facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تعدُّدُ الزوجات *د. طه محمد فارس

03-09-2015 09:23 PM

لعلَّ من أبرز القضايا التي تثار في مجتمعاتنا الإسلامية في العقود المتأخرة بشكل مستمر قضية تعدد الزوجات، فمن مشجع ومؤيد بإطلاق، إلى مانع ومستهجن بإطلاق، وبينهما من ينظر إلى التعدد على أنه علاج لحالات أسرية بضوابط محددة.

وقبل تناول هذه الموضوع من ناحية شرعية لا بد من القول: بأن الإسلام لم ينشأ حكم التعدد ابتداء، إنما جاء الإسلام والتعدد منتشر ومشتهر، فقيده وحدده ووضع له ضوابط.

فالتعدد كان معروفًا في جميع البيئات والمجتمعات قبل الإسلام، من يهودية ومسيحية، عربية وغير عربية..، فقد أباحته اليهودية دون حدٍّ، وكان شائعًا بين أنبيائهم عليهم السلام، وكذا في ملوكهم ومن دونهم من الخاصة والعامة ، ولا يوجد في أسفار العهد القديم نصوص تحرِّم التعدد أوتمنعه أو تقيده.
وقد روي أن داود وسليمان عليهما السلام كان لهما زوجات كثيرة، وجاء في سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام كان له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثمائة من الجواري.

كما كان التعدد فاشيًا في العالم المسيحي بين العامَّة ورجال الدِّين، إذ إن أسفار العهد القديم، وهي - مقدسة لدى النصارى - تبيحه ولا تمنعه، ولم يرد في النصوص الأولى للمسيحية التي تحكيها أناجيلهم المتداولة نصٌّ صريح يمنع تعدد الزوجات، ولكن الكنيسة وخضوعًا لمؤثِّرات أجنبية بعيدة عن تعاليم المسيحية ذاتها هي التي ابتدعت القول بمنع تعدد الزوجات، وأخذ رؤساؤهم الدينيون يحرفون في آيات الزواج كما حرفوا في غيرها، حتى أصبح التزوج بأكثر من واحدة عندهم حرامًا كما هو معروف.

وقد كان التعدد مباحًا قبل المسيحية واليهودية، فإبراهيم عليه السلام تزوج سارة وهاجر، ويعقوب تزوج ليئة وراحيل، وهكذا...

فالإسلام قيَّد وحدَّد وضبط قضية تعدُّد الزوجات ولم يشرعها ابتداء، فقال تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } [النساء:3]، فمفهوم الآية هو أن الله تعالى أباح الزيادة على الواحدة إذا أمِن المُعدِّد الجور بين الزوجات المتعددات، ومعنى قوله: { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُو} أي: أقرب أن لا تجوروا وتظلموا.

فالأصل في التعدد الإباحة لمن توفَّرت لديه القدرة المالية والبدنية، مع وجوب العدل بين الزوجات، والتسوية بالحقوق، والقيام بالواجبات.

فمن لم تتوفر لديه القدرة بنوعيها، أو غلب على ظنه عدم العدل والقيام بالواجبات، فينبغي عليه الاقتصار على زوجة واحدة، سدًا لذريعة الوقوع في المحظور.

وقد حذَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم المعددين من عدم العدل بين الزوجات فقال: «من كان له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ». [أخرجه أبو دواد، والنسائي ، وابن ماجه، والحاكم ، واللفظ للنسائي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي] . [ومعنى أحد شقيه مائل: أي نصفه مائل، قيل: بحيث يراه أهلُ العَرَصات يوم القيامة ليكون هذا زيادة في التعذيب، وهذا الحكم غير مقصور على امرأتين، فإنه لو كانت ثلاث أو أربع كان السقوط ثابتًا. انظر: تحفة الأحوذي4: 248]

وللفقهاء كلام في حكم التعدد مستنبطاً من النصوص، حيث ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يستحبُّ أن لا يزيد الرجلُ في النكاح على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة، إن حصل بها الإعفاف؛ لما في الزيادة على الواحدة من التَّعرض للمحرَّم بسبب عدم العدل والمساواة.
أمَّا الحنفية والمالكية فيرون إباحة تعدد الزوجات إلى أربع إذا أمن عدم الجور بينهن فإن لم يأمن اقتصر على ما يمكنه العدل بينهن، فإن لم يأمن اقتصر على واحدة، لقوله تعالى: { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة }.
إذاً فمن الفقهاء من يرى أن التعدد لا يستحب إلا لحاجة، ومنهم من يرى أن الأصل فيه الإباحة بشروط.
والواقع أن تعدُّدَ الزوجات قد تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة تبعًا لشرطي: القدرة الجسدية والمالية، وإن كان الأصل فيه الإباحة.
والرجل العاقل الذي يعيش حياة مستقرة في كنف زوجه وعياله لا ينبغي له أن يسعى للتعدد من غير حاجة ظاهرة، فيخرِّب بزواجه الآخر على نفسه وعلى أولاده؛ لأن غيرة النساء من الضرائر قضية فطرية لا تنكر، والشارع عندما أباح التعدد إنما أباحه مع ما فيه من ضرر على الزوجة الأولى مقابل مصلحة غالبة، أمَّا إن ترتب على التعدد ضرر أكبر من المصلحة المرجوة فعند ذلك قد يحكم عليه بالحرمة أو الكراهة.
وحاجات الرجال إلى التَّعدد متعددة، فقد يكون الهدف منها الأولاد، أو إشباع الرغبة الزائدة في النساء خشية الوقوع في الحرام، أو يكون علاجاً اجتماعيًا لحالة العنوسة أو الترمُّل في المجتمع، خصوصًا بعد الحروب والكوارث التي تحلُّ في المجتمع، فينقص فيها عددُ الرجال كثيرًا عن عدد النساء، وينتشر بسبب ذلك الفساد الأخلاقي والانحراف السلوكي إن لم يستدرك الرجال ذلك بالتعدد.
إذاً فلا بد أن تكون هناك مصلحة ظاهرة تغلب المفاسد الناتجة عن التعدد.
وبالمقابل فإنه ينبغي على الزوجة المؤمنة العاقلة أن تتفهم حاجات زوجها ومجتمعها، ولا تتاثر بالضغوط الاجتماعية التي تروج إلى أن التعدد خيانة، أو جريمة، أو قلة وفاء..

ولعلَّ من أخطر ما ينتشر بين مجتمع الزوجات الاعتراض على حكم الله تعالى في إباحة التعدد، مما يجعل إيمانها بالله في خطر، أو أن يُؤثِر بعض الزوجات ارتكاب أزواجهن للفواحش والمنكرات، باتخاذ الخوادن والصاحبات، عن أن يتزوج عليها، أو أن يطلب بعضهن الطلاق لمجرد قيام زوجها بالزواج عليها فتهدم بذلك أسرتها، وتدمر حياتها، وتعرض أولادها للفساد والانحراف، وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه ثوبان: «أيما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقاً في غيرِ ما بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنةِ». [رواه أبو داود بسند صحيحٍ]، فليس مجرد التعدد مما يبيح للزوجة أن تطلب من زوجها الطلاق، فالزوجية رباط وثيق، وميثاق غليظ، كما وصفها الله عز وجل بقوله:{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21].





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :