facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




محاربة الفساد .. هبّات وفزعات أم مأسسة وثقافة؟


عاطف الفراية
02-09-2008 03:00 AM

أود التذكير في البداية أنني لم أكتب سلبا ولا إيجابا، ولا أنا مع ولا ضد الحملات التي طالت أشخاصا بعينهم بدءا من باسم عوض الله وانتهاء بحسني أبو غيدا، وأن هذا المقال غير معني على الإطلاق بتحديد موقف اصطفافي مع أو ضد أصحاب تلك الحملات، وإنما بالحملات في ذاتها من حيث هي موضوع، بعيدا عن القائمين بها أو المستهدفين منها. أصبح من البداهة بمكان أن الفساد في مؤسسات الدولة الأردنية برمتها متجذر ويطال كل شيء. حتى أصبح المسؤول أو المشروع أو الدائرة التي تخلو من الفساد هي الاستثناء الذي يمكن الكلام عنه من حيث أنه يعزز القاعدة ولا ينفيها. ولقد تغلغل في الثقافة العامة حتى لم يعد عيبا.

بل بلغ أن يكون مصدر فخر واعتزاز لدى الكثيرين. وتدخل في تشكيل لغة التخاطب بين أجيال توصف أساسا بأنها (جاهزة للطوشة في أي وقت) وغدا من العادي أن تسمع أحدهم يخاطب الآخر بالقول: من أنت وما موقعك حتى تكلمني.. وقد شهدنا ومنذ زمن طويل منافسات بين أبناء مسؤولين من منهم يستطيع أن يرتكب حماقات ووساخات أكثر من الآخر ويستطيع أهله إخراجه منها أكثر وأسرع من الآخر. حتى بات من العادي القول إن الفساد في الأردن (ممأسس) ومحاربته ليست (ممأسسة) بل في الحقيقة أنه لا أحد من الشعب يأخذ مسألة محاربة الفساد على محمل الجد. حتى غدت من النكات المضحكة.

فسرعان ما يضحك الناس بمرارة حين يرون أشخاصا من ذوي التاريخ في الفساد بل من رموزه يتصدرون الحديث عن محاربته. وفي ظل حرية نسبية ومقننة ومعروفة الخطوط الحمراء يمارس المتمتعون بها رقابة ذاتية على أنفسهم.. تقوم منذ فترة هبّات محاربة تستهدف ذواتا بعينها دون وجل مصرحة باسمها وتتركز على شخصها مطالبة باستقالتها أو الإطاحة بها.. وينشط كتاب وصحفيون في تصيّد كل ما يخص تلك الشخصيات، والإكثار من الحديث حولها لينشط في المقابل عشاق المديح والإنشاء للدفاع عنها. ولا شيء يمنع الناس خارج هذا الإطار من التصديق أن الطرفين من مهاجمين ومدافعين كليهما من ذوي المصلحة الخاصة في إقصاء الشخصية أو إبقائها.

(لست مع ولا ضد أحد بعينه ولم أتكلم سلبا ولا إيجابا في أية حملة شخصية) وأول ما يطالعنا في هذه الحملات أن الذين يكتبون فيها يطالبون ب (الاستقالة) أو (الإطاحة) والبعض استخدم تعبير (عد من حيث أتيت) لكن لا أحد منهم استخدم تعبير (المحاكمة) أو طالب بتقديم المستهدف إلى القضاء.

وكأن الهدف هو تنحية المستهدف بغض النظر عن النتائج أو المقدمات، دون أن يكون مطلوبا منه أو من غيره أن يعيد ما أخذ، أو يعدل ما خرب، أو يلغي ما اتخذ من قرار، أو يخضع لعقوبة. والقضاء بحد ذاته من حيث هو الحكم والفيصل نجده غائبا أو مغيبا من الحملات وحملات الضد، ولا أحد يلجأ إليه أو يطالب بتفعيله، ومن زاوية أخرى يبدو القضاء هنا ليس معنيا بشيء مما يجري حتى حين قدم متظلم من فساد مؤسسة ما.. أرتالا من المستندات التي تثبت تغلغل الفساد في تلك المؤسسة، مما يشي بأن الفساد يتمتع بحماية لا شك بأنها أقوى من القانون والقضاء الذين يقفان متفرجين على ما يجري. وحين تنتهي الحملة وتبرد نارها تتسرب أخبار بأن بعض القائمين عليها قد تلقوا ثمن إيقافها. وأن بعض الذين أشعلوها كانوا يحصلون على امتيازات أوقفت عنهم فقرروا الانتقام والضغط لاستعادة امتيازاتهم. وهكذا تصبح محاربة الفساد بحد ذاتها شكلا من أشكال الفساد.

مما يفتح المجال واسعا أمام المالكين والمتحكمين في وسائل الإعلام لممارسة الابتزاز على كل من هو مستعد للدفع.(بالطبع لا أعني أحدا بعينه) بذريعة محاربة الفساد وتسليط الضوء عليه، وفي الوقت نفسه يستشري الفساد، وتشترى الذمم ويصبح منطق السوق هو الحاكم بالأمر وبه يستطيع الفاسد أن يصنع لنفسه صورة مشرقة والصالح تغتال شخصيته، وتختلط الأوراق، وخلالها أيضا تظهر التخندقات والاصطفافات على أسس مختلفة، فهذا يضرب هنا.. وهذا يدافع هناك زاعما أن المهاجم ينطلق من مسألة الأصول والمنابت. وذاك يدافع باسم العدالة، (ولعله يعني عدالة توزيع الأعطيات).. فينشق المجتمع فوق انشقاقه، ويصبح الفساد مبررا عند البعض حسب مرتكبه وانتماءاته وأصوله. ويقوم فاسدون ممن تدور حولهم أقاويل واتهامات لا تنتهي بالتحول إلى معارضين لخلاف على الحصص، فيصبحون محاربين للفساد.

ويصبح المشهد كله سورياليا ومستغلقا على الفهم. وفي غياب تام لمحاكمات قانونية تظهر براءة البريء وتدين المذنب ويقدم فيها المروجون أدلتهم ضد من يهاجمون، ولا يعود القارئ يدري هل من يتركز عليه الهجوم فاسد بالفعل أم أن منظمي الهجوم مبتزون أو لديهم تصفية حساب شخصي أم مدفوعون من طرف آخر من أطراف الصراع على الحصص. لماذا كل هذا؟ ومن أجل ماذا؟ أحقا من أجل محاربة الفساد؟ ومن أجل استعادة حق الوطن والمواطن؟ قبل أن نحدد علينا أن نتفق على إجابات محددة وواضحة لأسئلة كبرى.

أولها وأهمها وعمود الأمر كله: هل توجد فعلا إرادة سياسية حقيقية لمحاربة الفساد واجتثاثه من جذوره القوية والمتجذرة في كل مؤسسات الدولة؟ علما بأن مثل هذه الإرادة لو وجدت فإن التطبيق ليس سهلا. إذ إنه يتطلب هدما كاملا وإعادة بناء وهيكلة جديدة لكل شيء بدءا من التربية والتعليم والمناهج والفهم الشعبي العام والثقافة السائدة، ووسائل الإعلام وليس انتهاء بالقوانين وتغييرها، وتعديل الدستور وفرض المساواة أمام القانون بقوة القانون، وإلغاء الامتيازات، وإطلاق يد القضاء ومنع التدخل في عمله من كل الجهات، ورفع الحصانة عن أي نائب أو وزير أو رئيس وزراء أو غيرهم بمجرد الاشتباه، بل إلغاء الحصانة من حيث المبدأ، لأن مجرد وجودها يعني أننا لسنا سواسية أمام القانون مهما تشدق المنشدون المسبحون بحمد الجهات الرسمية أننا سواء.

وهل هذا ممكن فعلا؟ وهل يصبح لدينا ثقافة مختلفة في التعامل مع القانون بحيث لا يعود من العيب أن يمثل الشخص أيا كانت صفته ومكانته أمام القضاء.لقد جرت محاكمات علنية لأكبر رؤوس السلطة في البلاد المجاورة دون أية حصانة ودون أن يستقيل أو تلحق به أية وصمة. هذا لأن المسؤول والقاضي والمواطن المتفرج جميعهم على سوية واحدة في احترامهم لكل إجراء قانوني. أما لدينا فمجرد التلويح باللجوء إلى القضاء يدعو الشخصيات إلى إعلان النفير العام والبدء في حملة مضادة مسنودة بقوانين لا تصلح لمحاربة أي فساد. ومن المضحك أنه ذات يوم تم إلغاء اللجوء إلى القضاء لأن عدد الذين طالبوا به لم يبلغ ثلثي مجلس النواب.

وكأن المتهم بريء إلى أن يطالب بمحاكمته ثلثا الشعب وليس نصفه مثلا. ثم هل أجيال المسؤولين الذين نما الفساد وتربى وترعرع وتجذر في عهودهم مؤهلون لمحاربته؟ بل هل يصلحون لتكليفهم بهكذا مهمة؟ إن هذا الأمر يشبه تكليف نواب أو وزراء ـ نجحوا بقانون محدد وهم يعلمون أنهم لا يمكن أن ينجحوا بغيره ـ باختراع قانون آخر، قد ينجح هذا لدى من لا تهمهم ذواتهم فيبحثوا عن صيغة أفضل لبلدهم حتى لو أدت إلى نجاح غيرهم. وهو ما لم نعهده في مسؤولينا.

وبعيدا عن هذا المثال فإنه وبكل بساطة لا يمكن لفاسدين أن يؤسسوا لمحاربة الفساد بشكل جدي لأنهم أول الذين سيطاح بهم ويقدمون للمحاكمة. إذا كيف يتم الأمر؟ هل من الممكن هدم كادر الدولة من القائمين عليها بالكامل وتغييرهم ؟ وإن كان ذلك، تغييرهم بمن؟ وما معايير الاختيار التي ستضمن عدم تكرار التجربة؟ هل انتخاب حكومة أردنية من قبل الشعب الأردني سيحل هذه المعضلة؟ أليس رجال الأعمال الذين يصرفون على حملاتهم الانتخابية البرلمانية ملايين الدنانير قادرين على إنجاح أنفسهم وتولي مقاعد الحكومة؟ ليستمروا فيما هم فيه بل ليزدادوا قوة ما دام سعر الصوت بحدود العشرين دينارا بعد أن تم تسليع كل شيء في البلد حتى الثقافة الوطنية. ذلك التسليع الذي جعل من العادي عند تلفزيون يزعم أنه تلفزيون وطن!! أن يحجم عن بث الأعمال الدرامية ذات العلاقة بثقافة الوطن. بحجة أنها لا تجلب إعلانات كافية! وهو الأمر الذي كذبه الواقع في إقبال المحطات الأهم والأشهر على تلك الأعمال. هل تتم محاربة الفساد بالبحث والتحري والتقصد لخطأ فلان من أجل تصفية حساب معين.

والسكوت على ألف فلان آخر. ومتى ينتهي هؤلاء إذا كنا في كل هبة سنتناول واحدا؟ هل هذا منهج سليم؟ إن ما يجري في الأردن لا ينبئ عن أية إرادة حقيقية عند أية جهة رسمية لوضع حد للفساد على الإطلاق. بتقديري إنه لو وجدت تلك النية لكان الناس منذ زمن تشربوا فكرة اللجوء إلى القانون. وأن الوقوف أمام القاضي لا يعيب أحدا. وليس وصمة عار. ولأصبح المسؤول لا ينفر عندما توجه له تهمة. بل يهرب المسؤول ذاته إلى القانون ليوضح موقفه ويثبت براءته. ولما دفع بعض النواب ما يعادل راتب النائب مائة عام ليحتل كرسيه أربع سنوات يستثمر فيها الكرسي والحصانة الدبلوماسية من أجل تعويض ما دفعه في الحملة الانتخابية أضعافا كثيرة.

إن الفساد لدينا لا يمكن أن يحارب بهجمات وهبات وفزعات تتناول أشخاصا بعينهم. إننا إذا طالبنا شخصا بعينه بالاستقالة يكون من العدل أن نطالب كل القائمين على شؤون الدولة بالشيء نفسه. إذ إن الفساد لدينا ليس حالة فردية. وليس المسكوت عنهم بأكثر نظافة، فالكل مدان. ولو كان المسلط عليه الضوء واحدا. من المنطقي والحالة تلك أن نتساءل: إذا كان فلان فاسدا.. فكيف وصل إلى منصبه الذي استثمره في الفساد؟ ومن الذي أوصله؟ وما الآلية التي سمحت له بذلك؟ ومن وضع هذه الآلية؟ أليست الآلية التي أوصلته خاطئة؟ والذي وضعها لإيصال الفاسد فاسد هو أيضا؟ أسئلة لا تنتهي.. ولما كانت الحلقات كلها مترابطة..
هل ينتهي الفساد في البلد باستقالة مدير دائرة في أقصى الجنوب أو الشمال (مثلا) بينما تعج العاصمة (أيضا مثلا) بمخالفات كافية لوضع البلد برمته في مهب العاصفة وعلى طريق مجهول النهاية؟ من باب المثال أيضا..إن الحملة القائمة حاليا على رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة تتناول مسألة عطاء أحيل على مكتب مسجل باسم زوجة المدير.

لكنها تهمل تماما الكيفية التي يتم فيها اختيار موظفي المنطقة بحيث يتم تعيين الموظف بعشرة أمثال راتبه الطبيعي فيما لو كان في وزارة التربية مثلا. ولا أحد يعلم كيف ولماذا وبأي آلية يتم ذلك. ومن منح هذا الخريج الحق في وظيفة بألفي دينار وزميله بمئتين. من هنا تبدو الهجمة على الشخص (رغم أنها حق من وجهة نظر معينة) غطاء طبيعيا لما هو أهم وأعمق وأشد خطورة. بحيث يبقى الأمر على حاله في حالة تبرئة الرجل أو تنحيته وتولي غيره. فيشعر المواطن بالنصر القانوني ونشوة الإحساس بإنجاز شيء في محاربة الفساد. لكن الفساد الحقيقي الأكبر في ذات المكان يظل قائما دون أن يجد أحد جوابا لأسئلته الكبرى.

هذا مجرد مثال على ما أريد قوله. حين تدور أقاويل عن ممارسات فاسدة لمسؤول ما.. ثم تبحث في تاريخ ذلك المسؤول وكيف أصبح مسؤولا فلا تجد شيئا يؤهله لتولي مهامه سوى أنه كان طوال عمره مواليا أو مرتبطا بجهاز معين منذ صغره.. أو لم تبدر عنه أية وجهة نظر تخالف الخط العام للقائمين على إدارة البلاد والعباد. أو أنه ورث المنصب كابرا عن كابر.. أو حصل عليه نتيجة تقاسم معين لحصص معينة. أو ثمنا لمنحه الثقة لحكومة معينة .. وهكذا.. تجد أن أسس اختياره لموقعه فاسدة بحد ذاتها .. فماذا تنتظر منه؟ هنا يبدو السؤال المفصلي. هل المشكلة في بقائه أو رحيله؟ أم في الأسس التي استند إليها للوصول إلى مقعده؟ ومرة أخرى لا أعني أحدا بعينه. أعني النهج كله وعبر عقود.
http://atefamal.maktoobblog.com/





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :