facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




بعد قَرْنٍ من كفاحهم .. لماذا لم يحصد الفلسطييون إلاّ الزوان؟!


د.زهير أبو فارس
13-09-2015 12:19 PM

مقدمة:
فلسطين والقدر المزدوج..

ليس من السهل الخوض في مواضيع يعتبرها البعض حساسة، بل ويعطيها صفة القداسة التي يُحرّم الاقتراب منها، والقضية الفلسطينية ليست استثناء، فلديها هياكل وبنى اجتماعية وسياسية وفكرية، يرفض اتباعها والمنتمون اليها والمرتبطون بها وجدانياً ومصلحياً، أي مساس بها، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالتحليل والتقييم، باعتبار ذلك (من وجهة نظرهم) "مؤامرة" تستهدفها، ناهيك عن النقد، أو حتى ابداء الملاحظات لمسيرة الثورة الفلسطينية عبر محطاتها التاريخية المثيرة للجدل، لارتباطها بأحداث، لم تكن في مجملها ذات أبعاد وتأثيرات ايجابية على قضية عادلة لشعب ابتلي في صراعه التاريخي بقدرين:

الأول: صراع وجودي مع حركة ايدولوجية صهيونية استئصالية تستهدف المكان (الارض الفلسطينية ) تحديداً، ضمن مشروعها الاستيطاني الاحلالي، والقائم على أسس ومنطلقات دينية معروفة ومعلنة. والأخطر في هذا القدر يتمثل في مدى قوة ونفوذ هذه الحركة العالمية، وبخاصة في مراكز القرار الدولي في الولايات المتحدة واوروبا، وقدرتها على التأثير بما يخدم مصالحها ومخططاتها القريبة والبعيدة، ضمن منهج مدروس ينفذ بإحكام؛
الثاني: أما القدر الثاني فهو فلسطيني – ذاتي، ويتعلق بالقيادات، والرؤى، والأهداف، وآليات وأساليب العمل، وأشكال النضال، وما رافق كل ذلك من أخطاء ونكسات وصلت في بعض المراحل الى الخطايا بحق الشعب الفلسطيني، لتدفع الثمن في المحصلة قضيته العادلة برمتها، والتي لم يبخل شعبها بالنضال، وتقديم مختلف أشكال ونماذج التضحية والبطولة والفداء، والتي لا تقل عمّا قدّمته شعوب أخرى في هذا العالم، وصلت في نهاية المطاف الى مبتغاها، كالشعب الفيتنامي، والجزائري، والجنوب افريقي، وغيرها.

وهنا لابد من الاشارة الى أننا لا نتوقع البتة أن يكون ما نذهب اليه في محاولات التقييم هذه مقبولاً من جانب العديد من حراس الثورة والقائمين عليها، مع ضرورة الاعتراف بان جزءً ليس قليلاً منهم، يقوم بذلك مدفوعاً من قناعات حقيقية صادقة، وبالتالي مواقف مقدرة تجاه المحللين وحتى المنتقدين. فنحن مازلنا، وفي معظمنا، لا نقبل النقد، بل ونعتبره إهانة واستهدافاً لشخوصنا وكياناتنا وهياكلنا وهوياتنا السياسية والاجتماعية.

وهذا ينطبق على نظرتنا وعلاقتنا بالعائلة والحمولة والعشيرة والحزب والطائفة والمذهب، وكل ما يشبهها من هيئات ومؤسسات. أي أن التحليل والتقييم والنقد محفوف بالمخاطر وسوء الفهم في معظم الأحيان.

وبعد هذه المقدمة، دعونا نعود الى الموضوع الرئيس، وهو محاولة استعراض وتقييم مسيرة القضية الفلسطينية منذ ما يقارب القرن، أو على الاقل، انطلاقة ثورتها قبل نصف قرن تقريباً، بهدف الوقوف على أسباب اخفاقاتها ونكساتها، والتي أوصلتها الى طريق مسدود، وأفق مغلق، واستعصاء لا بوادر لانفراجه على المديين القريب والمتوسط. وليسمح لنا القارئ أن نتناول الموضوع من خلال استعراض أهم المحطات والمواقف والتجارب، وفلسفة ادارة الصراع، التي مرّت بها ومارستها قوى الثورة الفلسطينية ورموزها التاريخية على مر العقود الماضية.
مع ضرورة الاشارة ( لمنع الالتباس وسوء الفهم) الى أننا لا نستهدف بذلك أحداً بشخصه، أو فصيلاً بعينه، فالهدف هو محاولة للبحث عن الأسباب التي ساهمت في الوصول الى الفشل تلو الآخر، والذي شهدت فصوله ومحطاته
المتتالية هذه القضية العادلة لشعب سُلبَتْ أرضه ظلماً لم يشهد التاريخ مثيلاً له. وفي هذا الاطار يمكن التطرق الى بعض الملاَحظات:

الملاحظة الأولى:

الثورة الفلسطينية.. بين عدالة القضية وغياب الرومانسية

بداية لابد من التأكيد على حقيقة أن الرومانسية هي لازمة ثابتة لترسيخ مفهوم الثورة في وجدان الشعوب والأمم، وبالتالي، الملهم الأقوى لانتصار ارادتها في النصر والتحرر. والرومانسية الثورية تتجسد عادة من خلال رفض النخب الثورية للمعاناة والظلم الواقع على شعبها، ومبادرتها لممارسة العمل الثوري التحرري بكافة أشكاله، وتطوير أساليبه، وفق ظروفها الموضوعية، وتحمّلها ظروف الملاحقة والتضييق، وكذا المعاناة والأخطار، لتتحول مع الزمن الى نماذج وقدوة، بل وأيقونات ثورية، لتعبّر بذلك عن ضمير شعبها وأمانيه وتطلعاته للحرية والاستقلال، الذي يحتضنها ويبذل ما يستطيع لتوفير الحماية لها، وامدادها بالمال والسلاح، وكل وسائل الدعم والرعاية. هذا هو حال الثورات عبر التاريخ، فهل كانت الثورة الفلسطينية ضمن هذه النماذج؟. ربما كانت كذلك في مراحلها الأولى، لكنها خرجت منها مبكراً، على ما يبدو، لتتحول من ثورة يحتضنها شعبها الى ثورة بهياكل ومؤسسات تمنح الدعم والهبات والامتيازات بكافة أشكالها لشعبها، مقابل الولاء، كما تفعل الدول المستقلة!. وهذا أدى تدريجياً الى الانطفاء التدريجي لشعلة العمل الثوري التحرري، وبالتالي تبخّر وزوال الحالة الرومانسية الثورية، الاّ لمبادرات وبطولات فردية، وهناك نماذج مضيئة لشخصيات ثورية حقيقية كرّست حياتها أو جادت بها من أجل فلسطين وحريتها. أي أن الثورة الفلسطينية تحوّلت، وفي مرحلة مبكرة، من قضية شعب ثار من أجل تحرير أرضه واستقلاله، الى كيان يمتلك هيئات ومؤسسات وهياكل تنظيمية وادارية ومالية، بل وأمنية، لا تختلف عن مثيلتها في دول المنطقة، مع أنها لا تملك لا الأرض ولا السيادة. كان ذلك قبل أوسلو، واستمر بعد اتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني، ولا يزال حتى الساعة. أي أن المخطط الخبيث قد نجح، وأن الطُعْمَ قد تمَّ ابتلاعه، ومعه اجهاض القضية وثورتها التحررية، وتحويلها الى كيان منقسم متعدد الولاءات، تحركه المصالح والهبات والأعطيات، بل ومؤهل وجاهز دائماً للصراع والاقتتال الداخلي، في اللحظة التي يختارها المُموّلون واللاعبون الفاعلون اقليمياً ودولياً. وتجربة "الحكم الذاتي" أو "السلطة الفلسطينية" (سمّها ما شئت)، أثبتت أنها كانت السيناريو الأفضل لاسرائيل لتنفيذ الجزء الأهم من مخططها الاستيطاني، على الرغم من مسرحية "الدولة" ومؤسساتها وهياكلها. ومفاوضات السبعة عشر عاماً – "المَلْهاة "، نموذج صارخ على ما نزعم (!).

وحتى لا تضيع الفكرة الأساسية نعود لنؤكد بأن الرومانسية – لازمة الثورات التحررية الحقيقية، تمّ تلويثها وإفسادها، وبالتالي اجهاضها في مراحل مبكرة من الثورة الفلسطينية، وساهمت دول وقوى اقليمية ودولية في ضخ الأموال وتحويل الثورة الى دولة وهمية - كما ذكرنا.

الملاحظة الثانية : الحاضة العربية

من الثوابت التي لا خلاف عليها أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية، من منظور أن احتلال فلسطين وتشريد شعبها هي مرحلة هامة من مراحل تنفيذ المخطط الصهيوني لاقامة اسرائيل الكبرى التوراتية، والهيمنة على الأرض والمقدرات العربية، وبالتالي، فإن دعم النضال العادل للشعب الفلسطيني لتحرير أرضه، يمثل واجباً ومصلحة عربية في آن معاً.

هكذا كانت فلسفة الصراع العربي الصهيوني منذ قيام اسرائيل عام 1948 وحتى المراحل الأولى لانطلاق الثورة الفلسطينية. ولكن الأمور سرعان ما بدأت بالتغير والخروج عن هذا المسار، وصولاً الى نتائج دراماتيكية تدميرية على القضية، عندما انحرفت بوصلتها من الاتجاه الصحيح نحو العدو، الى الاتجاه الخاطئ نحو داخل بيت الشقيق العربي في أماكن اللجوء الفلسطيني، ليتحول معها الحليف والحاضن العربي، في المحصلة، الى عدو، أو في أحسن الأحوال، الى محايد وطرف تمّ إخلاء مسؤولياته تجاه ثورة فقدت بوصلتها، وغيّرت هدف بندقيتها !. وللأسف، فقد تكرر هذا السيناريو في أكثر من ساحة عربية، ودفع الشعب الفلسطيني الثمن غالياً، ولا تزال تداعياته تتفاعل وتؤثر سلباً على القضية الفلسطينية برمتها. كما أن هذا النهج الخاطئ امتد، ليصل الى حد التدخل المباشر في الخلافات العربية - العربية، لتكتمل بذلك مؤامرة ضرب البعد القومي للقضية الفلسطينية، وانهاء حاضنتها العربية والاسلامية، بدءً بالأنظمة العربية (التي ارتاحت من صداع دائم بسببها)، وانتهاء بالشعوب العربية، التي شكّلت دائماً السند الحقيقي لها على مر العقود، وقدّمت في سبيلها قوافل الشهداء والأسرى والمناضلين المخلصين. ويقيناً، فقد كان شعار " القرار الفلسطيني المستقل" الذي رُفع بقوة منذ سبعينيات القرن الماضي، وأطرب الكثيرين من الفلسطينيين، وبدعم عربي مشبوه، بحجة الحفاظ على الهوية الفلسطينية، كان المِعْوَل الذي استُخْدم بخبث لتدمير أحلام وآمال الفلسطينيين.

الملاحظة الثالثة:

"فلسطنة" القضية – الخطيئة الاستراتيجية القاتلة !

ومن أجل وضع الأمور في اطارها الصحيح نقول بان فلسطين لم تكن، ومنذ البداية، قضية الشعب الفلسطيني وحده، بل وكذلك العربي (مسلميه ومسيحييه)، والانساني المنحاز للعدل وحق الشعوب في الحرية وتقرير المصير أيضاً. وقد بقيت في هذا السياق طوال مراحل الصراع العربي الأولى مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي، مما اكسبها الشرعية وأمدّها بالقوة الكامنة الهائلة على المدى الاستراتيجي، كونها تمثل حالة من الاشتباك الدائم بين طرفي المعادلة: المشروع الصهيوني من جهة، والمشروع العربي التحرري النهضوي، ومعه أحرار العالم، من جهة أخرى. مع أهمية الاشارة إلى أنّ النتيجة الطبيعية الحتمية لهذه المعادلة ستكون لا محالة لصالح فلسطين على المديين المتوسط والبعيد. وهذا ما أدركه مبكراً العدو وحلفاؤه، الذين أيقنوا أن تغيير معادلة الصراع لصالحهم، يتطلب نزع القضية الفلسطينية من حاضنتها العربية والاسلامية، وحصرها في شرنقتها الفلسطينية، أي "فلسطنة" القضية الفلسطينية !. وهذا ما حصل، حيث التهمت القيادات الفلسطينية (قادة وفصائل) "الطُعْم" بشراهة، وتمّ اصطيادها في الشباك المصمم لها (!).

لكن الواضح أيضاً أن عملية الوصول الى هذه النتيجة المأساوية مرّت بمراحل وأحداث عديدة، تخللتها مؤامرات وصراعات وصدامات دموية مدروسة ومخطط لها بعناية، لتكون النتيجة لكل حلقة من مسلسل المؤامرة، المزيد من عزل وابتعاد الشعوب العربية عن قضيتهم المركزية. وهذا ما حدث تماماً، ووفقاً للسيناريو إيّاه، في العديد من الدول العربية.

وبذلك، فقد نجح أعداء الحق الفلسطيني نجاحاً باهراً في مخططاتهم الجهنمية في ضرب البعد القومي لقضيتهم المركزية، وللأسف، كان للشعار- الخديعة الذي دغدغ العواطف وأطرب الكثيرين هو " القرار الفلسطيني المستقل"، و" الممثل الشرعي الوحيد" و"فلسطنة" القضية الفلسطينية، بل وتم تعدي ذلك الى درجة التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وصولاً الى الصدام مع شعوبها، كما اسلفنا دون أن يكون للشعب الفلسطيني فيها رأي أو قرار. فلا عجب والحال هذه، ان تكون النتائج المنطقية، والتي لا يجب أن تستفز أحداً، وفي المقدمة، الفلسطيني، من مثل: "اللبننة" و "الأردنة" و "المصرنة" و الكوتنة" و" العرقنة" وغيرها، وانكفاء العربي في شرنقة قطريته وهمومه الذاتية !!. أوَ ليسَ كل هذا وغيره مما يرتبط به وينتج عنه، منطقياً ومبرراً ؟!. والانكى من ذلك، أن العديد من القيادات والتنظيمات الفلسطينية استهوتها "لعبة" الاصطفافات والتكتلات والمناكفات العربية، بل وانخرطت فيها. وكان ذلك جلياً في المواقف من الخلاف العراقي – الكويتي، واليمني- اليمني، واللبناني- اللبناني، وأخيراً، ما يجري في مصر وسوريا وغيرها من الدول العربية. وكأنها لا تريد أن تتعلم من الأخطاء، بل والخطايا التاريخية، التي ورّطت الشعب الفلسطيني فيها. والنتيجة الآن واضحة لكل ذي بصيرة: اسرائيل التي تحتل الأرض الفلسطينية تستفرد بالمفاوض الفلسطيني، الذي استدرجته وأخذته وقضيته معزولاً في سلطة لا سيادة لها على شيء، وخدّرته بالوعود الكاذبة والآمال الخادعة كالسراب، وعلى مدى عقدين من الزمن، فرضت خلالها، واقعاً استيطانياً جديداً يستحيل معه قيام دولة فلسطينية مترابطة وذات سيادة. وكانت اتفاقيات اوسلو الحلقة المركزية للمؤامرة على القضية الفلسطينية، وبحجم النكبة عام 1948. فالنكبة، على هول نتائجها المأساوية، في طرد شعب بأكمله من أرضه التاريخية، وتحويله الى لاجئ في الشتات، لم تستطع أن تنزع أو تلغي حقه في أرضه، والاعتراف بالمحتل، وبقي ذلك كابوساً، بحد ذاته، بالنسبة للعدو. لكن اتفاقيات أوسلو ازالت هذا الكابوس، وحلّت أزمة المحتل ذات البعد الحقوقي، لان "الممثل الشرعي" و"القيادات التاريخية" الفلسطينية قد اعترفت مجاناً باسرائيل، مقابل وعود زائفة وضبابية، ولنكتشف في نهاية المطاف أن محطة ما سمي "بالسلطة الفلسطينية"، كانت ضرورية وحيوية لاسرائيل، فَبِها يكتمل المخطط الصهيوني تماماً (!).

اذن، السيناريو واضح لا لبس فيه: تصفية القضية الفلسطينية حقوقياً لا يمكن أن تتم الاّ من خلال: اولاً – فصلها عن بعدها العربي والاسلامي، واعادتها الى الدائرة الأضيق- " شرنقة الفلسطنة"؛ وثانياً- الزامية مرور القضية بالمحطة الفلسطينية الوطنية من خلال اقامة " الكيان" الفلسطيني (سلطة، دولة، حكم ذاتي- سمّها ما شئت)، القادر على توقيع الاتفاقيات وصكوك الاعتراف المجاني باسرائيل، من منطلق أنه الممثل الشرعي وصاحب الحق التاريخي في فلسطين. وهذا ما حصل تماماً، حيث تجسّدت نتائجه على الأرض، ومن خلال الشعار إيّاه – القرار الفلسطيني المستقل، أو (فلسطنة القضية)، ليس حباً بالفلسطينيين، ولكن لأن العرب لايملكون حق التوقيع بالاعتراف والتنازل عن الحقوق الفلسطينية.

كما أن هذه النتائج لن تستكمل اسرائيلياً الاّ بتتويجها باقامة الدولة اليهودية النقية على فلسطين التاريخية، وهو ما يعلن عنه قادة اسرائيل بوضوح ودون مواربة. هذه هي الحقيقة المرّة التي يتجرّعها الآن الفلسطيني والعربي، ومن يريد أن يقنعنا بغير ذلك فهو إما مكابر أو شريك ارتبطت مصالحه بأصحاب المشروع- المؤامرة على القضية وشعبها. وهنا لابد من الاشارة الى أن الشعب الفلسطيني كان ولا يزال شعباً مناضلاً مقاوماً، قدّم التضحيات الجسام، شهداء، وأسرى، ومصابين، ومشردين، والتي فاقت ما قدمه الشعب الفيتنامي، مقارنة بعدد السكان والامكانات والظروف المحيطة بقضيته وكفاحه المرير، مع فارق هام تمثل في أن الكفاح الفيتنامي تُوّج بالنصر والاستقلال، اما النضال الفلسطيني فلم يحصد، حتى الساعة، سوى "الزوان"، والمزيد من الفشل والانتكاسات. وهنا لا يفوت كاتب هذه السطور أن يستذكر حادثة كان شاهداً عليها: ففي عام 1969، وعندما كانت الحرب على أشدها بين الفيتناميين والولايات المتحدة، في الوقت نفسه حدثت صدامات عنيفة على الحدود السوفيتية - الصينية- حلفاء فيتنام التاريخيين، سألَتْ مدرسة التاريخ الروسية رئيس الطلبة الفيتناميين عن رأيه في الخلاف السوفيتي الصيني، وكان جوابه مُبْهماً تذرّع (ليتهرب) بضعفه باللغة الروسية، لكنه وبعد مزيد من الضغط اجاب بأن الخلاف يدور بين الأخوين الكبيرين لفيتنام، وأي رأي يبديه الفيتنامي يزيد الخلاف بين الأخوة !. مع ضرورة الاشارة، الى أن القضية الفيتنامية العادلة كانت تتلقى الدعم الهائل من الاتحاد السوفيتي والصين. لقد كانت القيادة الفيتنامية على درجة عالية من الحكمة، بحيث أنها لم تنحاز الى أي طرف، واعتبرت ما يجري خلافاً مؤسفاً بين الاخوة. فهل تمتعت القيادات الفلسطينية التاريخية ببعض الحكمة تجاه الخلافات العربية – العربية، أم أنها انخرطت، واقحمت نفسها في لعبة الخلافات والاصطفافات، مما أساء الى قضيتها، وعزلها عن محيطها العربي، ولا زالت نتائج هذا النهج الخاطئ تتفاعل حتى الساعة.

خلاصة:

لقد شكلّت سياسات التدخل الفلسطيني في الشؤون العربية الداخلية، والمواقف تجاه خلافاتها البينية، وشعارات، من مثل "القرار الفلسطيني المستقل"، و"الفلسطنة"، وأخيرا،ً قيام "سلطة الحكم الذاتي" منزوعة السيادة على الأرض والحدود والمقدرات.. نقول إن كل ذلك وغيره الكثير من المواقف والممارسات، مثّلت الحلقات المتتالية لمسلسل تصفية القضية الفلسطينية، واجهاض كفاح شعبها البطولي من أجل الحرية والاستقلال واستعادة الحقوق.

وفي هذا السياق يمكن القول بأن الكفاح العادل للشعب الفلسطيني، شئنا أم أبينا، قد وصل الى طريق مسدود، نتيجة للنهج الخاطئ للعديد من تنظيماته وقياداته التاريخية، إنْ من حيث نظرتها لفلسفة الثورة، او من حيث رؤيتها للعلاقة الجدلية بين مفهومي: "الفلسطيني" و"العربي" بالنسبة للقضية الفلسطينية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم تستطع الثورة الفلسطينية التفريق بين "الاستراتيجي" و "التكتيكي" في عملية ادارة الصراع مع العدو المحتل، وتحديد الوسائل لكل مرحلة، لنصل الى حالة غرقت فيها القضية الفلسطينية، أو أُغْرِقت، في مستنقع المفاوضات العدمية والسلطات الوهمية. وقد جاءت أحداث، ما سمي زوراً بالربيع العربي المأساوية، لتعمق من أزمة واستعصاء هذه القضية، وتحييد بُعْدها العربي تماماً، واستفراد العدو بفرض ما يريد فلسطينياً وعربياً.

وفي الختام، فإن كاتب هذه السطور، وعلى الرغم من الحالة المأساوية التي وصلتها القضية الفلسطينية، يؤمن بأن قوة هذه القضية ستبقى تستمدها من عدالتها، ولن يتردد في الرهان على صحوة هذه الأمة من سباتها، ونهوضها من كبوتها، لا محالة، ولو بعد حين، "ولن يضيع حق وراه مطالبً (!). أما النضال الفلسطيني من أجل الحرية، والاستقلال، واستعادة الحقوق، غير القابلة للتصرف من أي كان، فسيحتاج حتماً الى انطلاقة جديدة، تعيد للقضية رومانسيتها- النقيضة الطبيعية للمنافع والامتيازات، ومكانتها الحقيقية في قلوب وعقول ووجدان أهلها وحاضنتها العربية والاسلامية. كما أن التجربة الطويلة من الكفاح، والتي لم يفلح الشعب الفلسطيني، خلالها من تحقيق انجازات ملموسة، بحاجة الى مراجعة وتقييم موضوعيين، لتحديد أسباب هذا الفشل الكارثي، بمشاركة النخب السياسية والاجتماعية والفكرية الفلسطينية والعربية، من اجل اعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، ببعديه العربي والأممي، على اسس ومنطلقات جديدة، تتناسب مع طبيعة التحديات الهائلة، والمستجدات التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته التاريخية، فلسطينياً وعربياً ودولياً. ويقيناً ان الأجيال القادمة ستنتشل الراية، وسَتُخْرج القضية من مستنقع المساومات والتنازلات والمشاريع التصفوية المكشوفة، وستعيد بوصلة الصراع الى اتجاهها الصحيح. وعلى أي حال، فلن تتحقق نبوءة غولدامائير: نعم، الكبار سيموتون، لكن أرواحهم ستبقى تحوم في سماء فلسطين الى الأبد، أما الصغار فلن ينسون، لأن الرهان لا يزال معقوداً عليهم حتى التحرير والاستقلال وعودة الحقوق.

ملاحظة: ( بمناسبة الحديث عن قرب التئام المجلس الوطني الفلسطيني، ألم يحن الوقت للنخب السياسية والاجتماعية والفكرية الفلسطينية لاجراء تقييم ومراجعات شاملة وموضوعية لمسيرة النضال الفلسطيني، بعيداً عن المجاملات والمصالح والاصطفافات والمواقف المسبقة، بهدف تصويب المسار واعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني ؟!). الدستور

Dr.zuhair@windowslive.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :