facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




هَب الشوق


22-07-2008 03:00 AM

سيكون لإجازة هذا العام طعم مختلف ، ربما لأنها جاءت بعد عامين كاملين طويلين كدهرين اتصلا ببعضهما فلم يتركا للمشتاق فسحة يروح فيها عن نفسه . وربما لأن الفضاء النفسي اختلف بعد أن انفتحت أبواب عالم جديد عبر أثير الانترنت ، عالم الكتابة والصحافة ، فبات على مسرح الأحداث شخوص جدد ، نشتاق لرؤيتهم ونتمنى أن نجالسهم عن قرب ، فنتواصل ونتحاور ويلقي كل بهمومه على الآخر ، المغترب على المقيم والمقيم على المغترب ، فالهموم متشابكة وان تباعدت المسافات وطال بنا الرحيل .
أجزم أن عمان تغيرت كثيرا ، وأن عين الرائي ستلاحظ ما غطت به هذه المدينة وجهها من زواق ومساحيق تجميل ، عمران مستمر وأبراج ومشاريع لا تحصى ولا تعد . من الجميل أن يرى المرء حبيبته قد تجملت قبل لقائه ، لكن المحب الحقيقي يبحث عن ما هو أهم من ذلك ، فهو يبحث عن ماض وذكريات ، عن طفولة وشباب يافع وعلاقات إنسانية وجيرة وتراحم ، يبحث المحب عن أصالة المكان وروعة الزمان الذي أفسدته – حتما – مساحيق التجميل وروح عصر مختلف تباعدت فيه الذوات عن معانيها الحقيقية ، فطحنتها صعوبات الحياة ومتطلبات الحداثة والمسايرة .

قد تكون عمان تغيرت وتضخمت وامتدت آثار ( السوليدير ) المرتقب إلى أكثر معالمها أصالة وعبقا ، لكن دعونا من عمان ولنتجه جنوبا ونسأل : هل تغيرت القصر يا ترى ؟ هل تعرفون القصر ؟ ربما لم يرها أكثركم ، هي مكان تفوح منه رائحة التاريخ وعراقة الأردن ، فهي أصلا أقيمت حول قصر روماني قديم أحاطت به من جهاته الأربع فنُسبت إليه وسُميت باسمه . قد يكون في رمزية التفاف هذه المدينة الصغيرة حول معلم أثري عريق ما يوجه أنظارنا إلى حقيقة أن الأردن ممتد تاريخيا إلى أعمق الأعماق ، وأن لإنسانه تاريخا مجيدا ، نجهل أكثره ، لأننا وللأسف الشديد لم نعد قادرين على أن نميز بين الجوهر والصورة . علينا أن نراجع أنفسنا كثيرا ونفخر بتاريخنا وعراقتنا ، ونحدد بدقة معنى الانتماء ونرتب الأولويات في حياتنا ، فالأردن هبة السماء فقط وتاريخه مديد لا يتوقف عند حقبة واحدة من الزمان .

المهم أن القصر أكثر مقاومة للتغيير وإنسانها أشد ارتباطا بقيمه وأصالته ، تماما كما هم أبناء المدن الأردنية الأخرى ، النائية عن العاصمة والبعيدة عن عين الحكومات وهموم المسئولين الذين لا يتذكرونها ويسألون عن احتياجاتها إلا إن طرأ طارئ انتخابي أو ما شابهه . هناك في أحضان بيت أبي في الجنوب سأكون قادرا على الولوج إلى زماني القديم وممارسة طقوسي المحببة ، سأعود طفلا يمارس مشاغباته منذ طلوع الفجر حتى مغيب الشمس ، أريد أن أتعرض لألف " فشخة " وألف " رفسة " وأريد أن أنجح هذه المرة أيضا في تسلق جبل شيحان والوصول إلى قمته برغم ما في ذلك من أخطار وهوام وعقارب ، أريد أن أعود إلى جدتي آخر النهار منهكا ممزق الثياب فتواجهني بلوم خافت تحاول أن تخفي من خلاله ما اعتصر قلبها من قلق وإشفاق على مغيبي . جدتي اليوم لا تستطيع الحركة إلا بعد جهد جهيد ، هي أسيرة سريرها ، لكن عينيها ما زالتا تحملان نفس الدفء ، وفي قلبها ما لا حد له من المشاعر الفياضة والطهر والإيمان .

سيتحلق الأحباب ويتجمعون ترحيبا بالزائر السنوي ، أعرف ملاحظاتهم وتعليقاتهم منذ الآن ، سيكونون قادرين على أن يبصروا ما طرأ علينا من تغير أكثر من قدرتنا نحن على إبصار أنفسنا ، لكن بالمقابل سنكون نحن أقدر على إبصارهم أيضا وملاحظة التغييرات التي طرأت عليهم ، سنتحدث عن ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الرواتب ، وقد يمتد الحديث إلى تحرير الأسرى العرب وواجب إطلاق الأسرى الأردنيين الآن . سأفتح أنا هذا الموضوع ، لأن ثمة أشياء مشتركة بين الأسير والمغترب ، أشياء لا يدركها إلا من عانى البعد عن وطنه ومفارقة أحبابه .

هب الشوق ما عادلي في الغربة قعود ، أمد الله في عمر المبدع الكبير توفيق النمري ، ففي كلمات أغانيه ما يختصر مسافات شاسعة يقطعها المرء محاولا التوفيق بين عمق مشاعره وضآلة مخزونه من الكلمات المعبرة . أخشى الصعود إلى طائرة صباح الخميس ، فبرغم اشتياقي العارم الذي تكاد تقتلعني أعاصيره ، غير أني أوقن أن عداد الدقائق والثواني لا بد أن ينقضي ، وستنتهي الإجازة كما بدأت ، ونعود إلى روتيننا القاتل ، نخاطب الوطن عبر أثير الهاتف ، أو صفحات الإنترنت ، وفي قلوبنا من اللوعة ما لا يعلمه إلا الله .

samhm111@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :