facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




لا تكن ضعيفا .. حارس سيلايجيتيش


اسعد العزوني
02-04-2016 07:13 PM

خلال مسيرتي الصحافية التي تبلغ أربعين عاما ، وإتسمت بالمعاناة والتحدي ، قابلت نحو ألف من كبار المسؤولين العرب ، ولم أشعر أن واحدا منهم أضاف لرصيدي المعرفي شيئا ، سوى خمسة منهم هم الراحل الملك الحسين الذي بهرني بدبلوماسيته وبراعته في مخاطبة الآخر ، والراحل ياسر عرفات البارع في تقدير الطرف الآخر ، والراحل صدام حسين الصارم ، والمشير سوار الذهب لزهده وأدبه الجم .

وأستطيع الآن أن أضيف البعد الإسلامي ، من خلال إضافة مسؤول رفيع إسلامي هو الرئيس البوسني السابق حارس سيليجيتيش ، ذلك العلامة ليس في السياسة فقط ، بل في كافة العلوم من جغرافيا وتاريخ وأدب وفلسفة ، وفن التحليل السياسي القائم على النظرية العلمية ، وليس ضرب الكلمات في كافة الإتجاهات.

إلتقيت بهذا الرجل خلال محاضرة نظمها منتدي الفكر العربي ، وأبدع أيما إبداع في طرح افكاره ، ونجح في إيصال رسائله بإمتياز ، وكان بارعا في كل حركاته وسكناته ، وهذه الميزة لا تتوفر إلا في الشخص الذي تعب على نفسه ، وجددها بإستمرار من خلال القراءة والكتابة والفهم ، وقد إستحق التدرج بالمناصب حتى وصل رئيسا لبلاده ، لأن البوسنة والهرسك تستحق رجلا مثله.

بعد المحاضرة التي أنهاها وهو بكامل قيافته الحيوية - لأنه لم يجهد نفسه عناء الإحراج من قبل الحضور خشية ألا يكون قد قدم أفضل ما عنده ، ولأنه قدم محاضرة تستحق أن يطلق عليها أم المحاضرات ، بسبب إكتمالها من حيث الموضوع والطرح وطريقة التقديم وتفاعل الحضور الإيجابي – تحدثت معه وكان مثالا يحتذى في إحترام الآخر ، وسألته عدة أسئلة خاصة وقدمت له مجموعة من كتبي ، وقرأت في محياه فرحة لتلقيه هدية عبارة عن مجموعة من الكتب .
إتسم حديث الرئيس سيليجيتيش بالعقلانية المبنية على علم المنطق ، والمدعمة بالحقائق الدامغة ، وظهر وهو يسير في خط مستقيم غير متعرج ، بمعنى أن الرجل قد حفظ خارطة طريقه ، وجاء إلى الأردن وهو يعرف ما سيقول ، ويعلم مسبقا أنه سيتحدث أمام النخبة ، ولذلك كان خطابه متميزا من حيث الأسلوب والمضمون وحتى أسلوب الحديث ، إذ لم ألحظ عليه أي حالة إرتباك .

تحدث الرجل عن تاريخ بلاده ، وأجزل الوصف ، وإتهم المجتمع الدولي بخيانة المثل والقيم والتعددية ، وخص بالذكر أوروبا الذي قال عنها أنها أرادت إبادة المسلمين في البوسنة ، ولهذا لم يتدخلوا لصالحها وردع صربيا ، التي نفذت عدوانا صارخا على شعب البوسنة والهرسك ، وقاموا أيضا بحظر السلاح عن البوسنة ، لكنه عدل المسار بفخر ، أن صمود شعبه أبطل النوايا الأوروبية وصد العدوان الصربي ، وإنتهى العدوان دون أن تخسر البوسنة بوصة واحدة من أراضيها .
كان حديث الرجل في هذا الجانب غير مرتجف ، ولم تشوبه شائبة الإرتباك والخوف من القوى التي هاجمها بشفافية ، أن تتخذ منه موقفا معاديا ، وربما تصدر أمرا بمنعه من دخول أراضيها ، كما يفعل المسؤولون العرب الذين يرتجفون من سؤال صحافي محرج للضيف الأجنبي ، فهذا هو الرجل الذي إحتل المنصب رقم واحد في بلاده يوما ، ومع ذلك تسلح بحب وطنه ، ووصّف المواقف بالصورة الصحيحة ، ولم يدر بخلده ردة فعل أحد .
إتسم تحليل الرئيس سيلايجيتيش بالنبوءة التي نقرأ إرهاصاتها اليوم ، ومنها أن تحالفا غربيا – إسلاميا سيظهر في آسيا ، وأن أمريكا ستتقدم أوروبا التي ستصل متاخرة وتصبح في الظل ، كما تحدث عن حرب عالمية ثالثة ستنفجر لا حقا.

صحيح أنه مسلم أوروربي ، وهذا لم يمنعه من متابعة في مجريات الأمور في المشرق العربي ، وإتضح أنه على علم بالجزئيات الدقيقة ، ولديه المقدرة على ربط ما جرى في بلاده ، مع ما يجري حاليا في الشرق وخاصة في العراق وسوريا ، وقد حذر السوريين والعراقيين معا من مغبة القبول بالتقسيم ، لأنه سيجر مصائب وحروبا صغيرة إلى الأبد.

كحكيم فتح الله عليه ، ظهر الرئيس سيلايجيتيش ، عندما تحدث عن واقع العالم المتحضر وغير المتحضر ، وأسهب في الحديث عن الأزمة العالمية ووضع لها حلولا ، وهي السير على نهج التسامح العميق والتعددية بمفهومها الصحيح وهو العيش معا ، وليس إلى جانب بعض كما هو الحال في أوروبا ، كما دعا إلى الحوار الجاد الموضوعي الهادف ، وأن نتعايش مع الزمن بشكل صحيح ، وضبط خطواتنا لتتواءم مع حركة الزمن ، وأن نقبل الإختلاف والنقد والرأي الآخر، لأن ذلك سيساعدنا على تصحيح مسارنا ، فنحن كما قال في سفينة واحدة ، وهذا برأيي أصدق تعبير عن الحضارة الإسلامية.

كان الرئيس سيلايجيتش صريحا شفاف عندما أعلن أنه علماني ، لكنه لم يفك إرتباطه بالحضارة الإسلامية ، ولم يتبرا من دينه ، ولذلك إستحق بجدارة أن يكون داعية إسلاميا فاهما لأصول دينه راقيا في فكره وطرحه ، وهو هنا يختلف عن الآخرين الذين ما إن تحدثوا بلسان اجنبي ، حتى يسارعوا في الإعلان عن تنصلهم من دينهم وتخليهم عن عقيدتهم ، وقد قال لا فض فوه أن عودة الناس اليوم إلى المنابع الأساسية للإسلام ، لا يخدم المسلمين فقط ويصحح مسارهم ، بل يخدم المسيحية واليهودية ، والتي إبتعدت كل منها عن منابعها التوحيدية الأصيلة ، وأن في هذا خلاصنا جميعا.

تحدث فخامة الرئيس سيلايجيتش عن زوايا تاريخية ، قل من يجرؤ على الحديث عنها ، وهي أن المسلمين إستقبلوا اليهود الهاربين من محاكم التفتيش في إسبانيا في القرن السادس عشر ، وأن المسلمين البوسنيين على سبيل المثال قد إستقبلوهم بحفاوة ، وفسحوا لهم المجال للعيش بين ظهرانيهم حتى ظهور النازية ، وأن الحكومة البوسنية آنذاك ، بعثت بمذكرات لحكومة النازي هتلر تدافع فيها عن يهود.

كما أوضح ، أن هناك من حاول جر الإمبراطور العثماني سليم الأول ، للإنتقام والأخذ بالثأر من إسبانيا وملكها بقتل المسيحيين ، وقد طلب فتوى من مفتي الإمبراطوية الذي أفاده أن الله سبحانه وتعالى يمنعه من ذلك ، لأن المجرم فقط هو الذي يقتل .

آخر إبداعات الرئيس سيلايجيتش نظرية أهملناها نحن في العالمين العرب والإسلامي ، وهي :"لا تكن ضعيفا " ، وقد أسهب في الشرح ، محذرا من الظهور بمظهر الضعيف لأنهم " سيأتون إلينا ويأكلوننا ويسيطروا على ثرواتنا "، تماما كما هو حاصل هذه الأيام في الوطن العربي الذي قاده ضعفه رغم إمكانياته إلى الهلاك ، وأن من إستفاد من ضعفنا لم يكفه ما فعله بنا من خلال معاهدة سايكس – بيكو ، ولذلك نراه وقد أدخلنا في مشروع أشد خطورة علينا وتنكيلا بنا ، وهو مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الكبير وشبيهه الإسرائيلي وثيقة كيفونيم ، اللذان سيقسمان المقسم ويجزئان المجزأ.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :