facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الفلافلُ كفافُ الجوع والحنين.


09-10-2015 05:18 PM

أخشى أنْ أموتَ وفي خاطري قرصٌ من الفلافل. أخافُ أنْ تسقطَ أسناني، وأفقدَ قرمشتها الشهيّةَ، حين أخطفها ساخنةً، وقد خرجتْ للتوِّ من الصاج، فتحرقُ شفتيَّ وسقفَ حلقي، ولا بأسَ بدمعةٍ حُلوةٍ، فالعينُ تُحبُّ الفرح.
إنها بنتُ البُقول. ومَنْ يقاومُ حبّةَ فلافل صغيرة. مَنْ لا تُناديه الرائحة من أقصى الشارع، ليراها وهي تهبطُ في الزيت، وتنضجُ على عَجَلٍ، ويودُّ لو يمدُّ أصابعه إلى المقلى، فصاحبُ المطعم يتلذّذُ غالباً في تعذيبك، وهو يُقلّبها، ويسألك الصبر. يا رجل. مِنْ أينَ يأتيني طولُ البال، واللعابُ يلعبُ مع لساني، فهاتها سريعاً. وشكراً. لا أريدُ رشّةَ السمّاق، ولا كيسَ الورق.
أكلتُ الفلافلَ في عمّان ودمشق والقاهرة وبغداد وبيروت ودبي، وتبعتها حين هاجرت الى لندن وامستردام وباريس، وبلاد الواق واق. لا آبهُ لاختلاف النكهات، ولا لمدارس التحضير. أبحثُ عن غموضِ الكمُّون والكزبرة، ولذعةِ الفلفل، ومُلوحة المزيج. أحببتها بالحُمّصِ والفول، وقد دلّعها الحلوانيُّ المصريُّ، وسمّاها "طَعْميّة"، بعدما بنى لها بيتاً في خان الخليلي.
أحبُّ الوقوفَ على رأسِ الرجل عند الصاج، يُهندسُ الحبّةَ في القالب، ويُنزلها بحركةٍ مسرحيّةٍ إلى الزيت. أبتلعُ حبّات كثيرة، قبلَ أن يلفها بسرعةٍ في الرغيف مع البندورة، والخسّ، والبقدونس. والشطّة. آخذها، وأقضمها ماشياً، وأودُّ لو أرقصُ في الشارع، لفرطِ النشوة.
الفلافلُ مدنيةٌ، نشأتْ وعاشتْ على ضفافِ النيل، ثم حصلتْ على جنسيةٍ شاميةٍ، لتزدادَ جمالاً وأناقة، قبل أن ترحلَ خطيفةً مع الغزاةِ إلى الصحراء. لقد طلبت جلالةُ الملكة الفرعونية كليوباترا بنت بطليموس من خادمها أنْ يقلي لها الفولَ المنقوعَ في زيت النخيل، ثمّ أمرت وصيفتها أن تخلطَ لها مع "المناكير" قليلاً من الشطّة، قبل أن تطلي أظافرها باللون الأحمر. جاء الخادمُ بالفلافل. أخذتْ الملكةُ واحدةً، ولشدة لذّتها، قَضَمتْ ظُفرها، ولَذَعَتْها الشطَّةُ، وكانَ أنْ وصفت الفلافلَ لحبيبها الرومانيّ ماركوس أنطونيوس، وقالت له حرفيّاً: "هتاكلْ صوابعك وراها". ومنها جاءت المقولة المصرية الشهيرة.
لا تصدقوني. هذه أسطورةٌ من اختراعي. وكيفَ تكونُ الفلافلُ شهيّةً إلى حدّ الخرافة، إن لمْ تكن من أصلٍ أسطوريّ. لكنّ الحقيقة أن جلالة الملكة الأميركية "ويكيبيديا" تؤكد أن "الأقباطَ هم آباءُ الفلافل، وقد صنعوها من الفول، لتكونَ طعاماً نباتياً ملائماً للصوم المسيحيّ، والكلمة من ثلاثة مقاطع "فا" و"لا" و"فل".. ومعناها ذاتُ البُقول الكثيرة".
أكثرُ من بدعةٍ دخلت على هذه الحبّات والأقراص. لكنَّ الطحينيّة لا تزالُ الأسوأَ على الإطلاق. يضعونها مع الفلافل. كما لو كانت أمها. والثابتُ تاريخياً أنَّ أباها الشرعيّ هو الحُمّص، بينما أمّها الخبزةُ التي تحضنها بحنانٍ غامرٍ في "الساندويتشات". لعلمكم، فإن العراقيين يُسمّون الطحينيّة بـ"الراشي". أحسنتم أيها الجيرانُ. فالراشي والمُرتشي في النار. لقد شفيتم غليلي من طحينيّة السمسم هذه. لتذهب حالاً الى الكفتة. ما شأنها والفلافل.
ثمّ خذوا بِدَعاً أخرى. كالبصل والسمّاق الذي يحشونه في قلب الحبّة الكبيرة. ما شأنُ الحموضة هنا، وما محلّها من الإعراب. ثم رأيتُ في مطعم "أبوجبارة" في عمّان آلةً من عملِ الشيطان، تقلي الفلافل أوتوماتيكياً، وترمي بها إلى الزيت الحارّ، دونَ رأفةٍ أو ضمير.
يا إلهَ الحياة. أعطني حبّة فلافل عمّانية، كفاف هذه الجمعة، وكفاف جوعي وحنيني..





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :