هجرت وزارة الصحة أعداد كبيرة من الأطباء الاختصاصيين تقدر بالمئات خلال الثلاث سنوات الماضية - كمثال)، وأصبحت العديد من المستشفيات والمراكز الطبية، وفي مختلف مناطق المملكة، بدون اختصاصيين، بل وفي مناطق بأكملها(!)، مما سينعكس سلباً على الصحة العمومية. ولا أدري ان كان هذا الحديث الصريح سيعجب البعض، لكن هذه هي الحقيقة، والأفضل ان نتحدث الآن لاتخاذ اجراءات معينة، لتدارك الأزمة، والتقليل من آثارها وتداعياتها السلبية في المستقبل.
نحن الآن بأمس الحاجة الى:
أولاً: وضع برنامج وطني متكامل لتدريب الكوادر الطبية الشابة، وفي مختلف الاختصاصات الطبية، للحصول على شهادات الاختصاص الأردني والعربي، وتكامل أدوار كافة القطاعات الطبية (الجامعية، وزارة الصحة، الخدمات الطبية، القطاع الخاص)، للاستفادة من امكاناتها الكبيرة في مجال التدريب. فالطبيب الشاب، ومن ثم المتخصص والمؤهل، هو ثروة وطنية، وعلى كافة الجهات أن تساهم في بناء قدراته وخبراته، لأنها ستعود بالفائدة على الوطن بشكل عام، بغض النظر عم مكان عمله داخل او خارج الاردن. وعلى المجلس الطبي الاردني أن يخرج من اطاره الضيق الذي يعمل ضمنه منذ عام 1982 وحتى الآن، والمتمثل في اجراء الامتحانات فقط، والانطلاق نحو آفاق ومهمات جديدة ( وهي في صلب مهماته)، كالتدريب، والتعليم، والتأهيل وغيرها.
ثانياً: العمل وبسرعة على وضع خطط وبرامج تدريب لتاهيل ورفع كفاءة الاطباء الاختصاصيين والمؤهلين، والاستفادة من الخبرات العلمية والعملية الموجودة في كافة القطاعات بما فيها القطاع الخاص. وقد يكون انشاء أكاديمية، او هيئة وطنية عليها للتدريب والتأهيل ورفع الكفاءة، فكرة تحتاج الى المزيد من الدراسة والنقاش، بمشاركة ممثلي كافة القطاعات، والمسؤوليين الصحيين المعنيين الآخرين.
ثالثاً: العمل، وضمن البرامج الوطنية، على فتح الفرص لتدريب أطبائنا الاختصاصيين الشباب من خريجي برامجها الوطنية في المراكز والمستشفيات الأوروبية والغربية المتقدمة، من خلال دورات متخصصة، لصقل تجربتهم، ورفع كفاءتهم، من خلال احتكاكهم مع تجارب المدارس الطبية المتقدمة.
رابعاً: اصلاح المجلس الطبي الأردني واجراء تعديلات جذرية على قانونه ومهامه لتتناسب مع البرامج والخطط الوطنية الجديدة.
خامساً: أما بخصوص النقص الشديد في الاطباء الاختصاصيين في مستشفيات ومراكز وزارة الصحة، ومن أجل ايجاد الحلول السريعة والطارئة لهذا النقص، فاننا بحاجة الى التعاون والشراكة مع القطاع الخاص، الذي لا يزال يضم نخبة متميزة من الأطباء أصحاب الخبرات العلمية والعملية، في مجال تدريب الكوادر الطبية الشابة، ان كان في مستشفيات ومراكز وزارة الصحة، أو من خلال دورات داخلية لهذه الكوادار في مستشفيات ومراكز القطاع الخاص لبعض الاختصاصات، والعمل على الاستفادة من خبراتهم بالتعاقد الشفاف مع كفاءات حقيقية من القطاع الخاص يحتاجها القطاع العام، وليس ضمن نهج الواسطة والتنفيع، بحيث تغطي كافة احتياجات مناطق المملكة، وعمل كل ما يلزم للتمسك بالكفاءات الطبية من الاختصاصات المختلفة العاملة في مستشفيات وزارة الصحة، وتحسين مداخيلها لتثبيتها، وبخاصة الكفاءات المتميزة علمياً ومهنياً، وكذا ظروف عملها، لتستطيع القيام بواجبها بكفاءة وفاعلية في التدريب والخدمة الطبية.

سادساً: تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والقطاعات الطبية الأخرى في مجال شراء وتوفير الخدمة الطبية التي يحتاجها المواطن، وفق أسس يتم مناقشتها والتوافق عليها بين الشركاء، والنظر الى كافة القطاعات من منطلق انها قطاعات وطنية للدولة الأردنية.

سابعاً: نحن بحاجة ماسة الى الادارة الحكيمة للامكانات والموارد المتاحة في اطار التكامل، وعدم الهدر والازدواجية، وفوضى التنسيق في تقديم الخدمة الطبية، من قبل قطاعات تعمل بشكل ذاتي، كأقسام مستقلة، وكأنها ليست في دولة واحدة. فالمال في المحصلة، هو مال الدولة الاردنية، ومن خزينتها، بغض النظر عن تنوع آليات صرفه من قبل القطاعات الطبية المختلفة. ونحن على قناعة من أن المخصصات المالية المتوفرة والمعلنة في الموازنات العامة للدولة، والمخصصة للقطاع الصحي العام، والتي تصل الى حوالي مليار دينار، كافية لتحقيق الهدف الاساس في ايجاد تغطية صحية جيدة، تليق بالانسان الاردني، وتحافظ على كرامته، وتلبي حاجته وحقه في الصحة، وتساهم في تحسين نوعية حياته وقدرته على الانتاج والابداع. ولكن بشرط أن تسود فلسفة الشراكة والتعاون والمسؤولية الاجتماعية لكافة القطاعات في تعاملها مع هذه القضية.

وأخيراً، فإن التحديات التي تقف أمامنا في مجال توفير الكوادر الطبية والصحية المؤهلة يمكن مواجهتها بالحكمة والتخطيط والشراكة بين جميع المعنيين، وقبل كل ذلك، الاعتراف بوجود المشكلة من قبل المعنيين واصحاب القرار.

وخلاف ذلك، فإن المواطن والوطن سيدفعان الثمن، الأول من خلال تدني مستوى الخدمة الصحية المقدمة له، وانعكاساتها على الصحة العمومية، والثاني - من خلال التأثيرات السلبية وانعكاسات تراجع المؤشرات الصحية على التنمية والتقدم.

آمل أن نرتقي جميعاً، وبخاصة المسؤولين الصحيين والرسميين في بلادنا، الى مستوى الأزمة المرشحة للتفاقم، كتحديات قادمة لا محالة، حتى يبقى الاردني يعالج في وطنه، ويبقى الاردن الأنموذج في تقديم الخدمة الطبية المتميزة لمواطنيه واشقائه العرب. ويقيناً أننا قادرون على كسب معركة التحدي هذه، لاننا نمتلك الرؤية والعزيمة لتحقيقها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :