قانون الانتخاب الجديد .. يكرس الانقسامات الدينية و القومية و الجندرية ؟. الدكتور محمود عواد الدباس
02-09-2015 06:53 PM
اطلعت كحال الكثيرين من المواطنين على مســــودة مشروع قانون الانتخاب للعام 2015م، والذي أقرّه مجلس الوزراء الأردني . في الحقيقة إنني لا اتفق هذه المرّة مع الحكومة القوية في رؤيتها، ولعلّي أحصر ذلك الاختلاف بيننا في المجالات التالية ، ولكل واحد منها أسبابه الوجيهة .
أولاً : عدد أعضاء مجلس النواب . لا أوافق الحكومة على مشروعها الجديد ، بتخفيض عدد مقاعد مجلس النواب الى (130) مقعدا فقط ، فذلك الرقم لا يزال كبيرا على المجتمع الأردني . أتذكر هنا أن الملك عبدالله الثاني قال في إحدى مقابلاته مع الصحافة الأجنبية: أن عدد أعضاء مجلس النواب ( 150) عضوًا ، يعدّ رقمًا كبيرًا على المجتمع الاردني . ترجمةً لفهمي الذاتي للخطاب الملكي ، أرى أن العدد المناسب هو ( 84) عضوًا، كرقم تقديري ، على أن يكون نصيب كل محافظة مساويًا للأخرى ، أي ( 7) مقاعد لكل محافظة . إن هذه المساواة تجنبنا ، اشكالية الجغرافيا والديمغرافيا التي يتحدث عنها البعض . أعزز كلامي هذا بأن مجلس الشيوخ الأمريكي ، وهو المجلس الأعلى في الصلاحيات من الكونغرس ، تكون الولايات الامريكية متساوية التمثيل .
ثانيًا : عدد الأصوات للناخب الواحد . منحت الحكومة من خلال مشروع القانون الجديد ، الناخب عدد من الأصوات بعدد مقاعد الدائرة الانتخابية ، والتي هي المحافظة كاملة ، باستثناء العاصمة عمان و إربد و الزرقاء ، التي ستقسم إلى عدّة دوائر إنتخابية . الاشكالية هنا من وجه نظري ، تأتي من أن فرضية سياسية مفادها أن تعدد الأصوات للناخب، ستحدد نتائج الانتخابات مسبقًا ، فمن المتوقع ، أن تكون هوية الرابحين في الانتخابات ، هما ،اثنان : التيار المنظم حزبيًا ،وهم في هذه الحالة ، جبهة العمل الاســـلامي ، وأما الرابح الثاني، فهم التجمعات الجهوية الكبيرة ، أي مراكز المحافظات ، حيث الثقل الانتخابي الأكبر ، وبالطبع او الاحتمال الارجح ، أن ذلك سيكون على حساب ألوية المحافظات التي لديها ثقل انتخابي قليل أو ضعيف باستثناء المخيمات الفلسطينية في بعض المحافظات . مما يشكل خللاً واضحاً في العدالة الاجتماعية داخل كل محافظة أردنية .
ثالثًا : طريقة الاقتراع والترشح . ورد في مسودّة مشروع قانون الانتخاب ( مادة 9: أ ، د) ، أن أسلوب الترشح للمسلمين سيكون مقتصرًا على القائمة النسبية المفتوحة، فيما سيكون الترشيح الفردي من حق الأردني من الديانة المسيحية ، و الأردني من أصول شركسية أو شيشانية ، والمرأة الاردنية ، باعتبار أن الترشح الفردي هنا ، يعادل القائمة النسبية المفتوحة ، هذا برأي الشخصي يشكل إخلالًا بالمساواة بين الأردنيين .أغلبهم يترشح حكما على القائمة النسبية ، وآخرون يترشحون فرديّا ؟.
رابعًا : الإنتقال من دائرة إنتخابية إلى أخرى . أجاز مشروع القانون( مادة 4: و) ، للمواطنيين الراغبين بممارسة حقهم الانتخابي ، بالإنتقال من دائرة انتخابية إلى أخرى ، بحسب الدين ، و القومية ، و الأصل الجغرافي المحلي – مسقط الرأس العشائري . بالطبع الاشكالية ليست من موضوع الأصل الجغرافي العشائري ، وما يقتضيه ذلك ، من عودة كل شخص الى محافظته الأصلية لممارسة حقه الإنتخابي . الإشكالية ، هي في موضوع الأردنيين من الديانة المسيحية ، و الأردنيين من الأصل القومي الشركسي أو الشيشاني ، وحق كل فرد منهم ، باختيار أي دائرة انتخابية ، يوجد بها مقاعد للمسيحيين أو الشراكسة و الشيشان ، ما لم تكن تلك المقاعد موجودة في المحافظة الجغرافية التي يسكنها . هذا التوجه له مؤشرات خطيرة على المدى القريب و المتوسط و البعيد ، إذ أنه سيجعل الإنتماء القومي و الديني مقدمان على الإنتماء الجغرافي المحلي ؟. أي أن ذلك هو مأسسه غير صحيحة للتنوع في مجتمعنا الاردني ؟.
البديل المقترح ؟.
عملا بحقي كمواطن ، أقترح أن تكون جميع محافظات الوطن متساوية في عدد المقاعد النيابية كما أسلفت ، مع استمرار العمل بنظام الصوتين الإنتخابي ، ثلثي المقاعد للدوائر الفردية ، والثلث الأخير للقائمة النسبية على مستوى المحافظة ، بحيث يكون الصوت الاول للدائرة الفردية ، والثاني للقائمة النسبية المغلقة على مستوى المحافظة .
ختاما . صحيحاً أن الحكومة تحاول عبر مشروعها الانتخابي هذا ، أن تعدل سلبيات التجارب الانتخابية السابقة ، لكنها وبما قدمته من صيغة مقترحة ، ستقع في سلبيات أكبر أبرزها : غياب أكثر للمساواة بين المواطنين نتيجة اختلاف الدين و القومية و النوع الاجتماعي – بحسب طريقة الترشيح- . وخروج للألوية في المحافظات من الكعكة الإنتخابية نتيجة لسيطرة مراكز المحافظات ،والقوى السياسية المنظمة ، كما هو الحال في العام 1989م ؟. أملي ألا يصبح ذلك قانونًا رسمياً وأن تبقى المسودّة مسودّة؟.