تمكين السجناء من الخلوة الشرعية
23-07-2016 07:14 PM
*بتصرف عن دراسة حق السجين بالخلوة الشرعية للدكتور عبدالحافظ ابو حميدة
أقر الفقه الإسلامي حقوقا متعددة للسجين تحفظ عليه كرامته وإنسانيته؛ موازنا في الوقت نفسه بين مقصد السجن كعقوبة تعزيرية رادعة، وبين حق السجين كإنسان لا يسلب إنسانيته رغم مخالفته، واستحقاقه العقوبة المشروعة.
ومن جملة تلك الحقوق حقه في الالتقاء بزوجه (زوجته) لقاء الأزواج داخل السجن، فيما بات يعرف بالخلوة الشرعية
فمن المعلوم أن السجين هو إنسان ارتكب مخالفة أو جناية اقتضت دخوله السجن ليقضي فيه العقوبة المقررة ، وتتبع مدة العقوبة في السجن نوع المخالفة أو الجناية التي ارتكبها.
ولا شك أيضاً أن ارتكاب المخالفة أو الجناية هو جريمة بحق المجتمع ككل وإن كانت واقعة على فرد أو أفراد؛ لأن أمن المجتمع إنما يحصل من خلال أمن الأفراد الذين يتشكل منهم المجتمع.
وإذا لم تكن هناك قوة رادعة يقع على كاهلها حماية المجتمع من المخالفات، والجنايات؛ فإن حياة الناس ستتحول إلى جحيم لا يطاق، وسيعيش كل فرد الخوف والرعب في كل يوم نتيجة فقدان الأمن، لذا نجد أن كل الدول في العالم؛ إسلامية، أو غيرها أقرت وجود القوى الأمنية والعسكرية التي تحمي الحياة المدنية للناس؛ ليستطيع كل فرد القيام بعمله من موقع الأمن والاطمئنان.
و قد فرض السجن نفسه كعقوبة تعزيرية لا بد منها كوسيلة من وسائل الردع والإصلاح تحقيقا للأمن المنشود في المجتمع. إلا أن هنا نقطة مهمة وأساسية لا بد من التوقف عندها ألا وهي: هل أن مرتكب المخالفة والجناية التي جعلته يستحق السجن تجرده من حقوقه الإنسانية، والأخلاقية، والأدبية عند حبسه؟ أم تبقى حقوقه قائمة ومعترفاً بها إبان قضائه فترة العقوبة؟ وبعبارة أوضح، هل تسقط الحقوق المدنية للسجين؟ أم تبقى محفوظة له على نحو يتلاءم مع قضائه للعقوبة في السجن ؟ وباستعراض سريع لما ذكره الفقهاء في هذا الموضوع؛ نجد شبه اتفاق بينهم على أن السجين لا يجرد من إنسانيته، بل تبقى له حقوق لا بد من مراعاتها وعدم تجاوزها؛ لأن نظرة الإسلام إلى السجن لا تنطلق فقط من كونه أسلوبا تعزيريا للسجين على ذنب اقترفه، بل أيضا ينظر إليه على أنه مكان لإعادة تأهيل السجين، وإصلاحه تمهيدا لعودته إلى مجتمعه كمواطن ينفع نفسه وأمته. ومن الحقوق التي نص الفقهاء على ضمانها للسجين :
حق السجين في احترام كرامته 1 الإنسانية: فلا يضرب ولا يغل ولا يقيد.( ) وحق ممارسة الشعائر التعبدية داخل السجن، وحق الزيارة من قبل الأهل والأصدقاء( )، وحق العلاج والحصول على الرعاية الصحية التامة داخل 2 السجن بل وخارجه إن لزم الأمر( .( ومن الحقوق التي نص عليها الفقهاء أيضا حق السجين بالالتقاء بزوجه لقاء الأزواج والذي أصبح يعرف عند المعاصرين بحق الخلوة الشرعية، إلا أن ذلك الحق لم يسلم من الاعتراض قديما بين الفقهاء أنفسهم، وحديثا بين التشريعات القانونية التي تنظم أحكام السجون.
وق اختلف الفقهاء في حق السجين في تمكينه من الالتقاء بزوجه في السجن حيث اتفق الحنفية و الحنابلة وبعض غعهلماء الشافعية على أنه لا يمنع السجين من الالتقاء (بزوجه) إذا طلب ذلك، وتوفر المكان الملائم لذلك وهو ما اعتمدت عليه دائرة الافتاء العامة في إباحة الخلوه التي نص عليها قانون مراكز الاصلاح والتأهيل في الاردن.
أن العقوبة في التشريع الإسلامي توقع على شخص الجاني و لا تتعداه إلى غيره ومن مقتضيات تطبيقات هذا المبدأ ان لا تؤثر عقوبة السجن على غير شخص الجاني، فإذا ما قيل بمنع السجين من الخلوة الشرعية (بزوجه) فإن ذلك في حقيقة الأمر تعدية للعقوبة من شخص الجاني الى شخص آخر هو زوجه لما هو معلوم بالبداهة أن حاجة المرأة إلى إشباع حاجتها الجنسية من خلال الالتقاء ببعلها لقاء الأزواج هي حاجة ملحة ومشروعة في آن واحد .
وتحقق الخلوة الشرعية عدد من الفوائد حيث تحافظ على ديمومة العلاقة الزوجية بين السجناء وأزواجهم، فكثير من الأسر التي يحكم البعول فيها بالسجن لاسيما لمدد طويلة تتعرض تلك الأسر للتشتت والضياع بسبب طلب الزوجات التفريق بينهن وبين ازواجهن
كما إن تمكين السجين من ممارسة حقه في الخلوة الشرعية يلعب دورا بارزا في صيانة السجين من أن يصبح عرضة للمفاسد العظيمة الناجمة عن بعده عن زوجه لفترة طويلة . وكثيرة هي حوادث الشذوذ الجنسي التي تسجل بين السجناء، وهي وإن كان الكثير من القائمين على السجون في بلادنا يصرون على أنها حوادث فردية لا ترقى إلى حد الظاهرة؛ فإن ثمة دراسات ميدانية تؤكد خلاف ذلك .
كما ان تمتع السجين بحق الخلوة الشرعية تحفظ السجين من الخروج عن طبيعته البشرية، وإن عدم تمكينه من ذلك سينعكس سلبا على حالته النفسية ولعل ذلك من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانحرافات السلوكية، والاضطرابات النفسية للسجناء التي تخلق كثيرا من المشكلات بين السجناء؛ مما يكلف الدولة جهدا هائلا لتوفير الكوادر البشرية،والموارد المادية للسيطرة على مثل هذه المشكلات.
ولذلك فإن تمكين السجناء من الخلوة الشرعية بأزواجهم سيكون عاملا فاعلا في تحقيق التوازن النفسي لهم ؛و من ثم تفادي أو على الأقل التقليل من تلك المشكلات
فيما يؤدي منع الخلوة او الامتناع عنها الى زيادة معدلات انحراف الزوجات بسبب تلبيتهن لاحتياجاتهن بشكل غير شرعي و زيادة حالات التشتت الأسري للأبناء و التفكك الاجتماعي مما يهدد استقرار المجتمع اضافة الى المخاطر الصحية والنفسية كانتشار الأمراض النفسية مثل الإحباط والاكتئاب والإدمان و انتشار الإمراض الجنسية المتربة على الممارسات الشاذة والمثلية المحرمة شرعا و زيادة معاناة الزوجات نفسيا رغم أنهن غير مسئولات عن جرم أزواجهن.
وق أقر القانون الأردني بحق السجين في الخلوة الشرعية، ونص على ذلك صراحة في المادة"20" من قانون مراكز الإصلاح والتأهيل، حيث نص على أن "لكل نزيل محكوم عليه بمدة سنة أو أكثر الاختلاء بزوجه الشرعي في مكان في المركز، يخصص لتلك الغاية تتوافر فيه شروط الخلوة الشرعية ووفق تعليمات يصدرها المدير".