قال المفكر الألماني العسكري كارل كلاوزفيتز أحد أهم المنظرين في التخطيط الاستراتيجي العسكري "نادرا ما تخاض الحروب الحديثة دون تأصيل الكراهية بين الشعوب" وهذه نظرية تعكس أهمية زرع التطرف وخلق الرأي العام المطلوب لتجذير ثقافة الكراهية وإلغاء الرأي الآخر للحصول على أشخاص مستعدين للتدمير والقتل.
لقد تم استغلال وسائل الإعلام الحديثة من قبل التنظيمات الارهابية للتواصل مع أعضاء ومؤيدين في مختلف بقاع الأرض وتجنيد عناصر جديدة قادرة على معاداة الذات وخلق الفوضى في محيطهاووتبنى عدد من هذه العناصر أيضا ثقافة القتل حتى في محيطهم دون الحاجة الى لقاء على ارض الواقع من "المرشد" ضمن اسلوب ممنهج لتكوين حواضن جاهزة لتنفيذ مخططات المظمات الارهابية.
لقد جاء استغلال وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة ارهابيا بعد التضييق وجملة الاغلاقات للمنتديات من قبل وكالات الاستخبارات في عدد من دول العالم في محاولة منها لوقف نشر وتواصل العناصر الارهابية وايصال الرسائل فيما بينهم حيث كانت هذه الرسائل والتسجيلات غير متاحة إلا لأعضاء المنتدى، ولكن هذا التضييق دفع أعضاء هذه المنتديات الى الخروج الى وسائل التواصل المفتوحة وخاصة التويتر واليوتيوب ومن المدهش أن نقرأ أنه في فرنسا وحدها قد تم تجنيد أكثر من 700 شخص للمشاركة في القتال في سوريا، بينما حسب إحصائيات المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في لندن فإن حوالي 366 بريطانيا قد توجهوا إلى سوريا للقتال ، وهذا يؤكد أن الجماعات المتطرفة قد وجدت أن الاتصال عبر الإنترنت يؤدي إلى الحصول على أكبر عدد من المؤيدين من مختلف دول العالم في أسرع وقت دون الحاجة إلى الالتقاء بهم أو التعرض لمخاطر الاعتقال.
وتبدأ مراحل التطرف الفكري عبر الإنترنت إلى ثلاث مراحل. المرحلة الأولى: ما قبل التطرف، وهي مرحلة استكشاف الهوية، حيث يقوم المتتبع عبر الإنترنت بمتابعة الصفحات باهتمام بمعرفة الفكر الذي يتبعه المتطرفون ومعتقداتهم. المرحلة الثانية، هي مرحلة التلقين، حيث يبدأ المتتبع بتلقي كل ما ينشر والتشبع بالآيديولوجية المتبعة من قبل المتطرفين والتفاعل ومحاولة إيجاد طرق للمشاركة. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فيبدأ فيها المتابع في التواصل مع أعضاء آخرين، ومحاولة الانخراط في المنظمة وأنشطتها بمختلف السبل.
وهذا الفضاء الواسع المفتوح أدى الى حذو الجماعات المتطرفة بالعموم لاتباع استراتيجية كلاوزفيتز في «كسب الرأي العام لتحقيق الهدف» وذلك بطرق عصرية حيث تم استغلال وسائل الإعلام الحديثة بهدف بث الرعب واظهار هذه المنظمات بالصورة الدموية الكفيلة لبناء ثقافة الكراهية بين الاديان والشعوب لجعل الطرف الاخر لا يرى في هذا الدين الا ملامح الارهاب وتكفير الغير والكراهية والتعصب والغاء الآخر مما يولد البيئة الخصبة للحروب والتي بدونها لا حياة للمنظمات الارهابية.