facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




عمان .. مسافات شاسعة ويد خفية


سامر حيدر المجالي
08-08-2008 03:00 AM

جلستُ أمس في أحد المقاهي محاولا أن أجد شيئا ذا قيمة في عيون الناس وتعبيرات وجوههم . كان المقهى ممتلئا عن آخره ، بالكاد وجدت طاولة صغيرة في وسط المكان فألقيت عليها فراغي ولهوي ورغبتي في تمعن الوجوه واستقصاء سرائر أصحابها .

تحتاج إلى جهد كبير كي تفهم لغة الوجوه إذا كنت لا تنتمي إلى جيل أصحابها . كان أكثر الجالسين حولي من فئة الشباب اليافع ، من الواضح أن أكثرهم من طلبة المدارس الثانوية أو سنوات الجامعة المبكرة . لا شيء جديدَ في وجوههم يلفت الأنظار ، إنهم ممتلئون فرحا واقبالا على الحياة ، جلساتهم مختلطة ، يضفي تواجد الجنس اللطيف عليها مزيدا من الجاذبية والجمال .

لفتت إنتباهي أحد الصبايا اليافعات ، كانت تسحب دخان أرجيلتها فتبثه في كأس فارغ أمامها ثم تحاول أن تحبسه داخل الكأس بيديها ، أو تنفثه في حين آخر عبر مصاصة بلاستيكية ( شلمونة ) في وجه زميليها الجالسين أمامها . كانت تصرفاتها عبثية إلى أبعد حد ، لكنَّ في عبثيتها ما يبث فيك حنينا من نوع خاص ، ورغبة في العودة إلى أيام الشباب والإستمتاع بطيشه وخفته . هؤلاء الشباب لا يختلفون عنا كثيرا ، هكذا أردت أن أقنع نفسي ، كنا مثلهم لا نعرف قيمة الوقت والسنوات ونحسب أن العمر سيبقى ربيعا زاهي الألوان . كنا كذلك نقوم بنفس التصرفات ، ونعبث بكل شيء حولنا . صحيح أننا لم نكن نخرج من أسوار الجامعة ، ولم نعرف المولات والكوفي شوبات طيلة فترة دراستنا ، إلا أن تعابير المودة والرقة التي تكسو الوجوه عند اشتراك الجنسين في جلسة واحدة هي نفسها ، والحواجز التي كنا نحاول تكسيرها كي نزرع الإطمئنان في نفس الجنس الآخر هي ذات الحواجز . هؤلاء الشباب ليسوا اجرأ منا ولا أكثر إقبالا على الحياة ، هم فقط يمتلكون مقدارا أكبر من الصياعة ، عالمهم منفتح وألوانه أكثر جذبا للأنظار .

حاولت أن اتأقلم مع جلبة المكان وضوضائه ، ضايقتني كثيرا الأصوات المختلطة والضحكات والقهقهات . غير أن ما ضايقني أكثر تلبد الجو بدخان الأراجيل الذي كان يأتي من كل اتجاه . فعلى كل طاولة عدد من الأراجيل بعدد الجالسين عليها ، وهم ينفثون ما لاحصر له من الدخان ذي النكهات المختلفة ، بالليمون والعنب والتفاح والتفاحتين والسوس وغيره وغيره . ما سر تعلق هؤلاء الشباب بالأرجيلة ؟ لماذا أصبحت متطلبا أساسيا لا يمكن الإستغناء عنه في مثل هذه الجلسات ؟ هل يبحثون فعلا عن الكيف ؟ لا أظن أن الأرجيلة تمنح صبية في مقتبل العمر كيفا أو شعورا بالسعادة . الناس يميلون الى التقليد واتباع ما يرون الجمهور مقبلا عليه ، لذلك أصبحت الأرجيلة مظهرا اجتماعيا خاليا من المضمون ، وتقليدا درج عليه الكثيرون . هي صديقة من يحاول أن يسبق مرحلته العمرية ، أو يقتل وقتا هو كتلة من ( اللاشيء ) . الأرجيلة موضة حينا ، وسخط على الدنيا حينا آخر ، وهي كذلك ملجأ لمن يحب أن يرى شكل زفراته ، عندما لا يمتلك الانسان تجاه همومه الا أن يبث زفرات تلو زفرات .

تبدل شعوري تجاه المقهى بعد أن بلغ التلوث الصوتي حده وأطبقت ( عَجّة ) الأراجيل على المكان . كان هناك الكثير من الرواد الواقفين ينتظرون خلو طاولة كي يجلسوا عليها ، قررت أن اشاكسهم وأبقى في مكاني ، هكذا من أجل ( الدقارة ) فقط . على فكرة ليس هذا هو المكان الوحيد المزدحم في عمان ، فكل شيء يعاني من الإزدحام . أصبح الإزدحام ظاهرة يجب دراستها . كلما دخلتَ مطعما وجدتَه ممتلئا ، أو سوقا عاما لم تجد موطيء قدم فيه ، حتى على محطات الوقود تقف في طابور طويل بانتظار أن تملأ سيارتك بالبنزين ، علما بأن أسعار البنزين لا تخفى على أحد منكم ، وأسعار المطاعم أقرب الى النهب منها الى أي شيء آخر . استغرب كثيرا كيف أن وجبة شعبية كالحمص والفلافل تكلف الشخص الواحد أربعة دنانير في عمان الغربية ، ومع ذلك تجد المطاعم مزدحمة ، وعائلات بأكملها جاءت لتناول وجبة العشاء ذات التكلفة الفلكية . صحيح أن هناك نسبة من المغتربين وطبقة من الموسرين ، غير أن هذا لا يفسر الازدحام الهائل الذي تشهده هذه الأماكن . هل يتم تضخيم الصورة البائسة للمواطن الأردني ؟ أم أن عمان خرجت من دائرة المنطق ولم يعد بإمكان المرء أن يفسر أي شيء يجري على أرضها ؟ من المؤكد أن هناك ( يدا خفية ) تدير هذا المجتمع وتحميه من تقلبات الزمان ، هذه اليد الخفية هي رعاية الله ولطفه بعباده ، نحن – معشر المؤمنين – نفهم اليد الخفية هكذا ، ولا ندور حولها دون أن نجرؤ على تسميتها باسمها الحقيقي كما فعل آدم سميث وتلامذته من بعده .

غادرت المقهى أخيرا ، توجهت إلى سيارتي ودخلت في أزمة سير خانقة عند تقاطع الجاردنز مع شارع المدينة المنورة . رغم الزحام الهائل إلا أن مكوثي ضمن الأزمة لم يطل فقد كان رجال السير يؤدون مهمتهم بكل كفاءة واقتدار . ما أجمل منظرهم وهندامهم ، إنهم لا يقارنون أبدا بالذين نراهم في بلدان أخرى . أوقفني أحدهم فجأة ، نبهني بكل أدب وهدوء الى أن الحديث في الهاتف الخلوي ممنوع أثناء القيادة . نظرت إلى وجهه فاذا هو شاب أكبر قليلا من أولئك الشباب الذين رأيتهم في المقهى . سألت نفسي إن كان هذا الشاب قادرا على الاستمتاع بوقته في كوفي شوب عند انتهاء وظيفته ، أو هل تمكنه ظروفه المادية من الخروج وعائلته لتناول وجبة العشاء في أحد المطاعم التي حدثتكم عنها . لم أرد أن أعرف الإجابة على سؤالي ، حتما ستكون مؤلمة . فشكرته على لباقته ومضيت في طريقي ......

Samhm111@hotmail.com





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :